الأردن.. ضرورة اتخاذ إجراءات لتعزيز الإصلاح المؤسسي لقطاع المياه

الوقائع الإخبارية :  تلقي تحديات المياه الضخمة التي تواجه الأردن بظلال ثقيلة، تتوجب اتخاذ إجراءات تنصب في تعزيز الإصلاح المؤسسي، دعا إليها خبراء في قطاع المياه، وسط دعوات مشددة أطلقها "البنك الدولي" في الإطار ذاته، عبر تقرير صدر عنه مؤخرا.  


وفيما حذر التقرير الدولي الذي حمل عنوانه "اقتصاديات شح المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. حلول مؤسسية"،على نسخة منه، من تهديدات تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها الأردن، من حيث الشح غير المسبوق في المياه جراء تغير المناخ والنمو السكاني ومتطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك رغم استثمارات ضخمة في البنية التحتية، أكد مختصون في قطاع المياه الحاجة لـ"اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين إدارة هذه الموارد الشحيحة".

وأوصى الخبراء، ، بضرورة السير قدما في إجراء إصلاحات هيكلية مؤسسية شاملة في قطاع المياه لبناء نموذج حوكمة مؤسسي حديث ومستدام، يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية تحديث القطاع العام خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي يهدد فيه غياب الإصلاح المؤسسي، معاناة المنطقة من الإجهاد المائي حتى مع زيادة التمويل للبنية التحتية لقطاع المياه، بحسب التقرير.


ودعوا لأهمية المضي في حوكمة قطاع المياه والإصلاح المؤسسي، ودعم أداء مرافق المياه، وبناء القدرات

ومن هذا المنطلق، تسعى الحكومة لتنفيذ إصلاحات مؤسسية طموحة في قطاع المياه، وفق الخبراء الذين أكدوا أيضا، توازيا وذلك، "أن عليها أن تشمل محاور عدة تتضمن رفع كفاءة العاملين في وزارة المياه والري".

وفي هذا السياق، أكد الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات، ضرورة المضي قدما في إجراء إصلاحات هيكلية مؤسسية شاملة في قطاع المياه لبناء نموذج حوكمة ومؤسسي حديث ومستدام يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية تحديث القطاع العام خلال الفترة المقبلة، يسهم بتحسين نوعية الخدمات المقدمة والاستدامة المالية للقطاع.
وقال الدحيات "يجب توحيد مصادر التشريع والأحكام القانونية المتعددة التي تنظم عمل قطاع المياه وتداخلاته مع القطاعات الأخرى في قانون واحد شامل لينظم مركزية تخطيط واستخدامات موارد المياه للأﻏﺭﺍﺽ الزراعية وﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍلسياحية، واستمرار التخطيط طويل الأمد للموازنة المائية السنوية".

وأضاف أن ذلك يشمل سيناريوهات عدة ونماذج محاكاة لكميات المياه المتوفرة وظروف التشغيل المتغيرة، بحيث لا تتأثر بتعاقب الإدارات على قطاع المياه، مشيرا لمساهمة هذا التخطيط المستقر والمستدام بدوره المركزي في تحقيق استقرار عملية التزويد المائي وإدارة العرض والطلب للسنوات اللاحقة، وضمان استمرار تنفيذ المشاريع الرأسمالية بكفاءة وفعالية.

ودعا الأمين العام الأسبق لـ"المياه" لأهمية "السير بإعادة تنظيم وترشيق حجم مؤسسات قطاع المياه ليأخذ بالاعتبار مفاهيم الإدارة المتكاملة في إدارة مصادر المياه، وتعميق لامركزية تقديم خدمات المياه والصرف الصحي، وتطبيق آليات المحاسبة والمساءلة عند تقييم الخدمات المقدمة للمستهلكين، وإشراك أصحاب المصلحة والشركاء كافة من القطاع الخاص في عملية صنع واتخاذ القرارات".
وذلك إلى جانب ضرورة بناء الشراكات الاستراتيجية لجلب الخبرات العالمية والاستثمارات المالية لتعزيز إدارة مرافق المياه وتمويل وتنفيذ المشاريع الكبرى، وبناء نظام معلومات متطور والتحول الإلكتروني.

