"الخدمة المدنية".. هل ينجح بتطوير القطاع العام"؟

الوقائع الإخبارية :  مع دخول الموارد البشرية والخدمة المدنية الجديدين حيز التنفيذ، وما نجم عن ذلك من ردود أفعال متباينة لموظفين وخبراء ومتخصصين بشأنهم، فإن السجال الذي يدور، يكشف عن الحيوية التي يتمتعان بها، إذ قلبا التصورات المستقرة حول الوظيفة في القطاع العام، وكيفية التعامل معها في سياق ينأى بها عن أن تكون مجردة من قيمتها في تطوير عمل هذا القطاع، بخاصة وأن مفاهيم الإدارة الحديثة في العالم، تتقدم على نحو متسارع.

التوجه الجديد الذي أقره النظامان الجديدان، اختلفنا أو اتفقنا معه، سيفضي إلى مساحة وفق خبراء، تحدث منظومة القطاع العام وترتقي به، معتبرين بأن ذلك يفضي إلى توجه إيجابي ومحمود، بيد أن آخرين رأوا أنه سيكون مساعدا على تهجير للموارد البشرية المؤهلة، بخاصة وأن واقع الوظيفة العامة من حيث مستوى الرواتب، لا يتوافق مع الواقع المعيشي لغالبية الموظفين الذين يضطرون للعمل خارج نطاق وظيفتهم، من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية.

وفي هذا النطاق، أكد خبراء في الإدارة العامة، أن هذين النظامين يأتيان في نطاق العملية الشاملة لتحديث القطاع العام، وخطتها، وهذه غاية الحكومة منهما، وبالذات النظام المعدل لنظام الموارد البشرية للخدمة المدنية رقم 34 لسنة 2024، الذي يقرأ مع نظام الخدمة المدنية رقم 9 لسنة 2020، والذي يتبلور في تطوير عمل العاملين بالقطاع العام، بما يمكنهم من رفع سوية أداء المؤسسات العامة، وفق تطلعات مكونات في إدارة الدولة. 

وإذ يثار السجال حول المادة 33- هــ من النظام المعدل للموارد البشرية، الذي يدور حول حظر عمل الموظفين خارج أوقات الدوام الرسمي، حتى لو كان لديهم إذن بالعمل في هذا النطاق، قبل نفاذ أحكامه، وإنهاء عملهم قبل نهاية العام الحالي، رأى خبراء أن هذا الأمر مهم وإيجابي، لكنهم دعوا لأن يصدر المشرع تعليمات تطبيقية له، تبين أنواع العمل المحظورة؛ متسائلين: هل يمنع الموظف من العمل لحسابه أو مع ذويه ولحسابهم كوالديه أو أخوته وأخواته؛ أي في نطاق عمل أسري؟ كذلك: هل يمكن له العمل بأعمال استشارية وجاهية، أو عن بعد في المملكة وخارجها، أو أعمال بدون أجر وغيرها، داعين لمراعاة الواقع المالي للموظف مقارنة بتكاليف المعيشة ومستوى الحياة.

مدير عام معهد الإدارة العامة السابق راضي العتوم، قال إن غاية الحكومة المُعلنة والواضحة من تعديل نظام الموارد البشرية للخدمة المدنية، تتحدد بتطوير نتائج أعمال مسؤولي وموظفي القطاع العام، بما يمكنهم من رفع سوية أداء المؤسسات العامة، كما تامل مكونات إدارة الدولة. 

وبين العتوم، أن ديوان الرأي والتشريع هو من صاغ التعديلات على النظام في إطار مهمته المعروفة بإصدار تعديل يُلغي نصوصا من كلمات أو عبارات أو مواد، مُبقيا على ربطها بالنص السابق، وفي النظام رقم 34 لسنة 2024 الذي يقرأ مع نظام رقم 9 لسنة 2020، ووجود نظام يحمل رقم 33 لسنة 2024، يتطلب من القارئ، وضع النظامين الأصيل والمعدل معا لقراءتهما، وإدراك مضمون التعديل الجديد؛ لكن ذلك يشتت القارئ، ويتطلب وقتا أطول للربط بين المضامين والتفكير بهما، كما يصعب اكتمال الصورة لديه، لذا فإن حل هذا الأمر، يتطلب إعادة صياغة المواد وفق التعديل.

