التضليل الإعلامي وتضارب المعلومات في الصراعات المعاصرة

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتصاعد فيه الصراعات، تغدوا المعركة الإعلامية بمكانة لا تقل أهمية عن المعركة في الميدان، فكمية الأخبار والمعلومات التي تُضخ عبر قنوات الإعلام والاتصال التقليدية والرقمية تُبين بوضوح الأهمية القصوى للمعركة الإعلامية وأثرها البالغ على مجريات الأحداث وسير المعارك.

سنتحدث في هذا المقال عن التصريحات والأخبار والمعلومات التي تُنشر وتُبث حول اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في مقر اقامته في العاصمة الإيرانية طهران، منها ما يؤكد ان العملية تمت باستخدام صاروخ جو ارض ومنها ما يتحدث عن زرع عبوة ناسفة في مقر اقامته واخرى تتحدث عن استهدافه باستخدام طائرة مسيرة وهناك من يتحدث عن استهدافه بواسطة مقذوف من مكان قريب وغيرها كثير، كل ذلك قبل ان يتم التحقق من مصداقية الاخبار والمعلومات وقبل صدور أية نتائج للتحقيقات التي يفترض أن تجريها الجهات المعنية في إيران، وهذا يطرح أسئلة وتساؤلات تُلخص بالآتي؛ لماذا كل هذا النشر والأخبار والمعلومات والتصريحات الاعلامية المتضاربة؟ ومن هي الجهة أو الجهات التي تقف خلفها؟ وما الغاية المرجوة من بثها ونشرها بهذه الكثافة؟

وهنا لابد لنا من الحديث عن التضليل الإعلامي الذي يُعد سلاحا فعّالا يستخدم للتأثير على الرأي العام وتوجيهه بما يخدم مصالح أطراف معينة، من خلال بناء سردية خاطئة ترتكز على أحداث حقيقية وواضحة وموثقة، بهدف الوصول إلى تحقيق هدف هذا البناء الخاطئ في الأفكار أو الخلط بين عدة مفاهيم عبر نشر الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، وهنا يمكن للأطراف المتصارعة العمل على زرع بذور الشك والريبة، وبث الفتن، وتغذية الصراعات الداخلية، واللعب على المتناقضات، فالإعلام هنا ليس مجرد ناقل للأحداث، بل أصبح عنصرًا فاعلاً رئيسياً في تشكيل واقع جديد يؤثر في مواقف الأفراد والجماعات ويحدد مصائر الدول والشعوب.

في المعارك التقليدية، يتم التركيز على القوى المادية بمختلف انواعها من مدافع و دبابات وصواريخ وطائرات، ولكن في العصر الحديث، أصبح الإعلام جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الشاملة للحرب، أي أنه يسبق العمليات العسكرية بقصد تهيئة الظروف الملائمة اعلاميا في منطقة العمليات وأيضا تهيئة الرأي العام المحلي والعالمي لتقبل النتائج التي ستتحقق نتيجة هذه العملية أو العمليات العسكرية المستقبلية وذلك من خلال استخدام الدعاية والتضليل، ونشر الروايات المختلفة، فمن خلال السيطرة على المعلومات وتوجيهها، يمكن للطرف المسيطر أن يحبط معنويات العدو، ويرفع من معنويات قواته، ويكسب دعم الرأي العام المحلي والدولي، وهذا الدعم الإعلامي يمكن أن يتحول إلى دعم سياسي وعسكري واقتصادي، مما يعزز قدرة الطرف المسيطر على تحقيق أهدافه.

وفي المرحلة التي تعقب انتهاء العمليات العسكرية يلعب الإعلام دوراً حاسماً في كسب التأييد الدولي لطرف على حساب الطرف الاخر، كما ان الأطراف المتنازعة تسعى دائما إلى كسب تأييد المجتمع الدولي لمواقفها وأفعالها، من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة، حيث يمكن للطرف المبادر بالعمليات أن يقدم نفسه كضحية للعدوان أو كمحارب من أجل العدالة، أو كمقاتل من أجل رفع الظلم مما يسهم في بناء صورة إيجابية عنه ويساعد في كسب التأييد والدعم له.

وفي العصر الرقمي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة رئيسية للمعارك الإعلامية بما تتيحه من نشر المعلومات بسرعة هائلة ووصولها إلى جمهور واسع في مختلف أنحاء العالم، فالقدرة على التأثير بهذه الساحة تمنح الأطراف المتصارعة قوة إضافية في توجيه الرأي العام وإدارة الأزمات.

ومن خلال حملات منظمة ومخططة بعناية، يمكن للطرف الفاعل أن ينشر روايته للأحداث، وان يدحض مزاعم العدو، ويكسب تعاطف ودعم الجمهور، إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجمع المعلومات الاستخبارية، وتحليل ردود الفعل، وتعديل الاستراتيجيات بناءً على المستجدات في ميدان المعركة.

المعركة الإعلامية جزء لا يتجزأ من الصراع الحديث، وتُظهر كمية التضليل الإعلامي التي تُضخ عبر قنوات الإعلام التقليدية والرقمية أهمية هذه المعركة بالتوازي مع المعركة في الميدان، فالسيطرة على المعلومات وتوجيهها أصبحا من أهم أسلحة العصر الحديث، مما يجعل الإعلام ساحة معركة حقيقية تؤثر بشكل مباشر على نتائج الصراعات والأحداث، كما ان القدرة على خوض هذه المعركة بكفاءة وفعالية تساهم بشكل كبير في تحقيق الأهداف الاستراتيجية والسياسية والعسكرية للأطراف المتنازعة.