"حرب غزة" تفرض تحديات أمام مشروع "الحوار الاجتماعي" لدول جنوب المتوسط

الوقائع الإخبارية : ألقى استمرار الحرب على قطاع غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين، بظلالها على مداخلات متحدثين وممثلين عن منظمات مجتمع مدني ونقابات عمالية عربية، خلال مشاركتهم في أعمال المؤتمر الختامي لمشروع "تعزيز الحوار الاجتماعي في دول جنوب المتوسط SOLID 2"، الذي استضافته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل، تمهيدا للإعلان عن انطلاق المشروع بنسخته الثالثة العام المقبل.  

وانطلق مشروع الحوار الاجتماعي في دول جنوب المتوسط SOLID،  قبل نحو 9 أعوام لينفذ على مرحلتين الأولى شملت الأردن والمغرب وتونس، فيما أضيفت للمرحلة الثانية كل من الجزائر ولبنان وفلسطين، بهدف تعزيز الحوار الاجتماعي في منطقة جنوب المتوسط، بتمويل طويل الأمد من الاتحاد الأوروبي، وبالشراكة مع منظمات غير حكومية وأصحاب عمل والمجالس الاجتماعية الاقتصادية، إضافة إلى النقابات العمالية في بلدان المنطقة. 
 

ويركز المشروع منذ انطلاقه الذي واكبت "الغد" ختام مرحلته الأولى في 2019 في بروكسل أيضا، على تحفيز جهود الحوار الاجتماعي في هذه الدول وترجمة ميثاق تعزيز الحوار الاجتماعي، الذي اعتمد سابقا، وتحفيز حوار متعدد الأطراف بين شمال وجنوب المتوسط ، إضافة إلى التوسع في نطاق المشروع إقليميا. 

وفي السياق أكد متحدثون، تعذر إطلاق حوار اجتماعي ناجح في جنوب المتوسط دون "إرساء السلام والاستقرار في المنطقة"، في ظل الحاجة إلى المساندة غير المشروطة" لدعم القضية الفلسطينية في المنطقة" التي من شأنها أن تفرض تحديات جسيمة على هذا الحوار، ودون ترسيخ الممارسات الديمقراطية ورفع القيود عن "الفضاء المدني". 

وشارك من الأردن وفدا عن جهات عدة، هم رئيس لجنة العمل والتنمية الاجتماعية في مجلس الأعيان العين عيسى مراد ، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي د. موسى اشتيوي، ورئيسي غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير، والاتحاد العام للنقابات العمالية خالد الفناطسة. 

في الأثناء، قال رئيس لجنة المتابعة الأورومتوسطية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية، توماس واجنسونر، إن الهدف من استمرار دعم هذا المشروع هو التعاون الحثيث لتعزيز ديناميكية الحوار بين كل منظمات المجتمع المدني في أوروبا مع البلدان الشريكة، في سبيل التأثير في صناعة القرار في إطار الحوار الاجتماعي بين الحكومات والمجتمع المدني وأصحاب العمل والنقابات في جنوب المتوسط وتعزيز الأطر التفاوضية. 

من جهته، قال الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات لوك تريانجل، إن الاتحاد يضم أكثر من 200 مليون عامل في 170 دولة في العالم، وبين دور الاتحاد والمؤسسات الشريكة بتقديم المشورة إلى المفوضية الأوروبية ومجلس الوزراء للاتحاد الأوروبي، الذين يلتقون 3 مرات كل عام، مشيرا إلى أن هناك "انتهاكات عمالية في العديد من دول جنوب المتوسط وأن هناك دول تعتبر من أكثر الدول انتهاكا لحقوق العمال، لافتا إلى الحوار الاجتماعي ركّز على اتخاذ تدابير لمعالجة هذه الانتهاكات، وأن مشروع SOLID أسس لقاعدة حوار قوية. 

وقال ممثل الإدارة العامة للجوار الأوروبي ومفاوضات التوسع في المفوضية الأوروبيةDG NEAR ، ستيفانو دوتو، إن هناك حاجة لتصميم مسار جديد للحوار الاجتماعي في جنوب المتوسط، بعد أن حقق المشروع خطوات عديدة، حيث صدر عن المشروع  الأول وثيقة "أجندة المتوسط 2021"، و"البيان الاتحادي من أجل المتوسط المعلن في مراكش" 2022. 

وقال رئيس الاتحاد المتوسطي لكنفدراليات المؤسسات BUSINESSMED  طارق توفيق، إن الأزمات الجيوسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط أثرت وألحقت الضرر اقتصاديا واجتماعيا في جنوب المتوسط كما أنها أثرت على الاستقرار، بحسبه. 

