"تذكرة إلى الجنة" لجورج كلوني وجوليا روبرتس.. غطرسة اجتماعية أميركية ترفض مصاهرة بين الشرق والغرب

الوقائع الاخبارية : يملك كل من جورج كلوني وجوليا روبرتس رصيدا خاصا لدى الجمهور، لكن وجودهما معا يضيف إلى هذا الرصيد ويرفع التوقعات الإيجابية بعمل ممتع، خاصة أنهما يشكلان ثنائيا ناجحا منذ أكثر من 20 عاما.

وظهرا معا أول مرة في فيلم "أوشن 11" (Ocean’s Eleven) (2001)، ثم "أوشن 12" (Ocean’s Twelve) (2004)، وقدما أيضا "وحش النقود" (Money Monster) (2016)، وفيلم "اعترافات عقل خطير" (Confessions of a Dangerous Mind) (2002) الذي أخرجه كلوني نفسه.

وقدم الثنائي في أحدث ظهور لهما فيلم "تذكرة إلى الجنة" (Ticket to Paradise) الذي بلغت إيراداته في شباك التذاكر منذ بدء عرضه في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نحو 130 مليون دولار. ورغم الإيرادات المرتفعة نسبيا والتقييم الجماهيري الجيد (88%)، فإن التقييم النقدي على موقع "روتن توميتوز" (البندورة الفاسدة) جاء متواضعا، حيث لم يتجاوز 56%.

ولعل الجماهيرية التي يتمتع بها الثنائي هي السر وراء الإيرادات المرتفعة وأيضا التقييم الجيد، لكن الرؤية النقدية استندت إلى ذلك الاستسهال الذي ينتاب في أحيان كثيرة صناع الأعمال التي يحالفها الحظ بوجود نجمين بهذا الحجم ومكان للتصوير مثل جزيرة بالي الإندونيسية التي تعدّ من أجمل الأماكن على وجه الأرض؛ ليشاهد الجمهور فيلما جميلا لكن خفّته قد لا تحتمل.

طغيان الآباء
يتناول الفيلم إحدى القضايا الأكثر إثارة للجدل والأزمات الاجتماعية في تاريخ المجتمعات البشرية، وهي الرغبة التي يفرضها الآباء على الأبناء ليصبحوا نسخة شبيهة لهم حيث يترجمون ندمهم على أخطاء ارتكبوها في مرحلة البدايات بارتكاب أخرى جديدة لا تؤثر على مسارهم فقط ولكن تتجاوزه إلى حياة أبنائهم، وذلك بفرض إرادتهم على هؤلاء الأبناء وتقييد إرادتهم في حياتهم الخاصة.

يعتقد الكبار أنهم يقومون بحماية أبنائهم من ارتكاب الأخطاء التي وقعوا فيها متجاهلين ذلك الاختلاف الهائل بين الأجيال وأيضا بين الأفراد، فإذا انصاع بعض الأبناء لأمر بالزواج بعروس محددة أو أمر بعدم السفر على عكس ما قد يرغب فيه فإنه قد يصبح شخصا آخر لا يستطيع هو نفسه التعرف عليه بعد أن تخلّى عن اختياراته.

وتدور أحداث العمل الذي أخرجه الإنجليزي "أُول باركر" حول ديفيد (جورج كلوني) وجورجيا (جوليا روبرتس) الوالدين المطلقين اللذين لا يطيقان رؤية بعضهما بعضا لكنهما يتوجهان إلى "بالي" في إندونيسيا، بعد أن أعلنت ابنتهما "ليلي" (الممثلة كاثلين ديفير) عن خططها للزواج بأحد سكان الجزيرة الذي التقت به حديثًا أثناء إجازتها.

ويقرر الزوجان السابقان تنحية خلافاتهما جانبًا والعمل معًا لوقف الزفاف، معتقدين أن القيام بذلك سيمنع ليلي من ارتكاب خطأ مروّع مشابه لخطئهما.

فيلم للترفيه فقط
يعرض الفيلم العلاقة بين الزوجين السابقين في البداية باعتبارها علاقة ضدين لا يجتمعان للدرجة التي جعلت الابنة تتمنى أن تمر اللحظات التي يفترض أن تجمعهما أثناء زفافها على خير ومن دون أزمات كبرى.

