"الغيرة التكنولوجية" تدمر أسرا أردنية

الوقائع الاخبارية: يحاور زوجته وعينه على الهاتف، يرد على أسئلتها بإجابات عشوائية، ولا يكلف نفسه أن يرفع عينه على الهاتف إما لحوار على الواتساب، أو مشاهدة مقطع لمبارة يخرج منها صوت الجمهور، أو قد يكون مقطعا قصيرا "ريلز"، لا ينفك أن يرفع عينيه عنه.

هذه حالة تصفها إحدى السيدات، وغيرها الكثيرات، لحال الزوج خلال إمساكه بالهاتف خلال ساعات جلوسه على الهاتف في المنزل، ما يثير الاستياء، ويسبب مشاكل في البيت، قد تصل إلى مراحل من التأزيم، في حال كانت تلك عادة متكررة وطباع في الزوج.

بيد أن هذا الأمر قد ينطبق على الطرفين، وليس حكرا على الرجل. ففي حين يجد الشريك نفسه مهمشا أمام شاشات الهواتف أو الألعاب الإلكترونية، قد تنشأ حالة تسمى "الغيرة التكنولوجية"، نتيجة الوقت الذي يوليه الشريك للتكنولوجيا بمختلف أشكالها. خاصة في ظل واقع التواصل الاجتماعي الذي يستنفد أوقات نسبة كبيرة من الناس، يبقى الحديث بين الطرفين مقتضبا، سريعا، وبردود على قدر السؤال. هذا الأمر قد يكون سببا في زيادة التوتر، الخلافات، والبرود العاطفي.

علماء النفس، ومنذ سنوات، أطلقوا مصطلحا جديدا لوصف الحالة التي يتجاهل فيها الإنسان من حوله أو عندما يتجاهل أحد الزوجين شريكه ويبقى لساعات أو طوال الوقت منشغلا بهاتفه. هذا المصطلح هو "الفوبنج"، والذي يمكن ترجمته إلى "التجاهل أو الاحتقار".

ووفق دراسة أجرتها جامعة بريغهام يونغ الأميركية قبل عدة أعوام، تبين أنه بعيد عن التأثير السلبي للتكنولوجيا على العلاقات والصحة النفسية للأشخاص، فإن التحديات الكبرى والخلافات التي كانت تواجه الأزواج تتعلق بالمال، والأطفال، والاهتمام، والعلاقة العاطفية والحميمة. ولكن الآن، أصبحت الهواتف الذكية هي الأكثر تسببا للخلافات بين الأزواج.

وهنا، يتحدث الاستشاري الأسري ومستشار العلاقات الزوجية أحمد عبد الله عن هذا الأمر بقوله، إنه لا يميل إلى تسمية العلاقة الشائكة بين الأزواج والهواتف الذكية بـ"الغيرة الإلكترونية"، لأن المصطلح يحمل في طياته اتهاما لصاحب الغيرة وليس للآخر الذي يخلط بين الأولويات. وأضاف أن الانشغال عن الشريك بأمور ليست ذات أولوية يقود بسرعة إلى مزيد من المشكلات بين الزوجين.

وفضلا عن أن هذا السلوك، "الانشغال بغير المهم"، يقول عبدالله، إن هذا يبعث رسالة مبطنة واضحة بأن هذا (غير المهم) له أولوية أكبر من الزوجة أو الزوج، يقول عبد الله، فمن الطبيعي أن يثير هذا استياء شديدا لدى الطرف الآخر. كما أن التطبيقات والمقاطع القصيرة تسبب حالة قهرية من السلوك، وتجعل الإنسان مدمنا عليها بشكل كبير. وتستخدم هذه المقاطع حاليا ليس لمجرد المتابعة، بل يمتد التعامل معها لتكون شكلا من أشكال التفريغ الانفعالي ومحاولة إعادة ضبط الميزان النفسي الداخلي.

ولا تخلو جلسة من الحديث عن تأثير التكنولوجيا ومواقع التواصل على العلاقات الأسرية، وغالبا ما يكون الحديث عن تأثير سلبي. كتبت إحدى السيدات في مجموعة على إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي أن سبب مشاكلها التي أوصلتها إلى الطلاق مرة واحدة والعودة إلى زوجها كان بسبب الهاتف وتطبيقات المقاطع القصيرة التي لا ينفك زوجها عن مشاهدتها لساعات، خاصة عندما يكون في البيت وفي أيام الإجازة، بحجة حاجته إلى الراحة والتسلية.

