رسالة من غانتس الى نتنياهو تحمل ٧ شروط

الوقائع الاخبارية:يثير فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب، أو في التقدم الفعلي نحوها، مخاوف كثيرة في أوساط النخب الإسرائيلية الأمنية والسياسية الحالية والسابقة. ويعزو بعضهم الفشل إلى تهرّب الحكومة من اتخاذ قرارات في مسائل مهمة تتعلّق بالحرب، وبها يتعلّق توجيه سير العمليات العسكرية. وسبب تهرّب نتنياهو من الحسم في بعض القضايا هو يقينه بأنّها مثار للخلاف، وربما تؤدي إلى تفكّك الائتلاف. ولأن غانتس لا يثق بنتنياهو ويشعر بأنه يجرّه لتحمّل مسؤولية إخفاقات متوقّعة، فقد بادر إلى توجيه رسالة خطّية مباشرة لنتنياهو ولمجلس الأمن القومي، مطالبا بمناقشة مواضيع ملحّة واتخاذ قرارات بشأنها. وهو بذلك يسعى لمخاطبة الجمهور عبر وضع خط فاصل بينه وبين نتنياهو، ويسطر وثيقة للجان التحقيق، التي ستأتي بعد الحرب.

وتتلخص المطالب السبعة، كما وردت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالآتي:
 

أولا: إعادة النظر في أهداف الحرب والالتزام بها. ويهدف غانتس ومعه عضو حزبه الوزير الحالي ورئيس الأركان السابق الجنرال غادي أيزنكوت، إلى وضع قضية المحتجزين في المقدمة، بكل ما يحمله ذلك من تغييرات جذرية في سياسة الحرب الإسرائيلية. وإذا رفض نتنياهو هذا الطلب، فسيكون، بنظر الجمهور الإسرائيلي، المسؤول الأول عن مصيرهم. لقد تحوّلت هذه القضية إلى قنبلة موقوتة، خاصة في ظل انفضاح كذبة «مواصلة الحرب تقرّب تحرير الرهائن»، التي تعني التضحية بهم في سبيل المضي في الأعمال القتالية، وهذا ما بدأ الإسرائيليون يعونه أخيرا. وقد عمد مكتب نتنياهو إلى إصدار رد سريع حمل رفضا قاطعا لإعادة النظر في أهداف الحرب، وعمد أيضا إلى تسريب أن نتنياهو يقول في الجلسات المغلقة، إن الحرب سوف تدخل إلى عام 2025 أيضا. وهكذا وبعد أن كان نتنياهو، بداية الحرب، أكثر المترددين في الدخول في الاجتياح البري، صار اليوم أشد المتمسكين به، وهو يستغلّه لتسويق نفسه كقائد قوي وعنيد وشديد البأس، علّ ذلك يعيد له أجزاء من قاعدته اليمينية التي هجرته وما فقده من شعبية ومكانة. وهو كما يبدو على اقتناع بأن وقف الأعمال القتالية، انتحار سياسي له شخصيا. هذا لا يعني أن غانتس وأيزنكوت يريدان وقف الحرب بالكامل، بل هما معنيان بإخضاع مجرياتها إلى هدف إعادة المحتجزين.

ثانيا: بحث قضية محور فيلادلفيا ومعبر رفح. وهذا موضوع في غاية الحساسية إسرائيليا، إذ يسود إجماع في أوساط النخب ومتخذي القرار في الدولة الصهيونية (بمن فيهم قيادة الجيش ونتنياهو وغانتس وغالانت)، بأن السيطرة على محور فيلادلفيا هو شرط إلزامي لنجاح الحرب، فهو ـ كما يقولون- ممر لتهريب الأسلحة والمعدّات عبر الأنفاق، وحتى من خلال معبر رفح نفسه. في البداية جرى الحديث عن احتلال مباشر ومرابطة دائمة للجيش الإسرائيلي على طول حدود القطاع مع مصر، لكن الغضب المصري دعا القيادة الإسرائيلية إلى تغيير اللهجة، لكنّها لم تحسم ما الذي تريده بخصوص هذا المحور. هناك عدة اقتراحات بديلة للاحتلال المباشر، ومنها جدار تحت الأرض بعمق 40 مترا وعلى امتداد 13 كم هو طول المحور. هنا من الأهمية بمكان أن تبقى مصر على موقفها الرافض للتعاون مع إسرائيل في قضية فيلادلفيا، والإصرار بأنها حدود بين مصر وغزة، وهذا بحد ذاته سيعمّق الفشل الإسرائيلي.

