أربع طرق رئيسية لمعالجة "فوضى الاقتصاد البريطاني"

الوقائع الإخبارية: - يتحسس الاقتصاد البريطاني طريقه نحو الخروج من أزماته المدفوعة بعوامل داخلية وخارجية مختلفة، بما في ذلك تبعات الخروج من الاتحاد الأوروبي، علاوة على تأثيرات جائحة كورونا الممتدة إلى الآن، وأخيراً الحرب في أوكرانيا بما لها من ارتدادات عميقة على المملكة المتحدة.

وفي هذا السياق، قدّم الكاتب الاقتصادي البريطاني، مارتن وولف، في مقال له بصحيفة "فاينانشال تايمز البريطانية" رؤية تتضمن أربعة طرق رئيسية لمعالجة "فوضى الاقتصاد البريطاني"، على النحو التالي:

*أولاً: تحتاج البلاد إلى رؤية استراتيجية

يشدد وولف على أنه ينبغي للحكومة بناء رؤية متجددة مدتها خمس إلى عشر سنوات حول كيفية تطور الاقتصادات العالمية والوطنية، وما هي المهارات التي قد تكون مطلوبة، وما هي الاستثمارات التي يجب القيام بها، وكيفية تشجيع الابتكار وكيفية التعامل مع التحديات، بما في ذلك الشيخوخة وتغير المناخ وما إلى ذلك.

*ثانياً: الإصلاح المؤسسي

يعتقد الكاتب الاقتصادي بأن التغييران الأكثر أهمية يجب أن يكونا في هيكل الحكومة المركزية والتقسيم الإقليمي للسلطات.

الأول سوف يتطلب تحولاً كبيراً في السلطات بعيداً عن وزارة الخزانة. وسيتضمن جزءاً من هذا إنشاء إدارة مكلفة بتطوير الرؤية الموضحة أعلاه والتأكد من أن إنفاق الإدارات يتناسب مع الاتجاه العام المتفق عليه. أما الخيار الثاني فسوف يتطلب إجراء مراجعة جوهرية لتوزيع الإيرادات المالية والمسؤولية عن الإنفاق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية.

*ثالثاً: التعامل مع فجوة الموارد

ويشير إلى أنه لا يبدو أن هناك أي احتمال للتعامل مع الفجوة بين الموارد المتاحة والطلبات من الحكومة من دون فرض ضرائب أعلى. وهذا بدوره سوف يتطلب إصلاحاً جوهرياً للفوضى المالية الحالية.

ويضيف: "عندما ننظر في الإصلاح، وهو المهمة التي يتعين على وزارة الخزانة أن تركز عليها، فلابد أن يتجه الاهتمام إلى المجالات التي قد تؤدي الضرائب الأعلى فيها إلى تحسين الكفاءة. ولابد على سبيل المثال من الاستعاضة عن رسوم الوقود بضريبة الكربون، مع استخدام العائدات لتعويض الخاسرين وتمويل التحول في مجال الطاقة".

إن استبدال الضرائب العقارية الحالية بضرائب على قيمة الأراضي، وهو ما قد يحفز التنمية، من شأنه أيضاً أن يساعد في تحقيق أهداف مهمة.

*رابعاً: الادخار والاستثمار والاقتراض

تحتاج الحكومة إلى سياسات للادخار والاستثمار والاقتراض. ويجب عليها، على سبيل المثال، أن تفكر في طرق لزيادة المدخرات الخاصة. أحد هذه الأسباب الواضحة هو زيادة الحد الأدنى الموصى به لمعدلات مدخرات المعاشات التقاعدية فوق المستوى الحالي البالغ 8 بالمئة من الأرباح.. ويتعين عليها أن تقرر أي الاستثمارات العامة ستكون ضرورية إذا أرادت تحقيق أهدافها.

إن بناء أي بنية تحتية في المملكة المتحدة يكلف أكثر كثيراً من تكاليف تشييد أي بنية تحتية في البلدان النظيرة. هذا يجب أن يتغير. وهذا بدوره سيتطلب تغييرات كبيرة في إجراءات التخطيط.

بالإضافة إلى ذلك، من المنطقي الاقتراض للاستثمار، خاصة إذا كانت الأصول الممولة ذات قيمة سوقية واضحة. ويمكن للحكومة، على سبيل المثال، أن تقترض للاستثمار في توسيع المعروض من المساكن.

**ضعف النمو

من جانبه، يقول الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المشكلة الأساسية في أزمة اقتصاد بريطانيا الحالية تتعلق بمعضلة في ضعف النمو خلال الأعوام الأخيرة.

ويشير إلى سياسات الحكومة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحتى الآن، والتي كانت تتطلب ضرورة إعادة هيكلة أجزاء من الاقتصاد البريطاني وهو ما لا تفعله الحكومة حتى الآن.

كما يُبرز الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، في السياق نفسه آثار ضعف الاقتصاد الأوروبي عموماً، من ضمن العوامل الخارجية التي تضغط على الاقتصاد البريطاني.