وحين يلتقي ديفيد وجورجيا يتخذ الحوار المسار نفسه، بينما لا يوجد ما يبرر ذلك العنف الظاهر في موقف كل منهما تجاه الآخر، خاصة أنهما مطلقان منذ 15 عاما ولم يستمر زواجهما سوى 5 أعوام. وبعد محاولات فاشلة لصياغة محتوى لأزمة تبرر التوتر القائم بينهما، يفهم المشاهد أن ثمة حريقا شبّ في منزلهما ومن ثم وقع الطلاق.

لم يستطع السيناريو بناء الحكاية اعتمادا على منطق متماسك أو مقنع، فتحول الفيلم إلى حالة من الترفيه فقط في ظل خفة روح البطلين والقصة الرومانسية، إضافة إلى ذلك الاستعراض التفصيلي لتقاليد الزواج وقيم الأسرة في جزيرة بالي.

عقد المخرج مقارنة موجعة بين قيم الأسرة في مجتمع بالي من جهة والمجتمع الأميركي من جهة أخرى. فبينما جاءت العروس "ليلي" من أسرة ممزقة لا يجمعها شيء سوى حب الابنة والرغبة في إفشال زواجها خوفا عليها، فإن أكثر من 150 شخصا من أسرة العريس "غيديه" (الممثل مكسيم بوتير) الإندونيسي اجتمعوا للاحتفال به، وبينما جاءت الإجراءات الخاصة بالزواج ملتزمة بطقوس وتقاليد معينة ومرحة في الوقت نفسه، كانت الأسرة الأميركية تتفنن في اجتراح المقالب سواء لسرقة خاتمي الخطوبة أو للهروب من صديق الأم.

ابنة المستقبل
رغم الإشارات الساخرة والغاضبة إلى هشاشة البناء الأسري الأميركي وتمزقه، فإن ثمة فتاة وطئت قدماها جزيرة بالي فأغرمت بها وبالشاب "غيديه" الذي يعمل في استنبات الأعشاب البحرية بينما كانت الفتاة جاءت لتقضي إجازة قبل أن تبدأ عملها في المحاماة.

"ليلي" جاءت من أسرة أميركية، لكنها اكتشفت الحقيقة في إندونيسيا، لذلك لم يكن غريبا أن تكشف لأبيها أن المبلغ المالي الكبير الذي يشكو من كونه دفعه مقابل الوصول إلى حفل عرسها بالعملة الإندونيسية لا يعادل إلا ربع دولار، ومن ثم لا داعي لتضخيم الأمر. ولم تكشف الابنة مبالغة أبيها فقط بل أكدت النظرة الجديدة لمستقبل لا يسمح حتى للأب بتزييف الحقائق.

الفيلم ينتمي للنوع الرومانسي الكوميدي، وجاء أكثر المشاهد رومانسية مكررا في آلاف الأفلام التي صنعت في مرحلة الأربعينيات والخمسينيات، إذ ساعد "غيديه" السائحة الأميركية "ليلي" لصعود المركب، وما إن وقعت عيناها عليه حتى تجمدت لحظات، وتجمد "غيديه" بدوره لينتبه الاثنان إلى صوت الصديقة التي كانت على وشك الغرق في البحر.

ولعل النوع الرومانسي الكوميدي نفسه يحتاج للتفكير كثيرا قبل الشروع في تنفيذه، نظرا للتحولات الكبرى التي طرأت على السينما والدراما ووسائط العرض التي جعلت منه مناسبا للعرض التلفزيوني وليس السينمائي.

رغم الملامح الرومانسية للممثلة كاثلين ديفير التي قامت بدور "ليلي"، بقي الحوار عاجزا عن مواكبة قصة حب توشك على النهاية لأسباب خارجة عن إرادة طرفيها، وبقي وجهها هادئا حتى في أسوأ لحظاتها حين توقف العريس عن استكمال طقوس الزواج رافضا إتمامه قبل مباركة الوالدين.

ورغم الخفة الظاهرة للفيلم، فإن ثمة قراءة تشير إلى انتقاد حاد لغطرسة اجتماعية أميركية ترفض عقد مصاهرة بين الشرق والغرب، ولكنها تخضع في النهاية بعد أن تكتشف الخطايا التي أدت إلى عزلتها والتخلي عنها.