نائب نقيب الفنانين الأردنيين يكتب: هذي بلادي ولا طول يطاولها

الوقائع الإخبارية:  - كتب: نائب نقيب الفنانين الأردنيين د. محمد واصف - هذي بلادي ولا طول يطاولها ........ في ساحة المجد أو نجم يدانيها

هذا هو الأردنّ، الأردنّ الوطن الذي إليه أنتمي، والذي على أرضه عرفتُ معنى أن يكبرُ المرء بوطنٍ أنجبَ ترابُهُ عرار وحيدر محمود وحبيب الزيودي ومن قبلهم رشيد زيد الكيلاني، وطنٌ نبت فيه زرعٌ طيّبٌ خطّ التاريخ كلماتٍ من ذهب، منذ عبد الرحمن منيف مرورًا بتيسير السبول وحتّى مؤنس الرزاز وإلياس فركوح. وطنٌ أعارَ للناي يدًا، حنجرةً، وصوتًا، وقبلها كان الاسم علمًا يرفرف في أعاليه: 

فذاك توفيق النمري يسلّم على سلوى وجميل العاص وميسون الصنّاع وروحي شاهين وإسماعيل خضر ومحمد وهيب، وإلى جانبهم أعلامٌ في المسرح مثل هاني صنوبر، وغيرهم وغيرهم في كلّ بقعةٍ من بقاعِ الفنِّ، من الدراما والسينما، حتى من المثل الشعبي والرواية الشعبية وتطريزة المدرجة. فحُقَّ لنا أن نتساءلَ اليومَ: هل فرغت البلاد من قاطنيها؟

وقبل الخوض في كلامٍ لازمٍ، صعبٍ، كذاك الذي ألزم أبو العلاء المعري نفسه به في لزوميّاته، علينا أن نفرّق بين ملمحين مهمّين: الإدارة والمشهد المُدار، إذ لا نشكّك بنجاعةِ أحدٍ بالاضطلاع بالمهام الإداريّة بكفاءة، لكنّ الثقافة مثل النفس، مثل الروح، قبلَ العطاءِ، تحتاج من يفهمها ويدرك أبعادها.

لم تكن أبدًا مشكلتنا في الأشخاص، ولستُ معنيًّا هنا بالتطرّقِ لأشخاصٍ بأعينهم وقد نجحوا في اماكن عملوا فيها، قدر عنايتي بالمشهد الثقافي والفنيّ الذي إليه أنتمي، والذي رأيتُه وأراهُ يئن ويحتضر. مشهد تراجعت عنه الدراما، حتّى المسلسلات البدويّة التي ميّزته يومًا ما عاد لها فيه مكان، غابت عنه الأغنية التي تمكّنت يومًا أن تصدح مغرّدةً تسند الجندي والفلاح، وتثبت حضورها خارج حدود هذه الأرض الثكلى بأبنائها وبناتها.

أرضٌ، بتنا فيها ننادي كي يُقام فيها مهرجانٌ لأغنية الطّفل، وآخر لمسرحي، مهرجان متكامل للأغنية الأردنيّة المتماسكة نصاً ولحنًا وتوزيعًا وصوتًا لا تدزون أوتاره من فوق جبال عمّان السبعة فحسب، بل من كلّ مدننا، شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، المدن الملأى بخامات وأصوات يتصدّع لجمالها القلب. وطنٌ ننادي فيه، مثقّفين وفنّانين، بحصص موسيقى ومسرح تُدرج في مناهج التدريس، لا لتحظى بشرف الوجود، بل لتكون موادّ ذات وزن وقيمة بعلامةٍ مرقومة يعدّ لها الطلبة العدّة ما استطاعوا.

وها أنا، باسمي واسم كثيرين غيري، أردّد فلا أسمع إلا الصدى، إلى متى سنظلّ نشعر أن وزارة الثقافة مغيبة عن مشهدنا؛ فهل من مجيب؟ إلى متى ننتظر حتّى يدير شؤونها شخصٌ من الوسط الثقافي والفنّي، من يعرف احتياجاتنا لأنّها تعنيه شخصيًّا. أين منّا من يتمثّل خطاب صاحب الجلالة الذي يؤكّد دومًا على دور الثقافة والفنون في مجتمعنا، في تكوين هويّتنا الأردنيّة الغرّاء الجميلة، ونحن نعايشُ، كُلَّ مرّةٍ، وزارةً يتولّاها وزراء من خارج الوسط؟

دعونا نأخذُ نظرةً إلى الجوارِ، فما خابَ يومًا من استفاد من الخبرة وراكم عليها. ولا أدعو للنظر بعيدًا، بل إلى مصرَ، إلى وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، الموسيقية عازفة الفلوت التي استلمت الوزارة أربع سنوات ونصف (2018-2022)، وما أحدثته من نهضة ثقافيّة مهولةٍ. وأنصح من لم يشهد شيئًا منها أن يتابع معرض الكتاب فيها وما يصاحبه من مشهدٍ يداعب غيرةَ المرءِ.

وعودًا على بدء، المشكلة يومًا لم تكن في الأشخاص بقدر ما في المعرفة التي تغيبُ عنهم أحيانًا، فالإصلاح، أي إصلاح مهما كان شكله، سياسيًّا أم اقتصاديا أم اجتماعيا، لا بدَّ له أن يَمُرَّ عبر معينٍ ثقافيٍّ يحتضنه، فإن لم تكن الثقافة هي الملمح والهويّة، فلا أعرف ماذا تكون. أي، ببساطةٍ، لا يُمكنَ (ولم نرَ مثل هذا كذلك) أن عُيّنَ لوزارة الماليّة من لا يلمّ بعالم المال، وكذا الحال في وزارة الصناعة والتجارة والسياحة والأوقاف وسواها. فلمَ لا ينسحب الأمر ذاته على وزارة الثقافة؟ أليس هناك موسيقي، شاعر، مخرج، ممثل، روائي، صحافي، لديه تجربة معمّقة في هذا الوسط وقدرة على قيادة الوزارة لترجمة خطاب صاحب الجلالة بأن يكون عونا لهذه الحكومة ورئيسها العصري الذي قال، في أول لقاءاته على طاولة الحكومة، إننا ملتزمون وسنعمل بكل جوارحنا لترجمة خطاب صاحب
الجلالة حماه الله في الإصلاح؟