وحول حظر العمل خارج أوقات الدوام الرسمي في المادة 33- هــ، قال العتوم إن هذا أمرٌ إيجابي ومهم جدا للحكومة، لكن ينبغي على المشرّع إصدار تعليمات تطبيقية له، توضح أنواع العمل المحظورة؛ هل هي بأجر أو بدونه، أو العمل لحساب الموظف نفسه أو لذويه؛ والديه، أخوته وأخواته (العمل الأسري)، أم هي أعمال استشارية وجاهية، أو عن بُعد، وهكذا، وهل راعى هذا الحظر الواقع المعيشي للموظف مقارنة بتكاليف المعيشة ومستوى الحياة الحالي وحجم دخله؟

أما بخصوص الحوافز التشجيعية التي يتلقاها الموظف، فأوضح أنّ ربط زيادة الموظف السنوية بجدارة العمل والتنفيذ في العام؛ والتقييم الموضوعي لإنجازاته، وأداء أصحاب القرار في الفئة العليا من المجموعة الثانية، يعدّ سابقة إيجابية، إذ لأول مرة في القطاع العام، سيطبّق مبدأ "الحوافز التشجيعية"، أسوة بالممارسات المتبعة في القطاع الخاص للموظف الذي ينجز مهمته بطريقة استثنائية ومتميزة وذات أثر إيجابي على أداء وحدته الإدارية في مؤسسته، بغية رفع سوية أداء القطاع العام وخدماته.

واضاف العتوم، أن منح الحوافز يصل لـ150 % من حجم راتب الموظف الشهري إذا نال تقدير "إنجاز المهام بتميّز" لسنتين متتاليتين سابقتين لسنة الأداء الاستثنائي، أو 100 % من راتبه إذا كان تقديره "إنجاز المهام بتميّز" لسنة واحدة سابقة لسنة الأداء الاستثنائي، و50 % من الراتب للموظف إذا كان تقديره "إنجاز المهام بالمستوى المطلوب" لسنة واحدة سابقة لسنة الأداء الاستثنائي، ما يدفع الموظفين للتنافس لتقديم أفضل ما لديهم للفوز بمكافأة الحوافز، ما يتطلب من المشرّع وضع معايير مُحوكمة على درجة عالية من الإنصاف للموظف.

وبشأن راتب الوظيفة، بين أنه يخضع لأهمية الوظيفة وحساسيتها، والقدرات المطلوبة للقيام بها، وهذا تطور إيجابي في سلم العمل العام، مع أن تطبيقه سيحتاج لجهود إدارية وفنية تخصصية مُضنية. 

أما ضبط وتقييد الإجازة بدون راتب وعلاوات، فبين العتوم أن واقع هذا الأمر فيه سلبيات يتوجب الوقوف عندها، آملا إعادة النظر بالمادة 56 من النظام، ليفسح المجال للإجازات بدون راتب وعلاوات لمدة لا تقل عن 5 أعوام، بل ولأكثر من ذلك؛ ففي التغيير الوظيفي، بخاصة حال السفر للعمل خارج الأردن، إيجابيات اقتصادية واجتماعية ومعرفية.
وأشار إلى اكتمال الصورة الإيجابية المتوخاة من ربط الراتب بالجدارات الوظيفة، وربط الزيادة السنوية بتقييم الأداء، وتعزيز المكافآت لتصل 
لـ100 % من الراتب، ولا بدّ من حوكمة تقييم الأداء، وتعزيز التدريب الفني المتخصص والهادف، وليس التدريب المحدد ببرامج تعدّ الساعات وعمومية الموضوعات، كالتدريب القائم حاليا، إذ يتطلب هذا إعادة هيكلة التدريب بأسلوب "سحب 
أو تلبية الطلب".

