دراسة: تخطّينا عتبة 1.5 درجة مئويّة من الاحترار

الوقائع الإخبارية : تنصّ اتّفاقيّة باريس للمناخ الموقّعة سنة 2015 على اتّخاذ الدول إجراءات لإبقاء متوسّط ارتفاع درجات الحرارة أقلّ بكثير من درجتين مئويّتين مقابل معدّلات الحرارة في العصر ما قبل الصناعيّ. وتفضّل الاتّفاقيّة أن يبقى الارتفاع محدوداً عند 1.5 درجة مئويّة. حتى الآن، بلغ متوسّط هذا الارتفاع 1.2 درجة. لكن ماذا لو كانت هذه القياسات خاطئة؟ ماذا لو تخطّينا فعلاً عتبة 1.5 درجة مئويّة حتى قبل بلوغ منتصف هذا العقد، ناهيكم عن بلوغ آخره؟

في الواقع، ثمّة دراسة لفتت إلى هذا الواقع بالفعل، مستندة إلى تقنية مغايرة لتلك التي اعتمدتها لجنة الخبراء التابعة للأمم المتّحدة. وهذا ما كتبت عنه "مجلّة كوزمو":

أشارت دراسة نشرت في مجلّة "نيتشر للتغير المناخيّ" إلى أنّنا قلّلنا بشكل خطير من أهمّيّة ظاهرة الاحتباس الحراريّ، حيث سبق أن ارتفعت درجة حرارة الأرض بما يزيد عن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

وجد البحث الذي استند إلى القدرة غير العاديّة للإسفنج البحريّ على الاحتفاظ بسجلّات درجات الحرارة في هياكله العظميّة أنّ البشر تسبّبوا بارتفاع درجات الحرارة بكميات كبيرة قبل خط الأساس 1850-1900 الذي تستند إليه اتفاقيّة باريس. وهذا يعني، بحسب البحث، أنّ درجة حرارة الأرض ارتفعت فعليّاً بمقدار 1.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.


تعقيدات خطّ الأساس: 1850-1900

تستخدم الدراسة مجموعة بيانات من منطقة البحر الكاريبي لتحديد إجمالي مقدار الاحترار الذي حدث في محيطات العالم على مدار الـ300 عام الماضية.

"يجب أن يكون لديك نقطة مرجعيّة منذ بدء ظاهرة الاحتباس الحراري"، بحسب توضيح المؤلّف الرئيسي البروفسور الفخريّ مالكولم ماكولوتش، وهو باحث في الشعاب المرجانيّة في جامعة غرب أستراليا. تحدث ماكولوتش إلى الصحافيّين في مؤتمر عقده المركز الأسترالي للإعلام العلميّ الأسبوع الماضي.

تحدّد الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغير المناخ التي تعتمد اتفاقية باريس على نماذجها وتوقّعاتها خط الأساس الخاص بها على أنّه السنوات التي تتراوح بين 1850 و 1900.

هذه الفترة التي يشار إليها بـ"مستويات ما قبل الصناعة"، تُستخدم لأسباب "عمليّة" بحسب ماكولوتش وذلك عندما بدأت السفن بجمع درجات حرارة سطح البحر باستمرار.


لكنّ العصر الصناعي بدأ قبل قرن من سنة 1850، مع تغيّر بسيط، لكن ملحوظ في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوّيّ بحلول أوائل القرن التاسع عشر.

يقول ماكولوتش إنّ سجلات درجات الحرارة في القرن التاسع عشر معقّدة بسبب بعض الأشياء الأخرى.


أوّلاً، هي تأتي في الغالب من نصف الكرة الشماليّ، وبخاصة طرق الشحن الشائعة في هذا النصف. ثانياً، يمكن أن تكون درجات حرارة سطح البحر متغيّرة تماماً، بخاصة مع استخدام التقنيّات الخام للقرن التاسع عشر: "كثيراً ما كانوا يلقون الدلاء على الجانب، ويسحبونها للأعلى، ثم يغمسون مقياس الحرارة فيها"، كما يقول ماكولوتش. ثالثاً، تسبّبت الانفجارات البركانية في أوائل القرن التاسع عشر بفترة صغيرة من التبريد العالميّ.


ماذا عن دراسة الإسفنج البحريّ؟

في حين أنّ السجلّات التي جمعها الإنسان أكثر تفصيلاً، استخدم العلماء بيانات أخرى مثل عيّنات قلب المحيط لاستنتاج درجات الحرارة العالمية. هذه هي الطريقة التي نعرف بها درجات الحرارة العالمية منذ آلاف وملايين السنين في الماضي.

استخدم ماكولوتش وزملاؤه إحدى هذه الطرق: الإسفنج البحريّ في شرق البحر الكاريبي. يحتفظ نوع من الإسفنج الطويل العمر (Ceratoporella nicholsoni) بسجلات درجات الحرارة في هياكله العظمية الكربونية: تؤثّر درجات حرارة المحيط على التوقيعات الكيميائية في هذه الهياكل العظميّة أثناء نموّها.


وباستخدام هذا التوقيع، أنشأ الباحثون سجلاً لدرجات الحرارة يعود تاريخه إلى 300 عام. ويشير سجلّهم إلى أن الاحترار البشريّ المنشأ بدأ في ستينات القرن التاسع عشر، أي قبل نحو 80 عاماً من بدء ارتفاع درجات حرارة سطح البحر. يقول ماكولوتش: "إن الاختلافات عميقة جداً".

