الاحتلال يستخدم "التجويع" سلاحا بحق الأسرى الفلسطينيين بسجونه

الوقائع الإخبارية : أقرّت أوساط أمنية إسرائيلية بتقليص وجبات الطعام للأسرى الفلسطينيين، في وقت أكد فيه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن تقليص كميات الطعام يندرج ضمن إجراءات "ردع" الأسرى.

ووفق مسؤول فلسطيني وأسير مفرج عنه، فإن سياسة "التجويع" تركت آثارها على الأسرى بفقدان الوزن بالدرجة الأولى، ثم الضعف العام على أجسادهم، والذي بدأ يظهر بشكل جلي.

والأربعاء الماضي، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر أمنية قولها إن "إدارة السجون الإسرائيلية قلصت بشكل كبير كميات الطعام للأسرى الفلسطينيين، منذ 7 تشرين أول (أكتوبر) الماضي.

ووفق الصحيفة، تم توجيه انتقادات حادة إلى مصلحة السجون في عدة مناقشات مغلقة عُقدت مؤخرا، وعقب الالتماس الذي قدمته جمعية الحقوق المدنية (غير حكومية)، وجرى نقاشه الأربعاء الماضي في المحكمة الإسرائيلية العليا.

ونقلت الصحيفة عن الوزير المتطرف بن غفير أنه خاطب الملتمسين في رسالة، وادعى أن الإجراء "رادع"، موضحة أنه تفاخر في أكثر من مناسبة بالأشهر الماضية بأنه يقف وراء خفض حصص الغذاء التي تُقدم للمعتقلين الفلسطينيين.

وتظهر صور الأسرى المفرج عنهم أجسادا هزيلة وتراجعا كبيرا في الأوزان، فيما تواصلت التحذيرات من عواقب صحية أكثر صعوبة.

ويقول الأسير السابق يوسف ، وأمضى في السجن 6 أشهر، وأفرج عنه مؤخرا بعد أن فقد 40 كيلوغراما من وزنه إنه كان في سجن نفحة الصحراوي، "وكان الأفضل من حيث كمية الطعام رغم قلّتها".

وأضاف أبو راس، وهو مرشد تربوي بوزارة التربية والتعليم بجنوبي الخليل، واعتقل بعد اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي "الفطور أن علبة لبن وزنها 25 غراما لكل أسير، والغداء نحو 4 ملاعق أرز غير ناضج وكريه الرائحة، والعشاء مثله تقريبا، وأحيانا مع قطع من النقانق أو لحم الحبش لا يتجاوز وزنها 50 غراما".

ويتابع أن الأسرى لا يحصلون على الشاي أو القهوة أو الفاكهة نهائيا، وأن الطعام الذي يقدم لغرفة فيها 14 أسيرا لا يشبع أسيرا واحدا.

واختصر حالة الأسرى بقوله "ينتظر الأسير الطعام وهو جائع، وينهي وجبته وهو جائع، وينتظر الوجبة التالية وهو جائع، وهكذا على مدى شهور الاعتقال".

وتابع أن جسد الإنسان "يحتاج يوميا حوالي 4 آلاف سعرة حرارية لكنه لا يحصل على 1500، وبالتالي يبدأ استهلاك الدهون ثم العضل، حيث يشعر الأسرى بآلام شديدة ونقصان حاد في الوزن يتروح بين 40 و50 كيلوغرما، وهذا ما حدث معي، وتأكد بعد إجراء فحوصات طبية عقب الإفراج عني".

وفي مقارنته لنوعية وكمية الطعام بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وقبله، قال إن الفارق كبير "كنا نعتمد على متجر السجن لشراء الطعام وهذا ممنوع الآن، كنا نعد 7 أصناف على الفطور، ومثلها على الغداء والعشاء وأحيانا باللحم والدجاج، كان الأسرى يأكلون ويشبعون ويعدون الطعام بأنفسهم".