وبشأن ضبط التزام الموظف بعد التدريب والابتعاث، فجاءت المادة 7 لتُلغي المادة 131 والاستعاضة عنها بالمادة 19، والتي تنصّ على التزام الموفد لمدة تعادل 3 أمثال مدة الدورة أو البعثة، وإذا كانت الدراسة بعد أوقات الدوام الرسمي، فيلتزم بمدة مساوية لغير المتفرغ، أما للمتفرغ فيلتزم بمثلي المدة، وللدورة والبعثة بكلفة تزيد على ألف دينار فيلتزم بـ6 أشهر، وهذا تعديل إيجابي يحفظ حق الحكومة لقاء تطوير قدرات الموظف. 

وحول فرق التسكين، فيأتي في إطار المادة 30 التي أجازت استمرار موظفي الدوائر ممن منحوا بدل فرق تسكين قبل هذا النظام بتقاضي البدل، على أن يعتبر نهائيا، ووقف صرف بدل التسكين إذا نقل الموظف لدائرة أخرى، وذلك في إطار عدالة استمرارية العمل العام، والحفاظ علة الحق المكتسب للموظف.

وبشأن تجديد وإنهاء العقود، قال العتوم إن المادة 33 أسندت تجديد العقود أو إنهائها على نتائج تقييم الأداء، كما أنها عملت على إنهاء المعينين على العقد الشامل لجميع العلاوات قبل نفاذ النظام، واشترطت التزام الدائرة بإعادة تقييم الموظف في ضوء حاجتها، ثم يحدد الراتب وفقا لتعليمات التقييم والتحليل الكمي والموضوعي للوظائف، ما يدعم تركيز الموظف على عمله ورفع مستوى أدائه، بما ينافس زملائه، وما يحقق مستوى عمل أفضل.

وأضاف، أن الملاحظات على النظام رقم 33 لسنة 2024، التي جاءت تحت عنوان "السياسة العامة لمنظومة الموارد البشرية"، أكدت عليها المادة 4 من النظام رقم 33 لسنة 2024، في أن الهدف من التعديلات على النظام إنما هي لزيادة إنتاجية وكفاءة الموظفين، بهدف الوصول إلى قطاع عام ممكّن وفعال، ما يتطلب من من الحكومة توجيه دوائرها لوضع قواعد وأسس قياس إنتاجية الموظفين علميا؛ وهذا يعني حاجة تلك الدوائر لوحدات متخصصة من اقتصاديين وماليين وإداريين ومهندسين وتخصصات طبية، وأخرى لمختلف المهن، كل حسب أعمال وأنشطة الدائرة للقيام بهذا الدور الكبير والحيوي. 

من جهته، قال أمين عام وزارة تطوير القطاع سابقا د. عبدالله القضاة، إن النظام، من ثمار خريطة تحديث القطاع العام، فهو يؤسس لمرحلة انطلاق فعلي لمسيرة التحديث الإداري في المملكة، ليشكل ذلك رافعة للتحديث السياسي والاقتصادي الذي أراده جلالة الملك عبدالله الثاني في رؤيته لتحديث المملكة في مئويتها الثانية.

وأشار القضاة إلى أن من بين أهم ما تضمنه النظام من إضافات، تبنيه لسياسة اختيار الكفاءات وفق مبادئ الاستحقاق والجدارة والتنافسية والشفافية وتكافؤ الفرص، وتوفير بيئة عمل جاذبة للمواهب، وممكنة، وتوفير فرص للنمو الوظيفي والمهني.

ولفت إلى أن النظام، دعا في مجال تخطيط الموارد البشرية، على مراعاة عدة جوانب، أبرزها: التخطيط الاستباقي للموارد البشرية، بما يتوافق مع احتياجات الخطة الإستراتيجية للدائرة والخطط الوطنية والقطاعية، ومهارات ووظائف المستقبل، وفقا لنتائج دراسات عبء العمل وقياس الإنتاجية، بما يحقق الجاهزية للمستقبل بكفاءة وفاعلية، لإحداث التكامل مع متطلبات منظمة التميز المؤسسي الحديثة التي اعتمدها مركز الملك عبدالله الثاني للتميز.