وتقول تلك الزوجة إنها في كل مرة تطالب زوجها بأن يكون هذا الوقت مخصصا لها ولأطفالها، يكون جواب الزوج أن "لديه الحق في الجلوس وحده لفترة من الوقت". لكنها تجد أن الوقت يسرقه في كل مرة، مما يسبب لها "الغيرة والغضب والتذمر".

كانت هناك العديد من الردود على الزوجة تشير إلى أن نسبة كبيرة من الأزواج يواجهون نفس المشكلة. فالزوجات أيضا يقضين ساعات طويلة في الحديث مع صديقاتهن أو أخواتهن، سواء عبر المكالمات الهاتفية أو الرسائل المكتوبة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نسبة كبيرة منهن يتابعن المقاطع القصيرة والمسلسلات والأفلام لساعات طويلة. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن المشكلة ليست محصورة بطرف دون الآخر، بل تتفاوت نسبتها بين الشريكين.

غير أن كل هذا لا يعفي هذا السلوك من كونه خاطئا طالما يتم ذلك على حساب العلاقات الاجتماعية الأساسية في المنزل، كما يبين عبد الله. ويشير إلى ما يعرف بالبرود العاطفي، والذي لا يعد إلا نتاجا طبيعيا لمثل هذه السلوكيات، مع التفريق بين الانعدام العاطفي والبرود العاطفي في ذات الوقت.

ويوضح عبد الله ذلك بالقول إنه في حال وجود عاطفة بين الزوجين، ولكنها ليست فعالة بل هي باردة وجافة، فإن هذا ما يعرف بالبرود العاطفي. ويؤكد أن هذا الأمر يعتبر من أكثر الأمور إيلاما نفسيا للشخص الآخر، لأن من يسلك هذا السلوك لديه قيمة عاطفية وانفعالية، ولكنه مشغول بأمور سطحية ليست ذات أولوية أو على حساب أولويات أخرى. لذا ينبغي إدارة الاولويات بشكل أفضل.

وفي ذات السياق، ترى اختصاصية علم النفس والنمو الاستشارية الأسرية، الدكتورة خولة السعايدة، أن هناك عدة أسباب لاستخدام الهواتف الذكية الآن، ويجب على كلا الطرفين أن يكونا واضحين في ذلك، والتمييز بين ما إذا كان الاستخدام يتم فقط من باب التسلية مما يؤدي إلى الابتعاد عن الآخرين، وبخاصة الشريك، أو إذا كان استخدام الهاتف لأغراض العمل أو الدراسة أو لأي سبب آخر واضح ومنطقي. ويجب مراعاة عدم استخدام الهاتف لفترات طويلة، وإتاحة الفرصة والمجال للشريك لقضاء وقت معه ومشاركته في الحديث والوقت والمكان.

ومع ذلك، وفقا للدراسات التي تبين مدى تعلق الإنسان، بتغيرات المراحل العمرية، بالهاتف والتطبيقات المختلفة، فإن ذلك لا يعني أن يكون الهاتف هو البديل للتسلية وقضاء بعض الوقت في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي دون إبداء أي اهتمام بالشريك. كما تشير السعايدة، فإن ذلك يتعلق أيضا بعلاقة الآباء مع أبنائهم الذين يبحثون في بعض الأحيان عن وقت "مستقطع" مع والديهم ربما للحديث عن تفاصيل يومهم.

في الوقت الذي لا يجد فيه الأبناء، وهم شركاء المنزل كذلك، وقتا من ذويهم، ويكون والديهم منشغلين بالهواتف الذكية وبقراءة ما يتم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي أكثر مما يتحدثون به هم، فإن ذلك من شأنه أن يسبب لهم الغضب أو الغيرة من ذلك. وبالتالي، قد تتولد لديهم سلوكيات تواجه هذا الإهمال، مما ينعكس على طبيعة الحياة الأسرية بشكل كامل وليس فقط على الزوجين.