المرأة تقوم بدور محوري في الهجرة النبوية.. تحفظ الأسرار وأول المهاجرين
الوقائع الإخبارية: - تظهر أحداث الهجرة النبوية الشريفة قدرة المرأة على تحمل المخاطر وقيامها بدور فعال في نصرة الإسلام، وحملها راية الجهاد على طريقتها لأجل رفعة الإسلام.
متخصصون في الشريعة وعلم الاجتماع اتفقوا بمناسبة الهجرة النَّبوية على أنَّ الإسلام أناط بالمرأة أدوارا تليق بمكانتها المرموقة في أحكامه وتراعي قدراتها النفسية والبدنية، فكانت على قدر التكليف خلال أحداث مهمة جرت في تاريخ الدعوة الإسلامية كان من أبرزها الهجرة النبوية والغزوات الإسلامية.
وقالوا إنّ الهجرة النبوية التي تمت بأمر إلهي وتخطيط وتنفيذ نبوي هي من أعظم الأحداث التي غيرت مسار البشرية وأسهمت في إخراجها من الظلمات إلى النور، وإن المرأة المسلمة شاركت في هذا الحدث العظيم جنبا إلى جنب مع ابنها وزوجها وأبيها وأخيها.
الباحث في الفقه الإسلامي الدكتور زايد الدويري، قال إن المرأة حين خاضت تجربتها في الهجرة النبوية أثبتت أنها على قدر عالٍ من القيام بالتكليف الرباني، وهو يرسل إشارات في هذه الأيام لمن يريد استبعاد النساء من ساحات الحياة العامة والسياسة والتشاور.
وأضاف من علم بأمر الهجرة خلال مرحلة الإعداد والتجهيز والتنفيذ كان عدد قليل من الأشخاص ممن يثق بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بينهم أسماء وعائشة بنتا أبي بكر رضي الله عنهم جميعا.
وأكد أنَّ أحداث الهجرة وتجلياتها تظهر مبادرة المرأة وتضحيتها، ومواجهتها المخاطر، فها هي أم سلمة رضي الله عنها تواجه عنت المشركين وتتحمل الأذى في سبيل إصرارها على الهجرة، وهذه لَيْلَى بِنْتُ أَبى حَثْمَةَ وزوجها عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ كانا في مقدمة المهاجرين، بينما كان لأم عمارة وأم منيع دورهما في التمهيد للهجرة وتهيئة الأجواء في يثرب، فيما ذهبت رقيقة بنت طيفي وهي عجوز تخطت مئة عام إلى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم- لتحذره من المبيت في داره، وأخبرته بما يسعى إليه الكفار وما تآمروا عليه، إلى جانب عدد من النساء كان لهن دور بارز في الهجرة من بينهن أم ايمن بركة، وأم أيوب الأنصارية.
بدوره، قال نائب عميد كلية العلوم الاجتماعية الدكتور رامي حباشنة إن التعاون والتكافل بين الرجال والنساء خلال الهجرة النبوية كان واضحا جدا، فعندما اتخذ الرسول عليه الصلاة والسلام قرار الهجرة ظهرت ذلك من خلال الدور الذي أدته أسماء بنت أبي بكر الصديق إذ أنيط بها التنظيم اللوجستي وتقديم الدعم المتعلق بإحضار الطعام والشراب إلى الرسول وأبيها، وهذا الدور لم يكن ليناط بها لو لم تكن نظرة الإسلام شمولية إذ إنَّ دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل.
وأضاف ذلك جذب شرائح كثيرة من المجتمع في مكة المكرمة المدينة المنورة عندما لعبت المرأة المسلمة دورها المحوري على مرأى ومسمع من الجميع، في وقت كانت فيه "مبخوسة" الحقوق مع انتشار عادة وأد الإناث وحرمانها حقوقها المالية وبالمنظور الحديث ما يطلق عليه الحقوق "السياسية".
وأشار إلى أنَّ الهجرة النبوية أثبتت أن الإسلام لا ينظر للمرأة من خلال النسب فقط بل يراها من خلال الأدوار التي تؤديها خاصة في المفترقات المهمة فالانتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وتأمين الدعم خلال الهجرة والغزوات بعدها، وتأمين احتياجات المرضى هذا كله أعاد صياغة المشهد من جديد ونقل المرأة من مكانة متأخرة وضعها فيها المجتمع الجاهلي، إلى أخرى متقدمة في إشارة لواحدة من أعظم رسائل الإسلام الروحانية والأخلاقية وهي توحيد الرؤية للرجل والمرأة بما يناسب ما وهب الله كلا منهما من قدرات.
وقال نائب عميد كلية الشريعة في الجامعة الاردنية الدكتور محمد أبو ليل، إن الناظر في السيرة النبوية يجد أن للمرأة المسلمة دورا بارزا في مختلف مراحلها ومن أهم هذه الأدوار وأكثرها خطورة مساهمتها في الهجرة النبوية لا سيما أن الهجرة كانت مرحلة حاسمة في تاريخ الدعوة.
وأضاف من أبرز الصور المشرقة في مساهمة النساء خلال الهجرة ما قامت به أسماء وأختها عائشة رضي الله عنهما إذ كانتا ((معينتين)) للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الهجرة؛ رغم خطورة الأمر، فقد ائتمنهما الرسول على سرّ هذه الرحلة.
وقال إنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتى نفر من قريش فيهم أبو جهل فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم أسماء، فسألوها عن أبيها فقالت: لا أدري والله أين أبي؟ فرفع أبو جهل يده ولطم خدها لطمة طرح منها قرطها.
وأضاف أنَّ اسماء أسهمت في الإعداد لرحلة الهجرة فكانت تقطع ثلاثة أميال إلا قليلاً -وهي الصبية الناشئة- في جوف الليل، ووحشة الطريق، وهي متخفية حذرة مترقبة لتوافي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه كل ليلة بالزاد والماء وبما تسمعه من حديث القوم وخبرهم.
وأوضح أن الصغيرة عمرًا قامت بدور فدائي وحملت أمانة الإمداد والتمويل للرحلة المباركة، ونقل أخبار الكفار، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الرحيل من الغار متجهاً إلى يثرب جهزت الزاد والماء، ولم تجد ما تربطهما به، فشقت نطاقها وربطتهما به، وحين فعلت ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة» فقيل لها ذات النطاقين.
أما الأستاذ المشارك في الحديث النبوي وعلومه الدكتورة هيفاء زيادة، فبينت أن المرأة كانت على علم بهذا السر الخطر الذي سيتحدد به مصير الإسلام ممثلاً بالرسول عليه الصلاة والسلام.
وقالت إنَّه منذ أن جاء الإذن الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة كانت المرأة المسلمة حاضرة ومشاركة، إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق بموعد الانطلاق بحضور ابنتيه: عائشة وأسماء رضي الله عنهن، وهذا ائتمان منه عليه الصلاة والسلام لهن وثقة بهن وقد حافظتا على هذا السر ولم تفشيا به رغم ما قام به أبو جهل من تخويف وترويع للسيدة أسماء كي تبوح بمكان والدها فأبت ذلك وسجل لها التاريخ موقفا ثابتا قويا في وجه الكفر والطغيان.
ولفتت إلى أنَّ دور أسماء لم يقتصر على الحفاظ على السر وحسب بل تجاوزته إلى المشاركة العملية، فقد كانت تسير المسافات الطويلة تحمل الزاد للنبي وأبيها وهما مختبئان في غار ثور، وقد كانت حامل في شهورها الأخيرة بالرغم من الأخطار المحيطة بها وحالة الطوارئ القصوى التي أعلنتها قريش للقبض على محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه.