ما احتمالات اشتعال الجبهة اللبنانية - الاسرائيلية؟

الوقائع الإخبارية أجرى مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية "FICSSR" حواراً مباشراً مع السفير مسعود معلوف الخبير في الشؤون السياسية الأميركية والسفير السابق في كل من كندا وتشيلي حول "احتمالات اشتعال الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية" في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة .

مع استمرار العمليات العسكرية التي تقودها إسرائيل وبدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، ومع تزايد القصف المتبادل مع حزب الله عبر الحدود الإسرائيلية الشمالية، يتساءل كثيرون عن احتمالات اتساع رقعة القتال واشتعال حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله.

من هنا سارعت الولايات المتحدة بارسال المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين إلى لبنان، وتأتي زيارة المبعوث الأميركي إلى بيروت بعد محادثات أجراها يوم الاثنين الماضي مع المسؤولين الإسرائيلين في مهمة تسابق التصعيد الميداني على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، لكن لم تظهر معطيات مشجعة أو مرنة في شأن نجاحه في تبريد الجبهة خصوصا أن حزب الله استبق وصوله بربط التهدئة على الحدود بوقف الحرب في غزة وبرفضه أي منطقة عازلة ينسحب منها عن الخط الأزرق.

وفي تصريح للمبعوث الأميركي الخاص هوكشتاين، من بيروت يوم الثلاثاء على أنّ انهاء النزاع بين حزب الله وإسرائيل بطريقة دبلوماسية وبسرعة هو أمر "ملح"، بعد التصعيد المتواصل بين الطرفين منذ أكثر من ثمانية أشهر على وقع الحرب في غزة.

وفي حوار مباشر اجراه مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية " FICSSR " مع السفير مسعود معلوف الخبير في الشؤون الأميركية و سفير لبنان الأسبق في كل من كندا و تشيلي و المقيم في مدينة واشنطن، أشار إلى أن هنالك مؤشرات عديدة وجدية توحي بأن مثل هذه الحرب واقعة لا محال، خاصة وأن الإشتباكات مستمرة ومتصاعدة بشكل كبير على هذه الجبهة، ولكن هنالك أيضاً في نفس الوقت اعتبارات لا تقل عنها جدية تشير الى صعوبة حصول مثل هذه الحرب، على اقل تقدير في الظرف الراهن.

وحول سؤال مركز فرح للسفير معلوف ما هي مؤشرات قرب اشتعال الجبهة الشمالية لاسرائيل، أشار الى المعطيات التالية:

منذ الثامن من أوكتوبر، أي في اليوم الذي بدأت فيه إسرائيل حربها الإنتقامية المدمرة على قطاع غزة، أعلن حزب الله تضامنه مع الشعب الفلسطيني وعدم وقوفه على الحياد بل سعيه الى إلهاء جيش العدو الإسرائيلي في جبهة ثانية للتخفيف من الضغط على فلسطينيي القطاع. وقد أعلن قادة الحزب، في مناسبات عديدة، انهم لن يوقفوا عملياتهم ضد إسرائيل إلا عندما توقف هذه الأخيرة القتل والتدمير في غزة.

قابل هذه المواقف الصادرة عن الحزب، بالإضافة الى تدمير المنازل في الشريط الحدودي وقتل مقاومين من الحزب بالمئات واستعمال جميع انواع الأسلحة الفتاكة بما فيها الفوسفور الأبيض، تهديدات مباشرة صادرة عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين ووزراء بتدمير ليس فقط حزب الله بل لبنان بكامله، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتننياهو هدد في شهر ديسمبر الماضي بأن إسرائيل ستدمر بيروت مثلما دمرت غزة.

وبما أن إسرائيل لم تحقق، بعد أكثر من ثمانية أشهر من الحرب، أياً من أهدافها المعلنة مثل القضاء على حماس وتحرير الرهائن، فإن نتنياهو، رداً على تزايد المعارضة ضده من قبل الشعب الإسرائيلي، أصبح بحاجة الى تحقيق انتصار ما وقد يكون يفكر بإمكانية تحقيق انتصار يقدمه للإسرائيليين عبر تدمير البنى التحتية في بيروت ومناطق لبنانية أخرى.