 

ثالثا: مناقشة الموقف من موضوع اليوم التالي. يصر غانتس على هذا الموضوع تحديدا، لأنّه محور النقاش والخلاف داخل الكابينيت وأيضا لأنّه مطلب أمريكي ملح وهو الأقرب إلى الإدارة وإلى المؤسسة الأمنية الأمريكية، وهو عمليا يتهم نتنياهو بأنه يريد إبقاء هذه المسألة مفتوحة وغير محسومة، بدوافع الحفاظ على حكومته وعلى ائتلافه مع قوى اليمين المتطرف. كما يعبر غانتس في هذا المطلب عن هواجس النخبة الأمنية والسياسية، بأن غياب الحسم في هذه القضية يجعل الحرب بلا بوصلة، وحربا لأجل الحرب بلا اتجاه واضح. نتنياهو من جهته طرح موقفا عاما خلاصته «لا حمستان ولا فتحستان». أمّا كلامه عن حشد دعم دولي لإعادة الإعمار ولإدارة غزة، فهو مع وقف التنفيذ، لأنه يدرك أن أي حديث مع أي دولة حول هذا الموضوع سيثير مطلبا بوقف الحرب، وهو لا يريد وقف الحرب.

رابعا: بحث آليات المساعدة الإنسانية في المناطق التي ينسحب منها الجيش. لعل أكثر ما يحبط القيادة الإسرائيلية هو أن حماس تعود إلى السيطرة على المناطق التي ينسحب منها الجيش، وتقوم بإدارة حياة الناس وتعمل على توفير المعونة لهم. وقد وُجّهت إلى نتنياهو تهمة أن رفضه التعاون في إيجاد بديل لسلطة حماس يعيد حماس إلى الإمساك بزمام الأمور. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن العمل الفلسطيني الموحّد كفيل بإفشال حرب الإبادة السياسية والجسدية في غزة، لأنه يستطيع أن يفرض نفسه كواقع ثابت لا يمكن زحزحته، خاصة إذا امتد إلى الضفة والقدس أيضا.

خامسا: تحديد موعد لنهاية مهلة الحل السياسي على الجبهة اللبنانية. يبدو أن غانتس في هذه القضية يزاود على نتنياهو، ليظهر بمظهر العسكري المتشدد، وهو ما كان ليطرح موقفه بهذه الصيغة، لولا أنه يقرأ الموقف الأمريكي الجديد، الذي طرحه المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين في لبنان، والذي لم يتضمن التزاما أمريكيا بالعمل على منع إسرائيل من شن حرب على لبنان، بل تهديدا صريحا بأنه إذا لم يحصل حل سياسي، فإن إسرائيل ستلجأ إلى الحرب، ويهدف تضمين هذا ضمن المطالب المسرّبة أيضا لتوجيه رسالة تهديد إضافية إلى حزب الله.

سادسا: إجراء حوار مع رؤساء السلطات المحلية في الشمال والجنوب وبحث مطالبهم. وقد بدأ هذا الحوار فعلا. وفي جلسة لمجلس الحرب معهم وعد نتنياهو بدراسة مطالبهم بجدية، وبضخ المزيد من الميزانيات لصالحهم، وأعلن كذلك تواصل التكفّل بأجرة سكنهم وبمصاريفهم ولن تطلب منهم العودة إلى بلداتهم قبل مضي ستة أشهر على الأقل.

سابعا: بلورة مسار لعودة المستوطنين إلى البلدات المهجورة. المسارات المقترحة لها ارتباط وثيق بمسار الحرب في غزة وعلى الحدود اللبنانية. ويبدو أن غانتس يشك بنوايا نتنياهو وبأنه يوظّف مخاوفهم لإطالة أمد الحرب، وهو يريد وضوحا في هذه المسألة أيضا، حتى لا يستغلّها نتنياهو متى يشاء وكيفما يشاء.

فسّرت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية رسالة غانتس بأنّها تهديد بالانسحاب من الحكومة. إذا كان الأمر كذلك فهو تهديد باهت، لأنها مطالب تحمل إصرارا على إجراء بحث بلا شروط مسبقة، وفيها دعوة لاتخاذ قرارات وعدم إبقاء الأمور مفتوحة على احتمالات كثيرة. والسؤال هل ينسحب غانتس من الحكومة، إذا اتخذت قرارات مناقضة لموقفه؟ هذا احتمال وارد، لأن هناك ضغوطا عليه داخل حزبه أيضا، وشعورا عاما بأن نتنياهو يلعب ويناور لضربه سياسيا. ومع ذلك يبقى هذا احتمالا غير قوي حاليا، في ظل التزامه بالبقاء في الحكومة طالما استمرت الحرب. في كل الأحوال، سيكون لأي حسم في الأمور التي طرحها غانتس، تأثير كبير على مجرى الأعمال القتالية، وعلى مسار حرب العدوان القذرة التي تشنها الدولة الصهيونية على أهلنا الصابرين والصامدين في غزة. رسالة غانتس تكشف عن ثغرات كثيرة في الحالة الإسرائيلية يمكن استغلالها عربيا وفلسطينيا لإفشال حرب الدمار والإبادة.