خبراء: قوة الاقتصاد الوطني واستثماراته المحلية ضرورة لدعم الأهل في غزة
الوقائع الإخبارية : يطوع الأردن كل إمكانياته وأدواته السياسية والاقتصادية لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة، ودعم الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده على أرضه، وسلخ اقتصاده من قبضة الاحتلال الإسرائيلي.
ووسط الجرائم والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في غزة وتدمير كل مقومات الحياة الأساسية، يحتاج الأردن اليوم لتقوية اقتصاده، ليكون قادرا على توفير كل الدعم لأهالي القطاع.
واليوم والمنطقة تدخل في ظرف استثنائي جديد يضغط على اقتصادنا الوطني الذي بدأ رحلة التعافي والخروج منذ وقت قصير من تبعات جائحة صحية بالعصر الحديث، تلوح في الأفق دعوات للمقاطعة الاقتصادية غير مفرقة بين استثمار محلي قائم بالمملكة منذ سنوات، وبين تلك الشركات القائمة بالخارج.
ومع الإيمان المطلق بأحقيتنا في استخدام كل الأدوات التي تمكنا من حماية الشعب الفلسطيني ووقف أراقة دم الأطفال والنساء والشيوخ في غزة، إلا أننا نؤمن أيضا بأن حماية الاستثمارات والشركات المحلية سواء التجارية أو الخدمية أو الصناعية واجب وطني، كونها بنية على أرض المملكة وأسهمت بتوفير آلاف فرص العمل.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الحديث عن أية مقاطعة اقتصادية لكل من يدعم الاحتلال الإسرائيلي يحتاج إلى توفير مرجعية أو جهة تضم مختلف مكونات المجتمع لمعرفة الشركات الأجنبية التي تدعم الكيان الغاصب.
وأكدوا أن المناداة بالمقاطعة الاقتصادية على مطلقها، يجب أن لا يلحق الضرر بالشركات والاستثمارات المحلية وبالتالي إضعاف الاقتصاد الوطني، والحاق المزيد من الأيدي العاملة بصفوف البطالة.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن المقاطعة الاقتصادية سلاح إذا اتسع نطاقه ستكون درجة التأثير أكبر على المستثمر المحلي وبعض الشركات والمؤسسات الوطنية، وأيضا على العامل الأردني والاقتصاد الوطني، مطالبا ان تكون المقاطعة لفترة محدودة لإيصال رسالة واضحة أن هناك بدائل من منتجات وسلع وخدمات أردنية.
وقال عايش إن القوة الشرائية تمكن الاقتصاد الاردني من اتخاذ المواقف السياسية القوية لإيصال العون وتجهيز حملات الدعم العيني والمالي للأهل في قطاع غزة الذين يتعرضون لمجازر وعدوان إسرائيلي غاشم.
وأضاف أن الاعتماد على المنتجات الأردنية يدفع الى تقليل العجر في الميزان التجاري كونها ستكون بديلا لسلع مستوردة، موضحا ان المملكة بلد مفتوح وحر اقتصاديا وتراهن على الاستثمارات كعنصر إضافي من عناصر الأداء الاقتصادي لتوليد فرص العمل وتحسين النمو الاقتصادي.
وشدد عايش على ضرورة أن تكون رسالة المقاطعة الاقتصادية واضحة وأن لا تمس بالمستثمر المحلي، موضحا ان هدف المقاطعة هو التأثير الاقتصادي على المعني بهذه المقاطعة وهي قرارات فردية، وإذا استمرت طويلا تخلق حالة وردود فعل سلبية على الاقتصاد الوطني.
ورأى مدير عام جمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي، أن المقاطعة الاقتصادية تعد أحد الأدوات الفاعلة لمواجهة الآخر والضغط عليه لا سيما بالقضايا الوطنية العليا لتوفير أدوات جديدة للدعم.
وأشار إلى أهمية استخدامها في الظروف الاستثنائية، شريطة عدم أضرارها بمصالح الأردن الاقتصادية والاقتصاد الوطني بشكل مباشر، موضحا أن مقاطعة المنتجات غير الوطنية بشكل مباشر لها تأثير أكبر من مقاطعة الاستثمارات المحلية القائمة بالمملكة.
وقال إن العديد من القطاعات سواء التجارية أو الخدمية أو الصناعية التي تواجه المقاطعة الاقتصادية هي بالأصل استثمار وطني وتوفر فرص عمل وتسهم بشكل جيد في الناتج المحلي الإجمالي وترفد الموازنة بالإيرادات "التي تجنبنا المزيد من العجز وبالتالي ارتفاع المديونية".