يأتي ذلك اتصالاً بعديد من الأزمات، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها المستمرة منذ أكثر من عامين، والتي قوضت الاقتصاد الأوروبي بشكل كبير، وعانت منها المملكة المتحدة بصفة خاصة اقتصادياً.

أظهرت أرقام بريطانية رسمية، في فبراير الماضي، دخول اقتصاد البلاد في حالة ركود بنهاية عام 2023 مع انكماش الإنتاج أكثر من المتوقع في آخر ثلاثة أشهر من العام.

ويتم تعريف الركود على أنه فترتان متتاليتان مدة كل منهما ثلاثة أشهر ينكمش فيها الاقتصاد بدلاً من أن يحقق نموا.

بينما أظهرت أرقام من مكتب الإحصاءات الوطنية الجمعة أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني قد نما بنسبة 0.1 بالمئة على أساس شهري في فبراير، كما تم تعديل قراءة يناير بالرفع، مما يشير إلى الخروج من الركود في أوائل عام 2024.

وكان اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم قد توقعوا نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 بالمئة على أساس شهري.

وتم تعديل قراءة شهر يناير لتظهر نموا بنسبة 0.3 بالمئة، ارتفاعًا من 0.2 بالمئة في السابق. وتضيف هذه الأرقام دليلا على أن الاقتصاد يكتسب زخما بعد انزلاقه إلى ركود فني ضحل في النصف الثاني من العام الماضي وسط ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة.

**تحسن شكلي

من لندن أيضاً، يلفت الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:

-يمكن لبريطانيا الآن تجنب الركود حتى في حالة انكماش الناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد أخيراً (..).

-هناك تحسن "شكلي" في الاقتصاد يؤكده بنك إنكلترا، الذي كشف عن أنه يتوقع نمواً اقتصادياً صفرياً، العام المقبل.

-بنك "غولدمان ساكس" ، يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا لهذا العام بنسبة 0.6 بالمئة، أي أكبر من توقعاته السابقة عند 0.5 بالمئة.

-الاقتصاد البريطانى لا يزال ليس قوياً بما يكفي لخفض التضخم الأساسي ونمو الأجور بسرعة.

ويضيف: قد تدفع هذه المعطيات بنك إنكلترا لعدم خفض أسعار الفائدة حتى أواخر العام 2024، بدلاً من منتصف العام الجاري، كما هو متوقَّع على نطاق واسع.

ويشير إلى أن التضخم المرتفع ما زال أكبر عائق أمام النمو، مردفاً: "وفي اعتقادي لا بد من خطوات أسرع لفتح الاستثمار وإعادة الناس إلى العمل في البلاد (زيادة فرص العمل بحوافز مجدية)".

-تراجع تضخم أسعار المستهلكين البريطاني بأقل من المتوقع مسجلا أدنى مستوياته في عامين ونصف العام عند 3.2 بالمئة على أساس سنوي في مارس، انخفاضا من 3.4 بالمئة في فبراير، بحسب بيانات رسمية صادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية.

-وكان بنك إنجلترا - الذي يستهدف التضخم 2 بالمئة - وخبراء اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم قد توقعوا معدلا سنويا للتضخم عند 3.1 بالمئة.
بلغ التضخم أعلى مستوى له فوق 11 بالمئة نهاية عام 2022 في أعقاب الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ما أدى إلى زيادات حادة في تكاليف الطاقة.
من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم بصورة أكبر في أبريل، ربما إلى أقل من 2 بالمئة، نتيجة للانخفاض الحاد في فواتير الطاقة المحلية، وهو ما يعتقد الاقتصاديون أنه قد يدفع مسؤولي أسعار الفائدة في بنك إنجلترا إلى النظر في خفضها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
تحديات

ويستعرض عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أبرز الأسباب وراء تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية التي تمر بها المملكة المتحدة على النحو التالي:

-المشاركة المادية والعسكرية في الحرب في أوكرانيا دعماً لكييف.

-التأثيرات السلبية للخروج من السوق والاتحاد الأوروبي.

-ارتفاع الأسعار بشكل مطرد.

-ضعف القدرة الشرائية للمواطن وفي ضوء تضاؤل المرتبات.

ويشير إلى أن تلك التحديات الأربعة مثلت معضلات قوية وضعت الحكومة في مأزق اقتصادي رهيب، وهو ما يتطلب عدداً من الحلول والسياسات الخاصة، بما في ذلك ربما التخلي عن دعم أوكرانيا مادياً وعسكرياً، ولكن السؤال هنا: هل تستطيع المملكة المتحدة التخلي عن موقفها في ضوء الإعلان أخيراً عن استهدافها إرسال قوات الى أوكرانيا، وفي ضوء وجود بريطانيا كأكثر الدول دعما لأوكرانيا، وهو ما يعني مزيد من الأزمات الاقتصادية الكبيرة؟.

ويوضح أن عدم قدرة المملكة أيضاً على زيادة الرواتب وتقديم اقتراحات لنسب ضئيلة فقط من الزيادات لبعض الفئات، وما يتبع ذلك من استمرار الاضطرابات والتظاهرات المستمرة لدى عديد من الفئات، جميعها شواهد تؤكد على استمرار الأزمة الاقتصادية الحالية.