حاجة نتنياهو للبقاء في سدة رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأن انتهاء الحرب يعني انتهاء حياته السياسية وربما ذهابه الى السجن بتهمة الفساد التي كانت تجري محاكمته بشأنها قبل السابع من أوكتوبر. لذلك يرى كثيرون أن فتح جبهة حرب في الشمال من شأنها أن تطيل أمد الحرب وتسمح له بالبقاء في الحكم، وقد لاحظنا كيف أن إسرائيل تستفز حزب الله باستمرار وبصورة تصعيدية عبر استهداف القرى والمناطق التي يتواجد فيها، وقد قتلت حتى الآن حوالى ثلاثماية وخمسين مقاتلاً من الحزب، كل ذلك في سبيل حمل الحزب على الخروج عن ما يعرف ب "قواعد الإشتباك" ليكون لدى نتنياهو ذريعة لتوسيع نطاق الحرب شمالاً.

على صعيد آخر، يسعى نتنياهو الى توريط الولايات المتحدة في الحرب عبر استدراج إيران للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل ما سيضطر الولايات المتحدة الى التدخل، ومن شأن ذلك إضعاف الرئيس الأميركي جو بايدن في حملته الإنتخابية ليفوز خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سبق له، أثناء رئاسته، أن أخذ كل شيء من الفلسطينيين وأعطاه الى الإسرائيليين، بما في ذلك إلغاء مشروع حل الدولتين الذي عاد بايدن للمطالبة به والإصرار عليه منذ توليه الرئاسة في مطلع عام 2021. وقد ظهرت نوايا نتنياهو في هذا الإتجاه عندما قام الجيش الإسرائيلي بعملية نوعية ضد القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل عدداً من المسؤولين العسكريين الإيرانيين، مستدرجا رد إيران بقصف إسرائيل مباشرة بمئات الصواريخ، وقد سعت إيران في حينه الى عدم إيقاع قتلى وتدمير كبيرعبر الإبلاغ مسبقا عن هذه العمليات كي لا تتورط في حرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وقد تدخل الرئيس بايدن لمنع نتنياهو من الرد بقوة على إيران تداركا لوقوع حرب في المنطقة لا تستطيع الولايات المتحدة البقاء خارجها. والآن، يعتقد عدد من المراقبين أن نتنياهو سيحاول من جديد توريط بايدن عبر توسيع العمليات العسكرية مع حزب الله كي تتدخل إيران مباشرة ما سيجلب التدخل الأميركي.

وحول السؤال الذي طرحه مركز فرح على السفير معلوف ، ما هي المؤشرات برأي سعادتكم التي تدل على صعوبة حصول مثل هذه الحرب بين إسرائيل و حزب الله في الوقت الراهن. أشار الى المؤشرات التالية :

تعرف إسرائيل ويعرف نتنياهو جيدا القدرات العسكرية التي يتمتع بها حزب الله وكمية ونوعية الأسلحة التي يمتلكها والتي من شأنها، في حال حصول حرب شاملة، تدمير منشآت مدنية وعسكرية وقتل أعداد كبيرة من المواطنين المدنيين الإسرائيليين، بالإضافة الى مستوى الخبرة القتالية التي يتمتع بها مقاتلو الحزب، وإذا كانت إسرائيل لم تتمكن من إنهاء حربها على حركة حماس في قطاع غزة بعد أكثر من ثمانية أشهر من القصف جواً وأرضاً، فسيكون أصعب بكثير عليها القضاء على حزب الله. ولا بد هنا من التوضيح أن إسرائيل في النهاية قد تستطيع تدمير البنى التحتية في لبنان وتحييد حزب الله ولكن ذلك سيكلفها الكثير من الدمار والخسائر البشرية والمادية، وهذا ما سيجعل الشعب الإسرائيلي يعارض نتنياهو بقوة كونه السبب في هذه الخسائر، ولذلك يرى بعض المراقبين أنه من غير المحتمل أن يقوم نتنياهو بمثل هذه المغامرة.

