ضم الاحتلال المتدرج للضفة.. ماذا يعني؟

الوقائع الإخبارية : في الوقت الذي كشفت فيه تسريبات صوتية لوزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، عن خطة جذرية لفرض سيطرة الاحتلال الدائمة على الضفة الغربية، دون وضع تل أبيب في موضع اتهام بالضم، قال مراقبون إن هذه هي بالفعل الخطة الصهيونية المضمرة والمعلنة في آن واحد، إذ يسعى الصهاينة إلى ضم الضفة الغربية والاستيلاء على فلسطين كافة من النهر إلى البحر.

ومنذ تعيين سموتريتش مسؤولا عن الإدارة المدنية عام 2022، ومنذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وصلت سياساته المتشددة الهادفة لتوسيع الاستيطان، إلى آفاق جديدة، حيث أثارت خطة الضم التي تم تسريبها مؤخرا مخاوف بشأن نواياه.

وفي هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد مصالحة، إن تصريحات سموتريتش تمثل بالفعل الخطة الصهيونية المضمرة والمعلنة في آن واحد، مهما حاول إظهار عكس ذلك، إذ إن الصهاينة يرمون إلى ضم الضفة الغربية والاستيلاء على فلسطين كافة من النهر إلى البحر، لأنهم يرون بأن "الوطن اليهودي هو للشعب اليهودي من الفرات إلى النيل"، وفق ما يرد في دعاواهم التلمودية والتوراتية وغير ذلك من الأساطير والسرديات التاريخية الكاذبة والمفبركة.

وتابع مصالحة: "سموتريتش كان يتحدث بالاتفاق مع نتنياهو، ومع حزب الصهيونية الذي يقوده المتطرف إيتمار بن غفير، وهذه المجموعة من المتطرفين هي التي خطفت الحكومة الصهيونية بقيادة نتنياهو، وجعلت كل الإسرائيليين أسرى لهم، وأعتقد أن الضربة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية للصهيونية ودولة الاحتلال على وجه التحديد كانت قاصمة، ولهذا فهم كمن ينازعون في الرمق الأخير".

وأضاف: "يحاول نتنياهو طرح كل ما لديه من أفكار مسمومة وعدوانية حتى يظهر أولا بأنه ما زال قويا، وأنه لا يقبل مساومة على أهدافه فيما جروحه تنزف نزفا قويا على مدى الأشهر التسعة الماضية، إذ إن حجم الخسائر الاقتصادية وتكلفة الأسلحة، وغياب الاستثمار وتراجعه، باهظ للغاية، وبالتالي فإن الضربة التي وجهت للصهاينة من خلال المقاومة الفلسطينية تجعلهم يتشبثون بمثل هذه الشعارات على أساس أنهم ما زالوا أقوى وقادرين على تنفيذ مخططهم بالاستيلاء على الضفة الغربية، لكن بكل تأكيد فإن الشعب الفلسطيني يشعر بأنه مستهدف أرضا وشعبا، وبالتالي فإنه سيفدي بلده بالدم والرواح والنفس مهما غلى الثمن".

وتابع: طبعا، هذه هي إستراتيجية الضم المتدرج، ففي كل مرة يستولون على قرية أو قريتين، ويطردون الفلسطينيين، ويبحثون عما يسمى بالمستوطنات الرعوية على رواسي الجبال، والنزول إلى منطقة الأغوار، لأنها منطقة حدودية مهمة جدا غرب النهر، وهذه أيضا من أهدافه، وبكل تأكيد فإن الحكومة الصهيونية تعرف ذلك، لكنها لا تريد أن تعلنه، حتى لا تظهر هناك معارضة دولية كبيرة، كما حصل بالنسبة لموقف الاتحاد الأوروبي".

وتشمل خطة سموتريتش، نقل السلطات الإدارية في الضفة الغربية من الجيش الصهيوني إلى السلطات المدنية للحكومة، وتخصيص ميزانيات ضخمة لتوسيع المستوطنات وتدعيم إجراءاتها الأمنية، بهدف تجنب أن تصبح الضفة الغربية جزءا من دولة فلسطينية.

من جهته، يقول النائب السابق الدكتور هايل الودعان الدعجة: لا شك بأن هذه هي الخطة الصهيونية التي تكرس توسعة الاستيطان غير الشرعي وغير القانوني، وتشي بضم أراضي الضفة الغربية المحتلة وتهويدها لتغيير وضعها القانوني، تمهيدا للتهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية، والتي تعكس الأفكار اليمينية المتطرفة للحكومة تماهيا مع المشروع الصهيوني الاستعماري التوسعي، وتجسد تحديا للإرادة الدولية وانتهاكا صارخا وجسيما للقانون الدولي والقرارات الدولية".