وفي محور التقييم الكمي والموضوعي للوظائف، أكد القضاة، أن هذه العملية تهدف لتحديد الأهمية والقيمة النسبية للوظيفة مقارنة بغيرها من الوظائف داخل الدائرة أو خارجها، لتحقيق عدة أمور أبرزها: ربط الراتب بالأهمية والقيمة النسبية للوظيفة، وهذا مطلب لعدالة الأجور في القطاع العام، وتحديد قيمة شاملة لمتطلبات إشغال الوظيفة، بما يسهم بتسهيل إدارة الرواتب، وتحديث وتطوير المعايير المتبعة للتقييم الكمي والموضوعي للوظائف في ضوء تطور طبيعتها ونوعيتها المطلوبة في القطاع العام، بما يساعد على تنافسيتها واستقطاب الكفاءات، مبينا أن نجاح ذلك، يتبلور بأن يلزم النظام الدوائر بتحليل وتوصيف الوظائف، لتحقيق إجراء التقييم بعدالة وشفافية.

أما في جانب الاستقطاب والتعيين فيقول، إن النظام ألزم الدوائر باختيار الموظف التي تتوافر فيه كفايات الوظيفة الشاغرة والخبرات لإشغالها، وفقا لبطاقة الوصف الوظيفي، مشترطا: عدم التعيين إلا على وظيفة شاغرة ضمن موازنة الوظائف المستدة على جدول التشكيلات، وبعد اجتياز الموظف للامتحان والمقابلة المقررة لذلك، وعدم اختيار أي مترشح دون الإعلان عن الوظيفة الشاغرة في صحيقة يومية واسعة الانتشار، وعلى موقع الدائرة الرسمي والوسائط الإلكترونية المعتمدة لديها، وإتاحة التقدم للوظيفة لمدة لا تقل عن أسبوع.

ورأى القضاة أن هناك إضافة مهمة في النظام، تتعلق بمبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء المحافظات، بحيث ألزم بالإعلان عن الوظيفة الشاغرة وفقا للتقسيمات الإدارية وبالتدرج المحدد في نظام هذه التقسيمات، وتعزيزا للشفافية، ألزم الدائرة بنشر نتائج فرز الطلبات على الرابط المحدد، ليتمكن أصحاب الطلبات غير المطابقة من الاعتراض خلال 3 أيام من تاريخ نشر النتائج وبالبريد الإلكتروني.

وأشار إلى أن النظام اشترط في إجراءات التوظيف، أن تكون المقابلات الشخصية مسجلة بالصوت والصورة، وعلى الدائرة الاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن سنة.

ولفت إلى أن النظام راعى عملية التغيير والتحسين التدريجي في التحول إلى التوظيف المعتمد كليا على التنافس، فتدرج بإلغاء مخزون الخدمة المدنية عن طريق آلية واضحة يجري العمل بها بدءا من 2024، وتخصيص 55 % من التعينات عبر الإعلان، و45 % من مخزون الخدمة المدنية، ثم 70 % عبر الإعلان، و30 % من المخزون 2025، و80 % مقابل 20 % عام 2026، لتصبح التعينات 100 % عبر الإعلان في عام 2027.

وأشار القضاة، إلى أن التعيينات وفق النظام، ستكون بموجب عقود محددة المدة على الوظائف الشاغرة، والمدرجة على جدول التشكيلات بدوام كامل أو جزئي.

وأضاف، أن النظام تضمن لأول مرة تطبيق مبدأ "الحوافز التشجيعية" أسوة بالممارسات الإدارية الفضلى، وذلك للموظف الذي ينجز مهاما بطريقة استثنائية ومميزة، ويكون لها أثر ملموس على أداء دائرته ومستوى خدماتها، بحيث يمنح هذه الحوافز لحض وتحفيز الموظفين على الأداء الاستثنائي، ويرفع مستوى أداء القطاع العام ومستوى خدماته. 

