مطالب للاستثمار بمستقبل المياه وتغيير النهج الحالي لتخزينها

الوقائع الاخبارية:مواجهة مخاوف مزيد من الجفاف في المنطقة العربية، ومن ضمنها الأردن، تعاظمت دعوات مختصين بقطاع المياه، للاستثمار في مصادر المياه غير التقليدية، وانتهاج إجراءات تصبّ بتغيير النهج الحالي لتخزين المياه

وفيما دعا تقرير دولي صدر مؤخرا عن الموقع العالمي المتخصص بشؤون المياه والبيئة "Think Landscape"، وحصلت "الغد" على نسخة منه، للاستثمار بمستقبل المياه مضيا بمواجهة أزمة المناخ، أكد خبراء لـ"الغد"، أهمية تعزيز حصاد مياه الأمطار، واعتماد تقنيات ري أكثر كفاءة، ووضع قيود على الإفراط باستخدام المياه وتخفيض فاقدها المياه

وفي حين أشار التقرير الذي حمل عنوانه "كيف تتكيف المنطقة الأكثر جفافا في العالم مع أزمة المناخ؟"، للحاجة الى مزيد من التعاون الدولي لإصلاح سياسات استخدام المياه السيئة، والاستثمار في تقنيات الإدارة المستدامة للمياه، أوصى الخبراء بضرورة الجرأة في طرح حلول مواجهة ندرة المياه، مقترحين إمكانية الاستعانة بسفن تحلية المياه في البحار، باستئجارها حسب الحاجة والفترة الملحة ووفق الإمكانات المتاحة

الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، دعا للاستثمار في موارد المياه غير التقليدية، وأهمها تحلية مياه البحر، واستخدام المياه العادمة ومياه الصرف الصحي، المعالجة في الزراعات المقيدة والمياه شبه المالحة، في إطار مواجهة قضية الأمن المائي وندرة المياه في الأردن والمنطقة

وأشار الدحيات، لأهمية المضي في "حصاد مياه الأمطار واعتماد تقنيات ري أكثر كفاءة كالري بالتنقيط في الزراعة، وترشيد مياه الري والتحكم بالاستهلاك باستخدام التكنولوجيا المتقدّمة، لتخفيف الضغط على الموارد التقليدية كالمياه الجوفية"

ودعا لـ"وضع قيود على الإفراط باستخدام المياه وتخفيض فاقدها الناتج عن التسربات، وتهالك الشبكات وإعادة استخدام وتدوير المياه الجوفية والسطحية المستخدمة في الصناعات، وأبرزها الصناعات التعدينية كالفوسفات والبوتاس"

واعتبر الدحيات، أن "امتلاك وتوطين المياه من التدخلات الهامة التي يجب العمل عليها في واحد من أفقر البلدان بالمياه، وأهمها تكنولوجيا التحلية ومعالجة المياه العادمة والري"

وأضاف أن أرقام لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أظهرت افتقار نحو 50 مليونا في المنطقة لمياه الشرب الأساسية وعيش 90 % من إجمالي عدد سكانها، أي 390 مليونا في بلدان تعاني من ندرة المياه

وتقدّر نسبة الاستثمار التي تحتاجها مشاريع البنية التحتية لقطاع المياه في المنطقة بـ4.5 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي سنويا، لتعزيز الصمود في مواجهة تغير المناخ بالقدر الكافي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030، وفق الدحيات

وبين أن قضية تغير المناخ في الأردن، ساهمت بضغط على عدة قطاعات حيوية، بخاصة المياه، والذي يفرض تحديات متنامية، باعتباره ركيزة أساسية بتحقيق التنمية، وعنصراً جوهرياً في الأنشطة الإنتاجية، حظيت بأهمية في رؤية التحديث الاقتصادي 2033 ومنحت الأولوية في السياسة الوطنية للتغيّر المناخي 2022 - 2050، وفي تنفيذ خطط التكيّف مع المناخ التي تم إعدادها لاحقا

أما أستاذ علوم المياه الجوفية د. الياس سلامة، فدعا لضرورة الجرأة بطرح الحلول المرتبطة بمواجهة ندرة المياه، مقترحا إمكانية أن يستعين الأردن بتأمين كميات المياه المالحة، عبر استئجار سفن متخصصة بتحلية المياه في البحار، والاستفادة من نجاح دول عدة في هذا الإطار

وقال سلامة، إن هذا الحل الممكن لدينا في الأردن، باستئجار سفينة متخصصة بتحلية مياه البحر، ليكون موقعها في العقبة، مشيرا الى أن فترة استئجارها تحدد حسب الحاجة للمياه، وعبر تأمين دعم الجهات الملحة، لاسيما وأن تكلفة ذلك، حسب تجارب دول عدة، ليس كبيرا

