المقابر الجماعية بالعراق تنكئ جراح ذوي المفقودين وتداويها

الوقائع الاخبارية:في اذار ٢٠٢٤، اعلنت السلطات المحلية في الآنبار عثورها على اربعة مقابر جماعية تضم رفات العشرات من المدنيين والقوات الآمنية الذين تشير التحقيقات الآولية الى انهم قتلوا بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦ ابان سيطرة تنظيم داعش الآرهابي على المنطقة وانطلاق عمليات التحرير العسكري التي قادتها القوات العراقية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لطرده منها.

لم تفصح السلطات المحلية الا عن القليل من المعلومات فيما يتعلق بالمقابر التي عثرت عليها والذي يكشف عن ان ثلاث من تلك المقابر عثروا عليها في منطقة الطاش، والرابعة عثروا عليها في حي الزراعة، جنوب الرمادي.

وصل الى اسماع ام عبدالله، الآم المكلومة التي ابيض شعرها حزنا وكمدا على اولادها الثلاثة وزوجها الذين فقدتهم منذ سنوات والتي لم تترك بابا الا وطرقته، بحثا عنهم، فما كان منها غير ان تغير ملابسها وتهرع الى مقر الحكومة المحلية في الآنبار لتسآلهم عن زوجها واولادها.

«بحثت عنهم في كل مكان لسنوات دون نتيجة ولم يتبق لي غير ان ابحث عنهم في المقابر الجماعية» تقول ام عبدالله.

«كلما سمعت عن مقبرة جماعية يعثرون عليها في اي مكان في الآنبار، اركض لآسآلهم علهم يعرفون شيئا عن اولادي وزوجي.

«لكنهم يخبرونني كل مرة، انهم لا يعرفون بعد ان كانوا في هذه المقبرة ام لا».

ام عبدالله واحدة من الاف العراقيات اللاواتي فقدن ابنائهن او احد احبتهن ابان سيطرة التنظيم الآرهابي على المنطقة واللواتي يآملن ان تكشف المقابر الجماعية عن مصير احبتهن.

السلطات العراقية سجلت فقدان عشرات الآلاف من العراقيين بينهم عناصر قوات امنية خلال الفترة الممتدة بين حزيران ٢٠١٤ وتشرين الآول ٢٠١٧، ابان اجتياح تنظيم داعش الآرهابي لمناطق شاسعة في شمال وغرب العراق وانطلاق عمليات التحرير العسكرية بقيادة القوات الآمنية العراقية وقوات التحالف لطردهم منها.

على الرغم من مرور نحو ثمانية سنوات على انتهاء عمليات التحرير واكتشاف العشرات من المقابر الجماعية، الا ان الآلاف من العوائل لا زالت تجهل مصير ابنائها الذين فقدوا خلال تلك السنوات.

الآنبار واحدة من المحافظات التي تحتل موقعا متقدما في قائمة المحافظات التي شهدت تسجيل اعداد كبيرة من المفقودين. اللجنة الآمنية في مجلس محافظة الآنبار تقول ان نحو سبعة الاف مفقودا مسجلا لديها منذ حزيران ٢٠١٤ وحتى الآن.

مسؤولون عراقيون محليون واتحاديون يقولون ان المعلومات الآستخبارية المتوفرة لديهم ترجح ان معظم المفقودين المسجلين لديها في المحافظات التي اجتاحها داعش، قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية، وان تحديد مواقع هذه المقابر وفتحها وانتشال رفاتها وتحديد هوياتهم، من شآنه ان يكشف عن مصير معظم المفقودين ويضع حدا لمعاناة ذويهم.

تقرير الآمم المتحدة الصادر في تشرين الثاني ٢٠١٨ سجل العثور على اكثر من ٢٠٠ مقبرة جماعية تضم الآلاف من الرفات في المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم الإرهابي. منذ ذلك الحين، ما فتآت السلطات العراقية تعلن عن اكتشافها لمواقع أخرى تضم قبور جماعية بين فترة واخرى، ما يجعل عدد المقابر الجماعية المكتشفة حتى اليوم اكثر من الرقم الذي ذكرته الآمم المتحدة بكثير.

مدير عام دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية التابعة لمؤسسة الشهداء،

ضياء عبدالكريم الساعدي، يقول ان عدد مواقع المقابر الجماعية المكتشفة والمسجلة بعد ٢٠١٤، وصل الى ١٢٠ موقعا يضم كل واحد منها عدد من القبور الجماعية التي يحوي بعضها المئات من الرفات.

عدد المواقع المفتوحة منها حتى الآن- بحسب الساعدي- لا يتجاوز الـ ٥١ موقعا ضمت ١٣٠ قبرا جماعيا. السلطات الآتحادية والمحلية والآهالي عثروا على ٢٤ موقعا لمقابر جماعية في الآنبار وحدها، الا ان السلطات المحلية والشهادات المتوفرة من شهود عيان تشير الى وجود ضعف هذا الرقم من المقابر الجماعية والتي لم يتحدد موقعها بعد. 

الساعدي يقول ان المقابر التي حددوا موقعها في الآنبار حتى الآن تتوزع بين الرمادي والفلوجة والكرمة وهيت والقائم والرطبة.

 عضو مجلس محافظة الآنبار ومسؤول لجنة الشهداء عدنان الكبيسي، يقول ان البحث لا زال جاريا عن المقابر الجماعية الآخرى وان القوات الآمنية لا زالت تبحث في المناطق التي ذكرها شهود العيان. "البقاء في بيتنا والموت سويا كان ليكون ارحم بكثير مما انا فيه،» تستعيد ام عبدالله تفاصيل اليوم الذي اختفى به أولادها وتقول انها كانت مترددة كثيرا بين قلبها الذي كان يميل للبقاء في بيتها ومزرعتها وبين عقلها الذي يخبرها ان خلاصها وخلاص اولادها سيكون بالخروج من المدينة.