ولفت إلى أن الدعوات القائمة حاليا للمقاطعة الاقتصادية طالت حجم كبير من المنتجات الوطنية أو التي تعتمد على سلاسل إنتاج مرتبطة بنسبة 100 بالمئة مع صناعات وطنية قائمة على تلك الاستثمارات وبشكل كبير.
وأكد حجازي أن المستهلك الأردني وفي جميع الأحوال يفضل المنتج الوطني على المنتج الأجنبي لتمتع الصناعات الأردنية بجودة وسعر منافس في معظم الأوقات، والتي أثبتت قدرتها على منافسة الصناعات العالمية.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مازن مرجي، أن المقاطعة تنجح في المجتمع المتجانس استهلاكيا تجاه السلع والخدمات، موضحا أنها عادة ما تتم ممارستها لمقاومة ممارسات غير عادلة لسلع معينة وارتفاع أسعارها .
وأوضح ان ما يتم الدعوة إليه حاليا مقاطعة الشركات صاحبة العلامات التجارية العالمية يعود لأسباب سياسية وعاطفية، وبالتالي ليس هناك تجانس في طبيعة الاستهلاك والطلب على منتجات هذه الشركات لدى المجتمعات العربية، الأمر الذي يجعل تأثيرها ضئيل جدا.
وقال مرجي إن المقاطعة أسلوب اقتصادي وحضاري لكن تحتاج الى ثقافة واسعة بأسلوب الاستهلاك والالتزام والتعاضد مع المجتمع ووجود بدائل إنتاجية وخدمية متاحة على المستوى المحلي، والتي يصعب تحقيقها نظرا لتطور وتقدم واحتكار الشركات المراد مقاطعة منتجاتها وخدماتها.
وأضاف أن الدعوات لمقاطعة منتجات الشركات الأردنية والتي تحمل علامات تجارية عالمية سيلحق الضرر الكبير بهذه الشركات الأردنية لكونها تحمل رخصة هذه العلامات، وبالتالي انخفاض إيراداتها والعوائد المالية للخزينة، بالإضافة إلى التخلي عن وحدات إنتاج لانخفاض الطلب على سلعها وخدماتها ما يعني الاستغناء عن عمالة محلية ستؤثر على معدلات البطالة.
وقال مرجي "هذه الاستثمارات أردنية خالصة ومسجلة لدى الهيئات الرسمية ذات الاختصاص وتشغل أيدي عاملة محلية وبالتالي فأن الأثر السلبي للمقاطعة سيبقى محلي لعدم وجود صناعات محلية تحل كبديل للمنتجات المراد مقاطعتها خصوصا ان الأردن يعتمد بشكل أساسي على المستوردات".
من جهته، قال عميد كلية الحقوق في جامعة فيلادلفيا الدكتور مؤيد الخوالدة، إن المقاطعة الاقتصادية المطروحة حاليا هي نوع من أنواع التعبير لرفض الظلم الذي يتعرض له الأهل في غزة وهذا محل دعم من الجميع.
وتابع "لكن في نفس الوقت هناك من يقوم بإدخال شركات أو أصناف مواد غذائية من ضمن المقاطعة ولكنها ليست تابعة للمحتل أو من الداعمين له، وبالتالي وضعها من ضمن المحظورات هو بناء على مصالح شخصية للأضرار بهذه الشركات والمنتجات ومن ثم يقوم الآخرون بعمل نسخ ولصق ونشر لهذه المنشورات والدعايات الخاطئة غير الصحيحة دون أي فهم أو دراية، وبالتالي يتم الإضرار بالشركات والمنتجات والتوقف عن العمل الذي يترتب عليه الاستغناء عن العمالة المحلية التي هي بأمس الحاجة إلى العمل من أجل الحصول على مصدر رزق للعماملين وأسرهم".
وبين الدكتور الخوالدة أن المقاطعة الحقيقة يجب أن لا تؤدي إلى الإضرار بالعمالة المحلية والعاملين لدى الشركات الوطنية، التي تستثمر بالمملكة، فهم كذلك يسعون إلى رزقهم في ظل ظروف اقتصادية صعبة تواجه البلاد وعدم توافر فرص عمل بديلة.
وقال "نحن نؤيد المقاطعة التي لا تضر بالعامل البسيط حتى يقدر ان يؤمن لقمة العيش له ولعائلته"، مؤكدا ان الشعور بالآخرين هو واجب على الجميع ويجب أن نوازن ونعمل على تحقيق العدالة".