وكشف أن النظام تميز يتطبيق منظور جديد لإدارة الأداء بربط الأهداف التشغيلية والفردية بإستراتيجية الدائرة، ويعتمد تقييم أداء الموظف بناء على مستويات الأداء المتحققة، كما تعتمد زيادته السنوية على مستوى أدائه وفق التقييم، وهذا تحول مهم، إذ كانت الزيادات سابقا تمنح لموظفي الدرجة على نحو متماثل، بغض النظر عن مستوى أدائهم، وهذا بعيد عن العدالة، لكن النظام، منح من يحقق إنجاز المهام بتميز، ضعف الزيادة السنوية، وهذا سيدفع الموظفين لمضاعفة جهودهم لتطوير كفاياتهم وتحسين أدائهم، ما يحقق للمؤسسات التميز.

وبخصوص تدريب وتطوير مهارات الموظفين، قال القضاة، إن النظام ألزم الدوائر برفع قدرات موظفيها عن طريق إلحاقهم بمعهد الإدارة العامة، وهو صاحب صلاحية تقييم ودراسة الاحتياجات التدريبية والتخصصية للدوائر، وتصميم برامج تدريبية تتوافق مع متطلبات التحديث للقطاع، وقد منح المعهد كذلك صلاحية اعتماد وتنفيذ خطة التدريب السنوية والتحقق من ربط الاحتياجات التدريبية بنتائج تقييم أداء الموظفين، وتحقيقا للمرونة، فقد منح الدائرة تنفيذ برامج تدريب وتعلم مستمرين مع مزودي خدمات التدريب المرخصين، أو مراكز التدريب المتخصصة في المملكة أو خارجها، وفقا للأسس التي يضعها المعهد لهذه الغاية.

كما تضمن النظام، رؤية تطويرية بشأن ترقية الموظف، وذلك بأن أنهى عامل الزمن أو الترقية التلقائية، ليستند ذلك على الجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، عبر الإعلان والمقابلات المنظمة المعتمدة على معايير موضوعية، وهذا دافع للكفاءات كي تصل إلى مواقع متقدمة.
وزير التربية والتعليم الأسبق د. تيسير النعيمي، قال إن كثيرا من توجهات النظام إيجابي، بخاصة في جانب حظره لعمل الموظف العام خارج الدوام الرسمي لأي جهة، وهذا البند موجود أيضا في نظام الموارد البشرية السابق، المعمول به حالياً، لكن كان هناك مخارج تفضي إلى أن من يريد العمل خارج الدوام الرسمي، عليه أن يتقدم للمرجع المختص، وبالتالي يدرس طلبه، ومن ثم يوافق عليه، بحيث لا يؤثر على عمله الرسمي.

وأشار النعيمي، إلى أن هذه المادة في النظام مطلوبة، لأنها تحمي من التشوه الحالي للممارسات في النظامين، إذ يلجأ العديد من الموظفين لأعمال، بعضها يكون في نطاق رسمي، وبعضها أو كثير منها خارجه.
وأوضح، أن المبرر لوضع هذه المادة وتفعيلها، مردها أن الأصل في الموظف التفرغ بالكامل لوظيفته، وبالتالي يجب أن يقتصر عمله عليها، وألا يعمل خارجها.

وعندما نتحدث عن التعليم على سبيل المثال، فكثير من المعلمين يلجأون للعمل خارج دوامهم، أكان في التدريس الخصوصي أو في المنصات الإلكترونية، أو في أعمال أخرى، ومن شأن ذلك أن يلقي بتأثيرات سلبية، كبيرة على أداء المعلم في الغرفة الصفية، وفي هذا النطاق، تصل شكاوى لأولياء أمور وطلبة، أن معلمين لا يؤدون الحد الأدنى من واجبهم المهني في التدريس، وبعضهم يروج للمنصات، أو للتدريس الخصوصي.

ورأى النعيمي، أن تأثير العمل خارج الدوام الرسمي كبير جداً على إنتاجية الموظف وانتمائه في الأصل لمهنته وأدائه لمهامه الوظيفية التي التحق بها، أو وافق عليها وعلى مهامها، لافتا إلى أن المعلم لا يعني فقط حضوره للمدرسة ودخوله للغرفة الصفية، بل له مهام كثيرة جداً، وأخرى فنية، تتمتل بالتخطيط وإدارة الصف، والتدريس ومساعدة الطلبة، وكلها تتنظم بتنظيم المواقف التعليمية والتمايز التعليمي بشأن الطلبة، ومهنته ليست ممارسة آلية روتينية تتمثل بالشرح فقط، وهذا أضعف نتاجنا التعليمي المتمثل بنوعية التدريس.