وأشار الدحيات إلى أن ذلك كله يستهدف خلق البيئة الممكنة اللازمة لتنفيذ هذه المبادرات على الوجه الأكمل، مبينا أن رؤية التحديث الاقتصادي التي تم إطلاقها برعاية ملكية سامية العام 2022، وضعت إطاراً عاماً لإدارة المياه في المملكة يوجه نحو تعزيز الأمن المائي، باعتباره الركيزة الأساسية لإفساح المجال للنمو الاقتصادي والنهوض بحياة المواطنين.

ويتم ذلك بتنفيذ مجموعة مبادرات، أهمها إدارة العرض والطلب على إمدادات المياه، وتشجيع الممارسات المستدامة لاستخدام المياه والقدرة على التكيف المناخي، وإطلاق مشاريع تحلية مياه البحر، وتقليل نسبة الفاقد من المياه، بحسبه.

وتابع "بسبب الحيز المالي الضيق المتوفر في الموازنة العامة لتمويل مشاريع المياه والصرف الصحي المتعددة، يجب وضع الأسس والأطر العملية لجذب الاستثمارات وإشراك القطاع الخاص في تمويل وتنفيذ المشاريع الاستراتيجية الخاصة بتوليد وإنتاج المياه وتحمل المخاطر الفنية والتمويلية والتشغيلية كافة لذلك".
وقال "منها مثلا، مشاريع تحلية مياه البحر المستقبلية، بعد الانتهاء من تنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه، واستكشاف الآبار العميقة في المملكة ضمن مناطق امتياز متعددة، وتشكيل الشراكات الاستراتيجية ونقل ملكية وتشغيل محطات المياه والصرف الصحي والخطوط الناقلة والشبكات الرئيسية للقطاع الخاص بهدف استدامة عمل ومرونة الأنظمة الرئيسية وتوفير المخصصات المالية لصيانتها بشكل مستمر، وإشراك القطاع الخاص في تقديم بعض الخدمات المتخصصة كتحصيل الذمم المالية المترتبة لصالح قطاع المياه وإدخال التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الصناعي في تخفيض فاقد المياه وتدقيق استهلاك الطاقة في مرافق المياه والصرف الصحي المنتشرة في المملكة وغيرها".
وشاركه في الرأي الخبير الإقليمي في مجال التعاون بقطاع المياه مفلح العلاوين، الذي أشار بدوره لأهمية قضية الإصلاح المؤسسي في قطاع المياه، خاصة في ظل التحديات المائية الكبيرة التي تواجه الأردن، وباعتباره محور اهتمام العديد من الدراسات والتقارير الدولية.
وقال العلاوين "كما أشار تقرير مجموعة البنك الدولي، فإن هذا الإصلاح المؤسسي أصبح ضرورة ملحة لتحقيق الاستدامة في إدارة الموارد المائية في المملكة".
وتابع أنه في الأردن، تشير التقديرات إلى أن الطلب على المياه سيتجاوز المعروض بنسبة 25 % بحلول العام 2025، مما يتطلب اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين إدارة هذا الموارد الشحيح.

وأكد أنه انطلاقا من ذلك، تسعى الحكومة الأردنية إلى تنفيذ إصلاحات مؤسسية طموحة في قطاع المياه، مشددا على ضرورة أن تشمل محاور عدة تتضمن رفع كفاءة العاملين في وزارة المياه والري، وكذلك شركات المياه من خلال تعزيز قدراتها الفنية والإدارية.

كما دعا لأهمية تحديث التشريعات والسياسات المتعلقة بالمياه لضمان استخدام أكثر كفاءة وعدالة للموارد المائية وكذلك ضمان الاستخدام المستدام لهذه الموارد، بالإضافة لتعزيز مشاركة المجتمع المحلي في إدارة المياه والحوكمة الرشيدة لهذا القطاع.

وذلك إلى جانب تطوير أنظمة معلومات متطورة للرصد والتقييم، والاستثمار في البحث والتطوير لابتكار تقنيات مبتكرة لترشيد استهلاك المياه وزيادة إمداداتها.

وبرأي العلاوين، فإن "هذه الإصلاحات المؤسسية ستكون محورية بتحقيق الاستدامة المائية في الأردن على المديين المتوسط والبعيد"، مبينا أنه عبر إعادة تشكيل البنية المؤسسية وتعزيز قدراتها، ستتمكن الحكومة من وضع وتنفيذ سياسات وبرامج أكثر فعالية لإدارة الندرة المائية وتلبية الطلب المتزايد على هذا المورد الحيوي.