إسرائيل الآن في حالة شبه عزلة عالمياً بسبب أعمالها الوحشية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وما قامت به من قتل لعشرات الآلاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة الى تدمير البنى التحتية والمدارس والمستشفيات، وقتل المساعدين الإنسانيين والصحافيين، وتجويع الشعب بإقفال معابر دخول المواد الغذائية، وهذا ما أدى الى اعتبار نتنياهو مجرم حرب وربما الى قرب صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية باعتقاله، وإن أي توسيع للحرب باتجاه لبنان سيؤدي الى مزيد من العزلة لإسرائيل. وقد تجسدت المواقف الدولية المناوئة للدولة العبرية عبر اعتراف دول أوروبية هي بالأساس حليفة لإسرائيل بالدولة الفلسطينية، ومن هنا يجد كثيرون صعوبة على إسرائيل أن تقوم بالمزيد من القتل والتدمير وأن تتخذ قراراً بتوسيع حربها باتجاه لبنان.

سبق لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا أن أرسلت مسؤولين كباراً الى كل من لبنان وإسرائيل من أجل تهدئة الأجواء وإبلاغ الفريقين اللبناني والإسرائيلي معارضة هذه الدول لتوسيع الحرب باتجاه لبنان. ومن المؤكد ان الرئيس الأميركي جو بايدن يقوم بكل ما هو ممكن من أجل إثناء إسرائيل عن مثل هذه المغامرة لخشيته بأن تضطر إيران للدخول في الحرب وهذا ما سيلزم الولايات المتحدة التدخل عسكريا لحماية إسرائيل.

منذ أسبوعين، أعلن الرئيس بايدن عن خطة من ثلاث مراحل في سبيل وقف إطلاق النار والمباشرة بالسعي الى تحديد وضع قطاع غزة في اليوم التالي للحرب، ومن مندرجات هذه الخطة ان من شأنها إيقاف العمليات العسكرية الجارية بين حزب الله وإسرائيل واستتباب الهدوء في هذه المنطقة مما سيمكن المواطنين من جهتي الحدود العودة الى منازلهم والعيش بأمان. هذه الخطة يعلق عليها الجانب الأميركي أهمية كبرى وقد أوفد بايدن وزير خارجيته الى المنطقة للمرة الثامنة منذ السابع من أوكتوبر لحمل كل من إسرائيل وحماس على القبول بها. وفي بيان مشترك صدر منذ أيام عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، جرى التأكيد على ضرورة موافقة إسرائيل وحماس على خطة بايدن مؤكدين على أن ذلك من شأنه تثبيت السلام والهدوء بين لبنان وإسرائيل. هذه الخطة تم أيضا عرضها من قبل الولايات المتحدة على مجلس الأمن الذي وافق عليها في العاشر من يونيو ومن ثم أعلنت حركة حماس موافقتها عليها، فهل يمكن لإسرائيل الإستمرار بتجاهل كل هذه المواقف الدولية والقيام بالمزيد من العمليات العسكرية المدمرة ضد لبنان؟

أما المؤشر الأقوى لعدم احتمال وقوع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل ولبنان فهو أن الكونغرس الأميركي دعا نتنياهو للقدوم الى واشنطن وإلقاء خطاب أمام غرفتي الكونغرس مجتمعتين بتاريخ 24 يوليو القادم، والمراقبون يعتقدون ان نتنياهو لا يمكنه القيام بالمزيد من العمليات العسكرية التي من شأنها ان تضر بإسرائيل أكثر وأكثر وأن تزيد من عزلتها عالميا وأن يقوم بتدمير لبنان ثم يأتي بعد ذلك الى واشنطن للتباهي بهذه الأعمال، ومن هنا يرى معظم المراقبين انه، في حال كان نتنياهو يود توسيع رقعة الحرب باتجاه الشمال الإسرائيلي، فمن المرجح أن لا يحصل ذلك إلا بعد انتهاء زيارته الى الولايات المتحدة.

في ضوء ما تقدم يمكن القول ومن خلال الحوار الذي اجراه مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية " FICSSR "مع سعادة السفير مسعود معلوف ، تشير المعطيات التي بينها سعادته ان هذه المعطيات ، معطيات موضوعية و مبنية على الوقائع الذي تعيشه المنطقة الان و خاصة في غزة . بنفس الوقت فاذا ما أخذنا بالإعتبار شخصية نتنياهو المجرمة وكيف يمكن أن تتطور الأمور، فإننا سنرى أنه من شبه المستحيل التنبؤ فيما إذا كانت الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية ستشتعل قريبا أم لا.