وأشار إلى أن النظام، خطوة محمودة ومطلوبة، لذا يتوجب أن يكون هناك تنظيم للعمل خارج الدوام، ومنع الموظف منه، فالأصل أن الموظف عين على هذه الوظيفة، متفرغا لها، وبالتالي يجب أن يكون كل جهد منصب على أداء دوره ومهامه، وكذلك فالنظام فرصة للنمو المهني الذي تتيحه وزارة التربية والجهات الاخرى. 

وقال، إن مثل هذا التوجه سيلحق ضررا ماديا بكثير من الموظفين، بخاصة المعلمين ممن يمارسون أعمالا أخرى. من هنا فإنه حتى نحقق هذا الهدف، لا بد من إعادة النظر بسلم الرواتب والحوافز، وأن يرتبط ذلك بالأداء والتقييم، وهذا يرتبط بتحسين ظروف عمل المعلمين في المدارس، وتوفير المساندة الفنية المطلوبة لهم، لتمكينهم من القيام بمهامهم.

وشدد على ضرورة الانتهاء من قضية، أن الوظيفة العامة، نوع من الامتياز للشخص، يؤديها بالحد وبالجهد الأدنى، وقال، نحن نحتاج لنقل نوعية إنتاجية الموظف العام وأدائه، ومن المداخل إلى ذلك، أن يتفرغ الموظف لمهنته بالكامل في دوامه وخارجه، فهذا يتطلب منه البحث والعمل والكتابة والتحضير والنقاش في المجموعات الممارسة المهنية.

وبين أن هناك تشوها كبيرا، وفوضى بشأن إدارة الموارد البشرية، ما يتطلب أن يكون هناك نظام موارد بشرية عادل، يأخذ بالممارسات الفضلى التي تنظر للوظيفة على أنها خدمة يقدمها الشخص وليست امتيازاً له، لكن في المقابل هذا يعني أن ندرس هذه الظاهرة وحجمها ومدى انتشارها، ونضع لها الحلول بالتدريج، ما يتطلب زيادة بالتأكيد لإعادة النظر بالسلم الوظيفي، وتوفير برامج للرفاه الوظيفي والاجتماعي للموظفين، وتقديم جملة كبيرة من الحوافز، أكانت بشأن الخصومات أو ما يتعلق بتخصيص قطع أراض بأسعار تنافسية لهم، وأيضا شققا سكنية، وإيجاد منظومة واسعة للضمان الاجتماعي لهم، ليتفرغوا لمهنتهم.
ولفت إلى أن التفرغ للمهنة جاء ليعالج قضية كبيرة جدا في الخدمة المدنية حاليا، تتمثل  بالانتماء الوظيفي للموظف إلى مهنته وشغفه بها، وحرصه على تنمية نفسه مهنيا والتفرغ التام للمهنة.
بدوره، قال مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي بالوزارة سابقا د. محمد أبو غزلة، إن السياسات التي وردت في النظام، وما تضمنه من مواد في ظاهرها تنظيمية، لكن في باطنها ستسهم بتهجير للموارد البشرية المؤهلة التي نفخر بها في الأردن.
وبين ابو غزلة، أن ما ورد في النظام من تقييد للإجازات ومنع للعمل خارج أوقات العمل، وإلغاء الترفيع الجوازي المبني على التميز، ما هي إلا مواد تنظيمية نابعة من سياسات غير رشيدة، بخاصة أن القطاع الأكثر تأثيرا هو التعليم، فأكثر من 45 % من موظفي الدولة جلهم يعملون في التعليم.
وأوضح أن على المعنيين إدراك أن مثل هذه السياسات، ستدفع بالعاملين في التعليم للعزوف عن هذه المهنة، وتنامي ضعف دافعيتهم ومن ثم ضعف عملية التعلم لدى الطلبة، وتراجع النظام التعليمي لأدنى مستوياته، وستكون بيئة التعليم طاردة، كما سيلقي ذلك بتأثيرات سلبية على سلوكيات المعلمين والطلبة صحيا وعقليا وجسديا، ولانخفاض الرضا الوظيفي والروح المعنوية، ما سينعكس سلبا على المناخ المدرسي والتعليمي، وهجرة الوظائف التعليمية والبحث عن أخرى في بيئات أكثر إنصافًا ودعما لهم، بغض النظر عن طبيعة المهنة التي سيمارسونها.
وأشار إلى أن هذه السياسات ستؤدي إلى التمييز بين الزملاء، نتيجة للأجور غير المتساوية للوظيفة نفسها، والتي ستؤدي لخلق بيئة عمل عدائية، فضلا عما ستخلفه من توتر ومشاكل تعليمية وأسرية واقتصادية، وانتشار للجرائم، بخاصة في ظل المتطلبات الحياتية العالية وعدم الموازنة بين مسؤولياتهم المهنية وحياتهم الشخصية، وبالتالي سيفقدون التوازن بين العمل والحياة، ما يؤدي إلى بيئة عمل غير مستدام في المؤسسات التعليمية وحتى الأسرية.
وأكد أبو غزلة، أهمية إعادة النظر بهذه السياسات إذا كنا نريد تنمية مواردنا البشرية في التعليم، وأن نوفر لهم سبل الحياة الكريمة في بيئات أكثر إنصافًا، ودعما لهم بغض النظر عن المهنة التي يمارسونها.
من جهته، أكد خبير تربوي فضل عدم نشر اسمه، أن النظام اشتمل على مواد ألغت مواد في نظام الخدمة المدنية الذي كان يجيز للموظف الحكومي الحصول على إجازة دون راتب لأكثر من 4 أشهر، كان يوظفها الموظف بشكل عام والمعلم بشكل خاص في التفرغ للحصول على مؤهل علمي جديد، ينعكس إيجابا على تنمية ذاته مهنيا، وبالتالي تطوير أدائه التربوي، وسيحد النظام من فرص التفرغ لهذه الغاية.