وقال رئيس الاتحاد العربي للنقابات شاهر سعد، إن السنوات الثلاث الماضية كانت استثنائية وعسيرة بسبب جائحة كورونا على حكومات دول جنوب المتوسط، ما حفّز الجميع على الانخراط في الحوار الاجتماعي لإيجاد حلول وتقسم التضحيات، مشيرا إلى أن الأردن والجزائر وتونس، من الدول التي فرضت نصوصا قانونية أوقفت تسريح العمال. 

وقال سعد، إن نجاح الحوار الاجتماعي مع عدم الاستقرار السياسي في المنطقة سيكون صعبا مع استمرار الاحتلال "الفاشي" الذي أعاد قطاع غزة لمنطقة مسحوقة"، ما سيؤثر حتما على هذا الحوار في المنطقة، داعيا في حديثه إلى الأطراف المعنية ضرورة "وقف الإبادة الجماعية" للفلسطينيين قبل إعلان غزة منطقة غير قابلة للحياة.

أما ممثلة الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية ANND ، منار زعيتر، فرأت بأن العالم يمر "بمرحلة على مفترق طرق"، وأن هناك حاجة لمسار بديل للحوار بسبب الأزمة الراهنة التي بلغ حدها التاريخي في "الحرب على غزة" وما يجري في الأراضي الفلسطينية وليبيا واليمن وأوكرانيا وغيرها، قائلة إن هناك" عسكرة للمجتمعات".

وشددت زعيتر، على أن هناك ارتباطا عضويا بين السياسة والاقتصاد وأن العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق أو الحوار الاجتماعي، مع استمرار العمل بمعايير "مزدوجة" بالنظر إلى إبادة الشعب الفلسطيني التي تهدف إلى إضعاف الدولة المدنية، موضحة بأن الاتفاقيات المبرمة الدولية هي ذات نسق اقتصادي لصالح الاقتصادات الدولية والجهات الدائنة على حساب القانون الدولي.

وعرضت خلال الجلسات اللاحقة، أهم ما ورد في مضامين الميثاق المتضمن للتوصيات المائة، كمخرج رئيسي من مشروع SOLID 2 ، وهو ما سيجري العمل عليه خلال السنوات المقبلة في النسخة الثالثة من المشروع .

وقالت مديرة مشروع SOLID هند بن عمار، إن أهم نتائج المرحلة الثانية كانت اعتماد 5 "انتقالات رئيسية ( محاور)، هي محور الديمقراطية والأمن والسلم، والتنمية الاقتصادية العادلة ومحور العدالة الاجتماعية والتحول نحو مجتمعات متساوية وسد الفجوات، وكذلك محور الانتقال المناخي والطاقة العادل. 

وبين بن عمار أن هناك "فجوات ومشكلات" عديدة أظهرتها عملية التقييم للمشروع، من أهمها المديونية العالية لدول جنوب المتوسط، والحاجة للحد من الفقر والحاجة إلى تحفيز النمو الاقتصادي والعدالة الضريبية، والحاجة إلى مواكبة الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة، والحاجة إلى الوصول إلى حماية اجتماعية "شاملة" وعدم استجابة مخرجات التعليم لسوق العمل، وكذلك تضرر سلاسل التوريد بسبب الحرب على أوكرانيا. 

وأكدت بن عمار، أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى التركيز على "تمكين أكبر للنقابيين والقوة التفاوضية مع أصحاب العمل والحكومات وتحسين الاتفاقيات القائمة المبرمة بين الأطراف المختلفة . 

وعرض مسؤول الاتصال في SOLID زياد الدبابي أهم إنجازات المشروع في مرحلتيه الأولى والثانية من أهمها خلق بيئة محسنة للحوار الاجتماعي بين الأطراف المعنية في البلدان المستهدفة، واعتماد ميثاق الحوار الاجتماعي وتطوير 12 ورقة عمل وتنظيم 21 ورشة وتدريب أكثر من 550 ممثلا للشركاء الاجتماعيين، وإعداد 3 دراسات قطرية لتحديد حالة الحوار الاجتماعي في هذه البلدان، استخدمت كمعايير اعتماد لقضايا التدريب وغير ذلك. 

وقسم المؤتمر على محاور شملت أصحاب العمل والنقابات العمالية والمجتمع المدني، تحدث فيه ممثلين عن الدول الستة، إضافة إلى أدوار المجالس الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المستهدفة ودورها في إنجاح الحوار الاجتماعي. 

وفي جلسة محور أصحاب العمل، قال رئيس غرفة الصناعة فتحي الجغبير، إن هناك نموذجا أردنيا متقدما في الحوار بين أصحاب المصلحة والعمل والعمال مبينا أن هناك لجنة ثلاثية تضم كل الأطراف يتم وفقا لتفاهماتها على القرارات، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر اليوم هو استدامة القطاع الصناعي في الأردن، على اعتبار أنه المشغل الرئيسي و بمعدل 13 فردا لكل منشأة صناعية مقابل 2.3 فردا لباقي القطاعات على سبيل المثال. 

