قرار الأمم المتحدة.. ضربة لدبلوماسية الاحتلال ودعايته؟
الوقائع الإخبارية : يشكل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ضربة جديدة لإسرائيل على صعيد الدعاية والدبلوماسية عموما، ولسياسات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل خاص.
كما يظهر تزايد الشعور العالمي بالغضب من الاستهتار الإسرائيلي بالقرارات الدولية والقانون الدولي في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، ودل عليه مطالبة ممثلي الدول الأعضاء بإجراءات ذات إطار زمني محدد، وتصعيد التعبيرات اللفظية ضد سلوك الاحتلال، وإعطاء الميزات الإضافية لدولة فلسطين.
في حين يشكل هذا القرار محطة جديدة من تعزيز شرعية الحقوق الفلسطينية، التي ارتفعت وتيرتها منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على الرغم من أن مختلف الدول تجاهلت في تعاطيها مع القرار الإشارة إلى الحق الطبيعي والقانوني للفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.
في المقابل، فإن أعضاء الجمعية أقروا ومن خلال ما ورد في نص القرار، بعجز الأمم المتحدة عن إنفاذ قراراتها في ضوء التجاهل المستمر من قبل دولة الاحتلال للقانون الدولي والقرارات الأممية.
الغضب الدولي من الاحتلال
يعدد القرار أوجه انتهاكات الاحتلال المستمرة للقانون الدولي والقرارات الدولية، والتي ذكر منها، "الاحتفاظ بالمستوطنات والتوسع فيها، وتشييد البنى التحتية المرتبطة بها، بما فيها الجدار، واستغلال الموارد الطبيعية، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والتطبيق الشامل للقانون المحلي الإسرائيلي في القدس الشرقية وتطبيقه على نطاق واسع في الضفة الغربية".
كما كان لتحديد مدى زمني لتنفيذ القرار إشارة إضافية إلى مدى الاستياء من المماطلة والرفض الإسرائيلي المزمن لقرارات الأمم المتحدة. ويندرج في هذا السياق التحديد التفصيلي للإجراءات المطلوبة من إسرائيل، مثل "سحب قواتها العسكرية من الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مجالها الجوي والبحري.. ووقف الأنشطة الاستيطانية، وإجلاء جميع المستوطنين".
إضافة إلى "تفكيك أجزاء الجدار الذي شيّدته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإعادة الأراضي والممتلكات والأصول التي تم الاستيلاء عليها من العام 1967، والسماح لجميع الفلسطينيين الذين نزحوا أثناء الاحتلال بالعودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية، وجبر الضرر اللاحق بجميع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المعنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
فيما دعا القرار حكومة سويسرا إلى عقد مؤتمر -خلال 6 أشهر- للأطراف المتعاقدة في الاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، يتناول ما يلزم من تدابير لإنفاذ الاتفاقية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتعد الامتيازات الإضافية التي منحها القرار لدولة فلسطين، مما لا تعطى عادة إلى دولة غير عضو، مثل السماح لها بطرح مشاريع قرارات، كانت تطلب من دول أو مجموعات أخرى تقديمها، ردا دبلوماسيا على جرائم الاحتلال وسعيه إلى تصفية القضية الفلسطينية ولجرائمه ضد الإنسانية في قطاع غزة وخارجه، في حدود ما تملكه الجمعية العامة من صلاحيات.
دعم فتوى محكمة العدل
ويعطي القرار زخما دبلوماسيا دوليا لفتوى محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 19 تموز (يوليو) 2024 بشأن "الآثار القانونية المترتبة على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية"، والذي أكّد أن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني. وأن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني.
وشدد القرار الجديد للجمعية العامة على بعض بنود قرار محكمة العدل، ولا سيما قرارها بأن "الالتزامات التي تنتهكها إسرائيل تهمّ جميع الدول، وأنه نظرا لأهمية الحقوق المعنية، يمكن اعتبار أن لجميع الدول مصلحة قانونية في حمايتها".
الدعوة لوقف العدوان
كما طالب القرار دولة الاحتلال "بالامتثال فورا لأوامر التدابير التحفظية الصادرة عن محكمة العدل الدولية في القضية المتعلقة بتطبيق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والتي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل".
وطالب أيضا، كافة الدول بوقف توفير أو نقل الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة لإسرائيل في جميع الحالات "التي تتوافر فيها أسباب معقولة للاشتباه في أنها قد تستخدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
إضافة إلى رفضه أي تغييرات تسعى دولة الاحتلال لفرضها على وضع قطاع غزة، إذ نص على أن الجمعية العامة ترفض "أي محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي أو إقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك أي إجراءات تقلص من مساحة قطاع غزة الذي يشكل جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة".
الدعوة للمحاسبة والتعويض
وأعطى القرار زخما لمساعي محاسبة إسرائيل وقادتها أمام المحاكم الدولية، إذ شدّد القرار على "الضرورة الحتمية لكفالة المساءلة عن جميع انتهاكات القانون الدولي، من أجل وضع حد للإفلات من العقاب وضمان إقرار العدالة".
وطالب أيضا بتطبيق عقوبات على الأشخاص الضالعين في الإبقاء على وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك ما يتعلق بعنف المستوطنين.
ودعت الدول الأعضاء إلى القيام بإنشاء سجل دولي للأضرار، بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ولتعزيز وتنسيق عملية جمع الأدلة والمبادرات الرامية إلى تقديم إسرائيل ذلك الجبر.
قرار الجمعية أشار إلى ضرورة إنشاء آلية دولية لجبر جميع الأضرار أو الخسائر الناجمة عما تقوم به إسرائيل من أفعال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
نكسة للدعاية الإسرائيلية
يشكل تصويت ما يزيد عن ثلثي الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار كهذا ضربة جديدة للشرعية الدولية لدولة الاحتلال، ولجهودها الدعائية والدبلوماسية الساعية إلى تسويق حربها على أنها حرب عادلة لمحاربة الإرهاب.
ولهذا الأمر حساسية استثنائية بالنسبة إلى دولة نشأت من خلال العدوان في منطقة تختلف عنها في التاريخ والثقافة واللغة والدين، واستندت "شرعيتها القانونية" إلى قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 1947، مما يخلق نقطة ضعف دائمة لها، وهي حاجتها الدائمة إلى الدعم الدولي القوي، كشرط لاستمرار وجودها، ولذلك فهي تعدّ المساس بأسس هذا الدعم تهديدا إستراتيجيا، وتحشد لمواجهته مختلف قدراتها الدبلوماسية والإعلامية والأمنية والاقتصادية.
وفيما يعبر القرار عن المساعي الأممية اليائسة للحفاظ على النظام الدولي القائم على القواعد، يخرق الاحتلال هذا النظام بغطاء من الفيتو الأميركي استمر على مدار عقود، ما يقوض هذا النظام ويقود إلى منطق الفوضى وفرض الحقائق بالقوة، مما يعطل دور الأمم المتحدة كوسيلة لحفظ السلام العالمي.
وهو ما أشارت له الجمعية العامة في القرار بقولها "إنها تشجب بشدة استمرار حكومة إسرائيل في التجاهل التام لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، واستمرار خرقها التام لتلك الالتزامات، وتؤكد أن هذه الخروقات تهدد بشكل خطير السلام والاستقرار الدوليين".