ويظهر سجلّها أنّ درجات الحرارة العالمية ارتفعت فعلياً بمقدار 1.7 درجة مئوية مقارنة بسنة 1700. وهذا أعلى بمقدار 0.5 درجة مئوية من الارتفاع الحالي المحدد بـ1.2 درجة مئوية. ويتوقّع الباحثون مستويات لارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين بحلول نهاية العقد. يقول ماكولوتش: "إنّ نصف الدرجة يمثّل فرقاً كبيراً يتمّ العثور عليه".


في حين أنّه من الصعب للغاية التنبؤ بهذه الأمور، يعتقد ماكولوتش أنّ هذا يعني أنّ تأثيرات تغيّر المناخ ستحدث في وقت أقرب مما كان يعتقد سابقاً.

يقول: "برأيي، الطريقة التي أفكّر بها في الأمر هي أنّ ساعة تغيّر المناخ قد تمّ تقديمها بنحو عقد من الزمن بسبب النتائج التي توصلنا إليها".


ماذا يعني ذلك بالنسبة لأهداف باريس؟

تهدف اتّفاقيّة باريس العالمية بشأن تغيّر المناخ إلى إبقاء الزيادات في درجات الحرارة "أقل بكثير من درجتين مئويتين"، والسعي إلى 1.5 درجة مئوية. تشير هذه الدراسة إلى أننا تجاوزنا بالفعل حدّ الـ1.5 درجة مئوية ونتجه الآن نحو درجتين مئويتين.

فهل هذا يعني أن الاتفاق قد فشل؟

لا. يمكن لهذا البحث أن يحرّك خطّ الأساس الذي استند إليه اتفاق باريس.


يقول الأستاذ مارك هودن، مدير معهد الحلول للمناخ والطاقة والكوارث في الجامعة الوطنية الأسترالية، وهو لم يشارك في البحث: "لا يعني هذا الاختلاف الضمني في درجات الحرارة الأساسيّة أنه يتعيّن علينا إعادة صياغة أهداف درجة الحرارة البالغة 1.5 درجة مئوية ودرجتين مئويّتين، لكنّه يؤكّد مدة وحجم التأثير البشري على الأنظمة العالمية".

من جهته، يقول البروفسور مالتي ماينشاوزن، عالم المناخ في جامعة ملبورن والذي لم يشارك أيضاً في البحث، إنّ "النتائج التي توصّلت إليها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ لا تزال قويّة". ويضيف مينشاوزن أنّنا لا نزال "على مقربة من ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية".


"يمكننا أن نحتفظ بسجلّاتنا الثابتة لمتوسط درجات الحرارة العالمية باعتبارها عدّاد السرعة المفيد الذي يخبرنا أنّه يتعيّن علينا أن نضغط على المكابح في ما يتعلق بالانبعاثات".

على العكس من ذلك، يقول الدكتور جورجي فالستر، زميل ما بعد دكتوراه في الجامعة الوطنية الأسترالية والذي لم يشارك في الدراسة، إنّ "البحث الجديد يظهر مع التصحيح في المراحل المبكرة من الاحترار العالميّ، أنّنا تجاوزنا بالفعل عتبة اتفاقيّة باريس 2015 البالغة 1.5 درجة مئوية فوق درجة الحرارة العالميّة قبل الثورة الصناعية، ونحن في طريقنا لتجاوز درجتين من الاحترار بحلول أواخر عشرينات القرن الحالي".


ويرى ماكولوتش أنّ هدفي 1.5 درجة مئوية و2 درجة مئوية "غير ذوي صلة إلى حدّ ما"، وأنّهما يخلطان بين أهداف سياسة المناخ. ويقول: "الإجابة الأبسط هي أنه يتعيّن علينا تقليل الانبعاثات".

"علينا الآن أن نعمل بجدّ كمجتمع عالميّ ليس فقط لتحقيق الاستقرار في معدل الانبعاثات المرتفع للغاية، بل يتعيّن علينا خفض الانبعاثات إلى صاف صفريّ".


ما مدى موثوقية البحث؟

يقول خبراء مستقلّون إنّ البحث شامل، لكنه لا يزال بمثابة دراسة واحدة مقارنة بكمّيّة المعلومات التي بحثتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

يقول مينشاوزن: "للوهلة الأولى، يبدو أنّ هذه الدراسة الجديدة تشير إلى أن الهيئة الحكوميّة الدولية المعنيّة بتغيّر المناخ قد قلّلت بشكل جذريّ من تقدير ظاهرة الاحتباس الحراري".


"مع ذلك، إنّ مثل هذه الدراسات بالضبط هي التي تسلّط الضوء على مزايا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، حيث يقوم مئات العلماء بتمشيط آلاف الدراسات العلميّة لاستخلاص نتائج قوية".

"يعدّ تسجيل سجلّ قديم واحد جديد قبالة سواحل بورتوريكو إضافة قيّمة إلى الأدلّة الكبيرة على ارتفاع درجة الحرارة. لكنّها مجرد هذه، دراسة واحدة من بين المئات".

ويقول هودن إنّه على الرغم من أنّ هذا البحث "يبدو أنّه مرتبط ارتباطاً وثيقاً باتّجاهات درجات الحرارة السطحية العالمية" ويعكس بعض النتائج الأسترالية الأخرى، "سيكون من المهم الاعتماد على مصادر بيانات أخرى مماثلة خارج هذه المنطقة لتحديد الطبيعة العالمية لهذه العلاقات".

ويقول مؤلّفو الدراسة إنّ هناك الآن "حاجة أكثر إلحاحاً لخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول سنة 2030"، ويتّفق الباحثون المستقلون على هذا.

يقول ماينشاوزن: "لا يوجد سبب للرضا عن النفس على الطريق نحو صافي الانبعاثات الصفرية".