وتابع الدعجة: "تأتي هذه الخطة المبيتة فيما أنظار العالم كله تتجه نحو المجازر وحرب الإبادة التي يرتكبها هذا الكيان المجرم في غزة، والذي تكشفت حقيقته أمام المجتمع الدولي الذي بات يعرف حقيقة العقلية الإجرامية والإرهابية لهذا الكيان، الذي استباح قتل آلاف المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن، وتدمير البنى التحتية والمعالم المدنية، بطريقة أفقدته دعم وتعاطف الكثير من دول العالم وشعوبها، وأظهرته كيانا مجرما منعزلا منبوذا".

وزاد: "كل ذلك تؤكده تصريحات الإرهابي المتطرف سموتريتش، الذي أوضح أن هذه الخطة الاستعمارية الاستيطانية تأتي للتصدي للاعترافات الدولية بدولة فلسطين وللإجراءات المتخذة ضد الكيان المسخ في المحاكم الدولية، ضاربا عرض الحائط ليس فقط بالقرارات الدولية كعادته، بل وبمواقف المنظومة الدولية المنددة والمستنكرة لمجازره وجرائمه".

وقال: "إضافة إلى أن هذا الكيان المسخ ما كان ليقدم على ذلك لولا الدعم الأميركي الذي وصل حد الشراكة، والذي شجعه على الذهاب بعيدا في تحديه للمجتمع الدولي، وسيبقى هذا الكيان على جرائمه طالما أنه يتسلح بمثل هذا الدعم من قبل دولة عظمى تقود المنظومة الدولية وتتزعمها، ويفترض فيها أن تحترم أدواتها ومنظماتها وما يصدر عنها من مواقف وقرارات تراعي فيها ضبط حركة العلاقات الدولية والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين".

وتتضمن خطة سموتريتش ضم أكثر من 60 % من أراضي الضفة إلى إسرائيل، فيما قال الوزير المتطرف في التسجيل الصوتي المسرب إنه وضع الخطة خلال العام ونصف العام الماضيين، وعرضها على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي أيد الفكرة بالكامل.

بدورها، تقول المحللة هبة بيضون، إن الوزير المتطرف سموتريتش لم ينف التسريبات الصوتية، بل أكّد ذلك بقوله إنّ هذا ما يتم تنفيذه، مضيفة: "أعتقد أنه ليس من السهل تطبيق الخطة لعدة أسباب، أولها أنه بعد العدوان على غزة، وعقب تقديم دعاوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، أصبحت إسرائيل تحت المجهر، وتعاني عزلة دولية، وغدت منبوذة حتى من قبل الدول الغربية، وأصبح الرأي العام العالمي ضدها، وهو ما يُمكن أن يُشكل رادعا أمام تنفيذ مخططها، وستفكر مليا قبل القيام بذلك".

وتابعت بيضون: "ثاني الأسباب أنّ مخطط السيطرة على الضفة الغربية يهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، وموقف المملكة واضح وصريح برفض أيّ تهجير إليها، الأمر الذي سيجعل إسرائيل تأخذ بعين الاعتبار هذا الموقف وتتجنب التهجير، حرصا على عدم التصعيد مع الأردن والدفع بالعلاقات الأردنية الإسرائيلية نحو الهاوية".

وزادت: "في حين يشكل الانقسام الحاصل داخل إسرائيل، والمعارضة التي تصاعدت بعد العدوان على غزة ضد سياسات نتنياهو وحكومته المتطرفة، رادعا آخر لعدم الانجراف والتهور بتطبيق هذه الخطة، خاصة أنّ شعبية نتنياهو وحكومته هي في أسوأ حالاتها".

وأضافت: "على الرغم مما سبق، إلا أنّ الموقف الأميركي المنحاز والداعم لإسرائيل في هذا العدوان، قد يجعل الأخيرة تقفز عن كل الاعتبارات والروادع السابقة، بما فيها الرأي العام العالمي، تماما كما فعلت بقرارات الأمم المتحدة التي صدرت لوقف العدوان".

ونوهت بأن ما تحدث به سموتريش يعبر عن إستراتيجية الحكومة الصهيونية المتطرفة، التي تهدف من خلال سياساتها، إلى إقامة الدولة اليهودية وطرد غير اليهود من فلسطين، وهو ما يمس الأمن القومي الأردني، والمصري، والأمن القومي العربي بشكل عام.