وبشأن منع الموظف من العمل خارج أوقات الدوام، أوضح الخبير أن له انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية على العملية التربوية، ستلزم المعلم بالتدريس الجاد في الغرفة الصفية والحد من مراكز الدروس الخصوصية والمنصات التعليمية، ما يجعل تركيز الطالب ينصب على التعليم الذي يشرف عليه معلمه، ولكن في الوقت ذاته، قد يلجأ الطلبة والمعلمون للدروس الخصوصية في المنازل والمراكز غير المرخصة، فالمعلم مضطر للعمل لتحسين دخله في ضوء تدني مستوى الرواتب.

وكان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لتحديث القطاع العام ناصر الشريدة، أعلن عند إطلاق هيئة الخدمة والإدارة العامة إستراتيجيتها للأعوام 2027-2024 أول من أمس، وبدء نفاذ نظامي الموارد البشرية الجديد في القطاع العام، والخدمة المدنية المعدل، وأن الإستراتيجية تهدف لترسيخ دور الهيئة التنظيمي والتطويري في الموارد البشرية، والخدمات، والهياكل التنظيمية، والحوكمة، وإدارة الأداء المؤسسي، والقيادات الحكومية، والثقافة المؤسسية.

وأكد، أننا نشهد بداية عمل جديدة، وأن التحديث الإداري الذي أراده جلالة الملك، أولويته خدمة الوطن والمواطن، وتحقيقه يكون من خلال تحديث الإدارة العامّة، وتطوير الأداء المؤسسي والفردي، والحوكمة، وتطوير أدواتها المختلفة، بإعادة هندسة إجراءاتها وإزالة المعيقات حولها ورقمنتها وأتمتتها، ليستطيع المواطن الحصول عليها بسهولة وفاعلية، إضافة إلى تطوير الهياكل التنظيمية وتطوير الثقافة المؤسسية والاهتمام بتحسين بيئة العمل.