ويلفت أبو راس إلى انعكاسات خطيرة على صحة الأسرى، كلما طالت فترة الاعتقال والجوع، "أحدهم أفرج عنه قبل أيام وأخبرني بأن وزنه نقص 50 كيلوغراما، وأن أعراضا بدأت تظهر على الأسرى سببها الجوع ومنها تساقط الشعر والدوخة، وعدم القدرة على الحركة".

من جهته، قال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس إنه لطالما حذّر والمؤسسات الحقوقية الفلسطينية من سياسة التجويع التي يتبعها الاحتلال.

وحول توثيق مؤسسات الأسرى لحالات تجويع سابقة على مدى عقود من الاحتلال، قال فارس إنه اعتقل عندما كان عمر الاحتلال 13 عاما (أي عام 1980)، والتقى أسرى اعتقلوا في النكسة عام 1967 وآخرين إبان الانتداب البريطاني قبل عام 1948، واستمع إلى تجاربهم، وكان لديه فضول لمعرفة ما كان يجري معهم.

وأضاف "لم أسمع في أي مرحلة من المراحل أن احتلال وصل لهذا المنحدر الخطير في التعامل مع الأسرى، والذي وصلت إليه إسرائيل اليوم، يضاف إليه قطع الأيدي وفقء الأعين والاغتصاب وغيرها".

وتابع أن بن غفير يتفاخر بأنه يقلص وجبات الأسرى لردع حركة حماس، متسائلا "ما علاقة ذلك بالحرب؟ بماذا يمكن أن يخدم التجويع معركتهم؟ وهل يأتي بصورة انتصار؟".

ويجيب فارس "إنها حرب انتقامية ليست أكثر، الروح الشريرة استيقظت نتيجة شعور بالإحباط، ونتيجة ثقافة العنصرية والخيبة".

ولفت إلى أن القانون الدولي يلزم الدول المحتلة بتوفير الغذاء والملبس والعلاج، ومكان مناسب للاحتجاز والخدمات الصحية والإنارة وغيرها، لكن ذلك كله يطبّق نقيضه على الأسرى الفلسطينيين.

ولفت إلى تحرك قانوني ضد إدارات السجون بسبب سياسة التجويع، حيث تقدم الأخيرة قوائم طعام غير حقيقية تدعي أنها تقدمها للأسرى، ولا تكلف المحكمة نفسها عناء التدقيق أو طلب تشكيل لجنة للتحقق من صحة ادعائها "في تواطؤ واضح مع إدارات السجون".

وتقدر مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بنحو 9400، وهذا لا يشمل عمليات الاعتقال في قطاع غزة.

وتفرض اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب على الدولة الحاجزة "أن تزود أسرى الحرب الذين يتم إجلاؤهم بكميات كافية من ماء الشرب والطعام، وبالملابس والرعاية الطبية اللازمة".

كما تنص على أن تكون وجبات الطعام الأساسية اليومية "كافية من حيث كميتها ونوعيتها وتنوعها، لتكفل المحافظة على صحة أسرى الحرب في حالة جيدة، ولا تعرضهم لنقص الوزن أو اضطرابات العوز الغذائي، ويراعى كذلك النظام الغذائي الذي اعتاد عليه الأسرى" وأن "يُزوّد أسرى الحرب بكميات كافية من مياه الشرب".

كما تنص على أنه "بقدر الإمكان، يشترك أسرى الحرب في إعداد وجباتهم، ولهذا الغرض، يمكن استخدامهم المطابخ. وعلاوة على ذلك، يزودون بالوسائل التي تمكنهم من تهيئة الأغذية الإضافية التي في حوزتهم بأنفسهم". وتحظر الاتفاقية "اتخاذ أي تدابير تأديبية جماعية تمس الغذاء".

وإضافة إلى التجويع وسياسة الضرب والتعذيب، فرض الاحتلال إجراءات غير مسبوقة بحق الأسرى بالتزامن مع بدء الحرب على غزة، بينها قطع الكهرباء والمياه ومصادرة الأجهزة الكهربائية، بما فيها أجهزة المذياع والتلفاز، والملابس، بحيث يبقى الأسرى بالملابس التي اعتقلوا بها طوال فترة الاعتقال، وفق توثيق مؤسسات الأسرى.