وجدد خبير المياه الجوفية، تأكيده أن حل الأردن الوحيد لمواجهة معضلة شح المياه، وتخطي العجز المائي وعدم الاعتماد على أي جانب آخر، هو تحلية مياه البحر عبر مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، والذي تمضي به الحكومة حاليا، مشدّدا أيضا على أهمية رفع كفاءة استخدام المياه في قطاعات عدة بخاصة الزراعة

الأستاذة في كلية الهندسة المدنية بالجامعة الألمانية الأردنية د. منى هندية، دعت لانتهاج إجراءات عدة تصبّ في صالح الاستثمار بمستقبل المياه، مبينة أن ذلك يشمل النهج الحالي لتخزين المياه طبيعيا؛ كالمياه الجوفية والأراضي الرطبة والأنهار الجليدية واحتياطيات رطوبة التربة، باعتبارها أساسية للبقاء على قيد الحياة، وحمايتها وعدم استنزافها، وبالشكل المبني؛ كالسدود والبرك الزراعية، والشكل الهجين، كإعادة تغذية المخزون الطبيعي من المياه الجوفية، بحيث يجري تقييم منشآت تخزين المياه وتصميمها وتطويرها وإدارتها بشكل مستدام وفعال، وتعظيم منافع جميع أشكال تخزين المياه

وأشارت هندية، الى أهمية تحديث كيفية توزيع المياه، وتنويع مصادرها باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بالزراعة، وتحلية مياه البحر، موصية بـ"تنفيذ خطط الأمن المائي، والموازنات المالية للمياه، التي تبين مقدار المياه الجوفية المتاحة، ومقدار إعادة تغذيته، وما يمكن تخصيصه للزراعة"

وأوصت بضرورة "توعية المزارعين باستخدام أساليب ري مبتكرة موفرة للمياه، وزراعة المحاصيل الأقل استهلاكا للمياه، والمحاصيل عالية القيمة كالرمان والكمون، توازيا وأهمية إجراء دراسات مائية واقتصادية تأخذ في الاعتبار مختلف مستخدمي المياه، استخدامات الزراعة والصناعة والمنزلية والإيكولوجية

ونبهت هندية لمخاطر افتقار معظم المجاري المائية المشتركة لـ"أي إطار قانوني ينظم استخدام المياه"، محذرة من تأثير أزمات المياه المرتبطة بتغير المناخ على المجتمع والبيئة والاقتصاد، وسط دعوتها لتعزيز قضية تخزين المياه، مع تصاعد الظواهر المناخية المتطرفة، كونها "أداة متزايدة الأهمية للتكيف مع تغير المناخ"

وبينت أن تخزين المياه يوفر 3 خدمات رئيسة: تحسين توافر المياه في فترات الجفاف، والحد من آثار الفيضانات، وتوفر كميات المياه المخزنة التي يجري ضخها، مصدرا مهما لتوليد الطاقة الكهرومائية، وتعتبر عنصرا مكملا من الطاقة النظيفة

وحذرت الاستراتيجية الوطنية للمياه للأعوام 2023 2040 من المخاطر الكبيرة لتغير المناخ، مشيرة الى أنه "مصحوب بعواقب وخيمة محتملة على الإنسان والاقتصاد والنظم البيئية، بخاصة على قطاع المياه، أكثر القطاعات تأثرا بالتغيير المناخي"، مبينة أن تغير المناخ بالنسبة للمياه، يعني كميات هطول أمطار ذات أنماط متغيرة باستمرار، وارتفاع درجات الحرارة، وأحيانا مزيدا من الفيضانات الشديدة، وانخفاض معدل جريان المياه في الوديان وتغذية المياه الجوفية بنسبة 15 % بحلول العام 2040

وبين التقرير ذاته، أن تقديرات صدرت عن معهد الموارد العالمية، أشارت إلى أن المنطقة العربية، تضم 13 من أكثر 15 دولة تعاني من الإجهاد المائي عالميا، اذ يعاني 83 % من سكان المنطقة من الإجهاد المائي الشديد

وبناء على ذلك، فإن 100 % من السكان، سيعيشون في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية بحلول العام 2050"، وفق التقرير الذي حذر من مخاطر انعكاس ذلك، ليس فقط بالنسبة للمستهلكين والصناعات التي تعتمد على المياه، ولكن أيضا على الاستقرار السياسي

ووفق أحدث تقرير عن المخاطر المناخية، صادر عن مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا، فإن ارتفاع درجات الحرارة وزيادة تقلب هطول الأمطار سيؤديان لزيادة خطر فشل الحصاد بحلول خمسينيات القرن الحالي، فيما ستصبح بعض المناطق ، معرضة بشكل متزايد للحرارة الشديدة، بحيث تتجاوز درجات الحرارة حدود التحمل البشري، ما سيؤدي لمزيد من حالات الجفاف المتكررة، وسيسهم ذلك في ارتفاع الأسعار وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية، وتهديد الناتج الاقتصادي، وفق التقرير