وبين الجغبير أنه بالرغم من استقرار الأردن، إلا أن نسب البطالة والفقر مرتفعة، لافتا الى أنه لا بد من العمل على إيجاد حالة نموذجية في التواصل مع الحكومة عبر مزيد من العمل والتشاركية. 

وتطرق الجغبير إلى العلاقات الدولية مع الأردن، مستشهدا بالاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي التي قال إنها بحاجة إلى تذليل عراقيل عديدة يضعها الاتحاد بحسبه لا مبرر لها، وقال إن هناك عجزا في الميزان التجاري بين الأردن والاتحاد الأوروبي بما يقدر بـ3 مليارات .

وأشار الجغبير إلى أن المواطن العربي فقد ثقته في المجتمع الدولي بسبب الحرب على غزة، وقال إن القتل المستمر هناك يؤكد أن الحقوق لا تعطى بموازين العدالة لكل شعوب العالم. 

وفي جلسة النقابات العمالية تحدث خالد الفناطسة، عن المرحلة التي وصلت لها النقابات العمالية في مأسسة حوار مع الأطراف الحكومية والقطاعات الأخرى، معتبرا أن استمرار أي حوار في ظل استمرار حرب الابادة الجماعية في غزة يثير تساؤلات حول جدوى هذه الحوارات.

وبين الفناطسة، إلى أن الاتحاد قدم نموذجا إيجابيا على عدة مستويات، من بينها عمل اللجنة الثلاثية المتعلقة بأصحاب مدارس التعليم الخاص بشأن لوائح الأجور، ومؤخرا القضية القائمة بين الحكومة ونقابة الأطباء فيما يتعلق بلائحة الأجور الطبية التي أقرت زيادة عليها قدرت بنحو 300 %، مشيرا إلى أن هناك تحديات مقبلة تتعلق بتطور الذكاء الاصطناعي في المجال العمالي. 
وفي جلسة المجالس الاقتصادية والاجتماعية تحدث كل من الدكتور موسى اشتيوي والعين عيسى مراد، إلى جانب العديد من المتحدثين من مختلف الدول. 

ورأى الدكتور اشتيوي، بأن الاشكالية الرئيسية اليوم المتعلقة بتدشين الحوارات الاجتماعية، غياب آليات للتأثير على الحكومات، وأن المشكلة ليست في الحوارات ذاتها، كما رأى اشتيوي أن هناك حاجة ماسة لبناء جسور حوار بين المجالس الاقتصادية الاجتماعية في جنوب المتوسط والمجالس الأوروبية والغربية. 

وعرض اشتيوي لآلية عمل المجلس (الاستشاري) الذي استطاع أن يؤسس لمنهجية حوار في العلاقة مع كل الأطراف في المجتمع، ومع الحكومة في الملفات الاجتماعية والاقتصادية، وبيّن أن الحوارات للمجلس تبنى على  الأجندات بل على التوافقات. 

واعتبر اشتيوي أن المجتمع المدني في العالم العربي "ضعيف جدا" وان قدرته على التأثير لم تعد قوية، فيما بين أن هناك تناميا لدور المجالس الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة وفي الأردن، مؤكدا على ضرورة فتح حوارات بين جنوب المتوسط وشمال المتوسط ، وعرض لسلسلة الحوارات التي عقدها المجلس وآلية عمله والأوراق التي خرجت نتيجة هذه الحوارات التي أقرت لاحقا كسياسات رسمية كما حصل في خطة تطوير القطاع العام. 

من جهته، استعرض العين مراد دور مجلس الأعيان في التشريع باعتباره الغرفة الثانية من مجلس الأمة، وبين سلسلة التعديلات التي أدخلت على الدستور ومنظومة التحديث السياسية المتعلقة بقانون الانتخاب وإدخال مسارات جديدة لمشاركة الشباب والمرأة. 

ورأى بأن غياب تحقق السلام في فلسطين، لن يفضي إلى استقرار في المنطقة،  كما بين في الوقت ذاته التطورات التي طرأت على التشريعات الاردنية والسياسات والممارسات لتحقيق معايير أكثر عدالة لمشاركة النساء الاقتصادية وبيئة العمل وقوانين الشركات  والعمل وتعزيز حقوق النساء وتوفير الحضانات وغيرها. 

واعتبر مشاركون أن ضعف المجتمع المدني وتراجع تأثيره يرتبط بتراجع مستوى الحريات في المنطقة العربية، فيما دعوا إلى عدم ربط عدم الثقة بالمؤسسات الحقوقية الدولية على خلفية الحرب على غزة،  بالتراجع في التنمية المحلية والوطنية وتراجع الحريات وزيادة القيود المفروضة على حرية التعبير والعمل النقابي وعمل المجتمع المدني.