ومن جانبه، أشار الخبير الدولي في قطاع المياه محمد ارشيد، لإجراءات وزارة المياه والري ضمن خطتها في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية في قطاع المياه، ولضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية والحد من تفاقم حالة الإجهاد المالي واستنزاف المياه.
وقال بهذا الخصوص، إن الوزارة قامت بإصدار الخطة الاستراتيجية 2023-2040 ومشروع حوكمة قطاع المياه بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ، وبهدف تحقيق التنمية المستدامة من خلال توفير الدعم الفني لإطلاق مبادرات الإصلاح المؤسسي وتطوير الاستراتيجيات والسياسات العامة لقطاع المياه وتنفيذها.
وذلك إلى جانب بناء القدرات للعاملين في القطاع، في الوقت الذي يهدف فيه لتحسين أداء المؤسسات والشركات العاملة في قطاع المياه ومدة المشروع خمس سنوات 2021-2026.
وأكد الخبير الدولي "أن الأمن المائي لا يتحقق من خلال زيادة مصادر المياه فقط، ولا بد من تقليل الخسائر الناجمة عن التسرب والاستخدامات غير القانونية (الفاقد والمياه غير المفوترة)".

وأشار ارشيد لاستهداف الاستراتيجية نحو تثبيت أسس متينة لحوكمة قطاع المياه الحالية وإعادة هيكلتها، من أجل تبسيط عمليات التشغيل وتغطية التكاليف وتحديد المسؤوليات المؤسسية، بالإضافة لسعيها نحو مأسسة استقلالية أكبر لشركات المياه تتزامن مع تعزيز الرقابة المؤسسية عبر هيئة تنظيمية مستقلة تعمل على مراقبة مستوى خدمات المياه والصرف الصحي.

كما تركز الاستراتيجية على الإدارة المتكاملة لموارد المياه بهدف حماية طبقات المياه الجوفية والسطحية، مما يستلزم الامتثال والإنفاذ الصارم لجميع القوانين والأنظمة المتعقلة باستخدام المياه ومعالجة قضايا الأداء المالي والاستدامة وصنع القرار المبني على البيانات والابتكار والتكنولوجيا واستخدام الطاقة وكفاءة استخدام المياه والتغير المناخي.

وتابع "هذه الأهداف والاستراتيجيات وخطط العمل تحتاج لإدارة فاعلة عبر سياسات وآليات وممارسات تقوم على النزاهة والمشاركة والمساءلة وسيادة القانون ومكافحة الفساد".

وبحسبه، "كما تحتاج لمسؤولين من أصحاب الاختصاص والخبرة لوضع خطط عمل قابلة للتنفيذ وبمشاركة الجهات الحكومية والخاصة كافة مع توافر المخصصات المالية وتضمينها في الخطة الرأسمالية، مع الأخذ بالاعتبار التكاليف المتوقعة بسبب تراجع المخزون المائي وهبوط طبقات المياه وما سيترتب عليه من  تكاليف بنية تحتية وإيجاد مصادر بديلة".

وبين أن حوكمة المياه تشمل 6 مكونات رئيسية تتمثل في؛ حوكمة قطاع المياه والإصلاح المؤسسي، التخطيط والإدارة، دعم أداء مرافق المياه، إدارة الطلب على المياه والمحافظة عليها، وبناء القدرات، وأنشطة تحسين أنظمة قطاع المياه.

وعودة لتفاصيل التقرير، قال إن أنظمة السياسات الحالية لإدارة المياه في مواجهة الاحتياجات الناشئة، تتحدد بالتزامن في وقت واحد في المقام الأول من خلال سيطرة الدولة على مرافق البنية التحتية الكبيرة.

وبين التقرير أن واضعي السياسات في جميع أنحاء المنطقة، يدركون عدم استدامة حصص توزيع المياه، وأن زيادة الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيات الجديدة لزيادة إمدادات المياه تفرض عبئا ماليا متزايدا على كاهل الحكومات، غير أن الحلول الاعتيادية لإدارة الطلب، إعادة توزيع حصص المياه للاستخدامات الأعلى قيمة، والحد من الهدر، وزيادة التعرفة، تفرض معضلات سياسية صعبة غالبا ما تترك من دون حل.