مسلسل "المريض".. عندما يكون الطبيب النفسي مشروع قاتل

الوقائع الاخبارية : قد يصادف المريض العضوي طبيبا شاء قدره أن يكون مصابا بمرضه نفسه، فتصبح الخبرة مجالا مشتركا بينهما تساعد على سرعة شفاء المريض نتيجة للخبرة والتخصص اللذين وجدهما لدى طبيبه. أكدت ذلك الثقافة الشعبية في المثل: "اسال مجربا ولا تسأل طبيبا"، ولحسن حظ المريض فقد اجتمعا معا.

وتختلف حالة المريض النفسي مع طبيبه، خاصة لو كان هذا المريض قاتلا، وكان طبيبه النفسي -الذي يفترض فيه القيام بالتشخيص ووصف العلاج- مصابا بالمرض ذاته أو على الأقل تراوده رغبات دفينة دائما في القتل. فالعقل المجرم والنفس المريضة للطبيب قد يمارسان حيلا تزيد تفاقم المرض لدى المريض، وقد يصل الأمر بالطبيب (المريض) والمريض إلى حد قتل الآخرين بلا رحمة.

ويطرح مسلسل "المريض" (The Patient) هذا السؤال المربك: ماذا لو كان الطبيب النفسي لديه الأمراض ذاتها التي يعاني منها مريضه؟ وهو سؤال مشروع تماما في ظل تعقيدات الحياة الحديثة، التي دفعت الطبيب النفسي إلى صدارة المشهد كمرجعية قادرة على مساعدة الأفراد.

"الخطف الرحيم"
تدور أحداث القصة حول سام (دومينال جليسون) الذي أدت كثرة الحديث عنه إلى إصابته بالإحباط بسبب عدم إحرازه أي تقدم في العلاج النفسي، فيلجأ إلى حل غير تقليدي ويختطف معالجه الطبيب النفسي آلان (ستيف كاريل)، ويقيده في قبو منزله حتى يتمكنا من التوصل إلى علاج لحالته.

في هذا الوضع الغريب يتمكن سام أخيرا من الحكي بصراحة، ويكشف لطبيبه عن أنه يجد لذته في قتل الآخرين.

يفكك "المريض" هذه التفاصيل سريعًا في المشاهد الافتتاحية في حلقات المسلسل القصير المكون من 10 حلقات، ويناقش حكايات سام وآلان؛ فالمعالج النفسي يعاني من اضطرابات عاطفية بسبب فقدان زوجته وعلاقته المتوترة مع ابنه، ويحاول فهم ما يحدث، وفي الوقت نفسه الحفاظ على رباطة جأشه والعثور على مهرب من القبو.

الحلقات طولها 20 دقيقة ويشوبها التوتر، وهو ما يجعل المشاهدين يتساءلون عما إذا كان سام قادرا على التحكم في رغبته في القتل، وما إذا كان بإمكان آلان الخروج من هذه الأزمة حيًّا، وسط خيالاته هو الآخر بالرغبة في قتل سام للتخلص من غضبه.

انفجار
سام قاتل متسلسل يريد التوقف عن القتل، وآلان هو الرجل المكلف بمنعه، هكذا تسير وتيرة مسلسل "المريض" في قالب تشويقي متحفز نحو كل شيء. احتفظ الكاتبان الأميركيان جويل فيلدز وجو وايزبرغ بحلقاتهما القصيرة ومدتها 21 دقيقة، وفي النهاية 46 دقيقة للحلقة الختامية لترتيب درامي ربما يكون بطؤه مقصودا تمهيدًا للانفجار النفسي الذي يحدث في النهاية، ربما لذلك يمكن التنازل عن بطء التطور الدرامي نسبيًّا في المسلسل.

ويفاجأ المشاهد تمامًا بالبطل سام الذي يختطف طبيبه، ولم يُمهّد لتلك الشخصية التي تكون حتى ذلك الوقت هامشية مساعدة غير متوقع أفعالها، مجرد مريض يرتدي نظارة شمس في غرفة الطبيب بشكل لافت للنظر قليلًا لكنه غير موتّر.

على كثرة الأسئلة التي يطرحها العمل، يظل السؤال الأهم: ماذا لو كان الطبيب النفسي لديه المرض ذاته الذي يحمله مريضه، هل يصبح ذلك عاملا مساعدا في فهمه أكثر من غيره تماما، أم يجعله على مسافة قد تعميه عن رؤية الحل أو اليقين باستحالة تحققه؟

كان سام اختار طبيبه بعدما شعر من قراءة كتابه أنه يفهمه أكثر من غيره.

الحياة الهادئة التي يعيشها الطبيب قبل اختطافه لا تجعله في حالة مزاجية هادئة؛ فهو شبه محطم بسبب تشتت أسرته؛ فابنته تبتعد عنه، وتموت زوجته، ويصبح ابنه الوحيد متزمتا دينيًا لا يقبل حياته التي قد يدخلها بعض الموسيقى أو الخمر.

التوازي الدرامي الذي يحدث بين رغبة الطبيب في نسيان اختطافه والتفكير دائمًا في حياته قبل أن يحدث كل ذلك برفقة زوجته يُسبب بعض التوتر لدى الرجل وخاطفه: هل تجعلنا الحياة المستقرة نوعًا ما في الوقت الحاضر ننسى الماضي السعيد في حالة الطبيب، أو الحزين في حالة مريضه لنفتح صفحة جديدة مع العالم، أم أن الماضي لا يمكن الهروب منه؟

لو كان لجوء المريض إلى الرغبة في القتل مجرد دفاع عن العنف الذي تعرض له صغيرًا؛ فما الذي يبرر رغبة الطبيب؟ الحركة الخفيفة والحديث القليل الذي يدور بين الأبطال يجعل طرح العديد من الأسئلة غير قابل للإجابة، مجرد شذرات على المشاهد أن يُجيب عنها بنفسه.

أسئلة
يكثّف مسلسل "المريض" على لسان سام العديد من بديهيات الطب النفسي التي لا يقبلها المريض؛ على رأسها عدم قبوله أن الأم تصلح مساحة تفسير لرغبات كل ابن، تمامًا كما ترى أمّه. يكتشف الطبيب فجأة أنه تعرض للخطف في منزلها الشخصي، وأنها على علم بكل شيء رغم عدم مرضها النفسي لكنها تبرر كل ذلك من أجل سلامة ابنها.

يشاهد المحلل النفسي -السجين هنا إن جاز التعبير- كل مشاعر المريض مثلنا تمامًا من بوابة التشكك في كل شيء في ما عدا كون هذا الرجل مريضا، لماذا هو ذاته رغم علمه النفسي لا يمكنه التوقف عن خيالات القتل؟ ربما لا يجد إجابة.

يترك العمل الفني سواء البصري أو المكتوب أسئلة موازية للتعليق على تصورات الطبيب/المريض ذاته على كل شيء، العالم سيغموند فرويد مؤسس التحليل النفسي ذاته لم يكن اهتمامه بالأدب مجرد اهتمام هاوٍ من بعيد، لكنه أسس نظريته في التحليل النفسي بناءً على قراءاته الأدبية والأسطورية والدينية، وأجرى نحو 14 دراسة للأعمال الفنية والأدبية ليحصل بعد ذلك على جائزة جوتة للأدب 1930.