مشهد التصنيفات الأكاديمية للجامعات 2024

الوقائع الاخبارية:بقلم: أ.د.يونس مقدادي/ جامعة عمان العربية

نهنئ جامعاتنا الحكومية والخاصة على ما حققته في تصنيف THE من ترتيب متقدم مع أمنياتنا لجامعاتنا أن تكون دائما بتطور وتسابق مستمر. لقد قرأنا عدة وجهات نظر وهي مقدرة تعبر عن قناعات أصحابها عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومن قامات أكاديمية لها كل الاحترام والتقدير بحق التصنيفات الأكاديمية الدولية، وما قرأناه يستحق التوقف عنده لتناول هذا الملف الساخن بموضوعية وبحيادية، وعليه دعونا نطرح فكرة وغايات التصنيفات الأكاديمية للجامعات أو للبرامج وبمعاييرها المختلفة، وبالتالي سنجد بإن الهدف الرئيس مرتبط بتجويد مدخلات ومخرجات الجامعات، وتحسين البنية البحثية لأعضاء هيئة التدريس من خلال التشبيك مع باحثين ومراكز بحثية إقليمية وعالمية، وتسويق الجامعات لأستقطاب طلبة وافدين من حول العالم، وتسهيل عملية التوظيف للخريجين شريطة أن تكون هذه الجامعات مصنفة عالمياً، مما دفع بالجامعات حول العالم بإستثناء الجامعات العالمية المرموقة ولأسباب معروفة للجميع لتتمكن بالتالي من تحقيق درجة كبيرة من التقارب بمثيلاتها من الجامعات المصنفة والمرموقة علمياً وبحثياً وخلافه.

لقد أشارنا بمقال متواضع ومنشور سابقاً وبعنوان سجال التصنيف الأكاديمي بتاريخ 4/2/2023 عبر وسائل الاعلام وقد سلطنا الضوء على أهمية التصنيف الأكاديمي بإعتباره من الحلول الرامية لتمكين الجامعات من المحافظة على مكانتها وسمعتها محلياً وأقيلمياً وعالمياً ونخص بالذكر في ظل التنافسية والتي أصبحت لا ترحم أحد، ونخص بالذكر وبعد الاطلاع على تفاصيل معايير التصنيفات ومتطلباتها القاسية إلى حدٍ ما، والتي أستوقفت أصحاب القرار في الجامعات في ظل ما هو متاح من إمكانيات للأيفاء بمتطلبات تلك المعايير، وعليه فقد تبين بإن مهمة التصنيف في الغالب ستكون صعبة إلى حدٍ كبير للعديد من الجامعات ولأسباب معروفة للجميع.

ولنكن أكثر واقعية، نتسائل هنا، لماذا أغفلنا ملف التصنيفات بالرغم من معرفة إدارات الجامعات به ومنذ عقدين مضت على الأقل وتركه لساعة الصفر مما أوقعنا بتزاحم في وسط الضباب، بالرغم من الاشارات المتلاحقة بهذا الخصوص وبالتالي وجدت الجامعات نفسها ملزمة بالتصنيف، مما دفع الوسط الأكاديمي إلى طرح تسؤلات عديدة ومنها: ما هي أهمية وغايات التصنيف الأكاديمي؟ وكيف سنغلق فجوة الفروقات ما بين جامعاتنا والجامعات المصنفة عالمياً؟ وماهي الطريقة أو الكيفية المناسبة للتعامل مع التصنيف الأكاديمي ومعاييره؟ وكيف سنقرأ معايير التصنيفات بقراءة تحليلية دقيقة لفهم ومعرفة متطلباتها؟ وما هي آليات الايفاء بمتطلبات معايير التصنيفات؟ وما هو شكل القرار المتخذ للدخول في سباق التصنيفات؟ وما هي سبل التعامل مع التحديات أو العقبات المتوقعة وحلولها حال السير بإجراءات التصنيف الأكاديمي؟ ومن هي الجهات المتخصصة التي ستكلف بهذا الملف؟ وهل لدينا كفاءات متخصصة بالتصنيفات؟

إن الاجابة على هذه التساؤلات أصبحت ضرورية ومنطقية بغية التعامل مع هذا الملف الساخن حتى أن لا نغامر أو نقع في فخ العجز والتأرجح والدخول في معترك الاسقاط والتراشق الأكاديمي ما بين مؤيد ومعارض. والشئ بالشئ يذكر، وهذا ليس بغريب على أحد ومنذ إنطلاق سباق التصنيفات الأكاديمية، فقد تسابق الباحثون حول العالم إلى إجراء الدراسات ونشر البحوث المتخصصة في التصنيفات الأكاديمية لتشخيص معوقاتها، وبإمكان الجميع قرأت تلك البحوث المنشورة والتي إجريت في بيئات عالمية مختلفة والتي أشارت نتائجها وبوضوح وبتوافق كبير إلى وجود عدد كبير من العقبات حالت دون حصول الجامعات حول العالم على ترتيب متقدم في التصنيفات، ولا يوجد ما يمنع من الاطلاع على نتائج تلك الدراسات للأستفادة من نتائجها وتوصياتها والتي كانت في مجملها مقنعة بهدف إذابة تلك العقبات بغرض هيكلة وتحسين قدرات الجامعات للإيفاء مع معايير التصنيفات. وبإختصار يمكن الاشارة لبعض النتائج ومنها: غياب القيادات المتخصصة في التصنيفات الأكاديمية ومعاييرها لتكون مسؤولة وبمهنية عالية عن هكذا ملف ساخن مرتبط بمكونات المنظومة التعليمية والبحثية بالجامعات، وتدني جودة البحث العلمي كماً ونوعاً وإن كانت منشورة في مجلات مصنفة ولكنها في الغالب كانت تنشر لغايات معروفة للجميع، وغياب التشبيك الأكاديمي والبحثي على مستوى البرامج أو الانتاج العلمي لأعضاء هيئة التدريس مع نظراءهم في الجامعات العالمية المرموقة والمصنفة عالمياً، وضعف في تنفيذ الشراكات مع قطاعات سوق العمل ولغايات التوظيف مما ساهم في إذابة القوة الدافعة لبناء السمعة الأكاديمية والمرتبطة بنوعية الخريجين، وضعف ملحوظ في جودة ملفات أعضاء هيئة التدريس، ناهيك عن عدم واقعية رؤى الجامعات المستقبلية إنطلاقاً من خططها الاستراتيجية في تحسين قدراتها وتسخير إمكانياتها للتكيف أومواكبة مستجدات قطاع التعليم العالي محلياً وإقليميا وعالمياً.


نعتقد بإن مشهد التصنيفيات الأكاديمية صعوداُ أم هبوطاً مرهون بكيفية إدارة هذا الملف في الجامعات، وبإعتباره أولوية إستراتيجية تستدعي التأكيد على أصحاب القرار في الجامعات إلى الجدية بإتخاذ الإجراءات والقرارات المناسبة، وإعادة هيكلة مكونات ملف التصنيفات الأكاديمية بهدف تحقيق النقلة النوعية والمتأمل إنجازها بدلاً من أن تبقى عملية التصنيف تتأرجح دون الحيلولة للوصول إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع مما سيؤثر بعواقبه على على سمعة وهوية ومكانة الجامعات التنافسية، ناهيك على أن ملف التصنيف يا أصدقائي لا مفر منه، لا بل أصبح المعيار الرئيس للحكم على مستوى جودة التعليم في الجامعات ومخرجاتها وبعيداً عن ما تجنيه وكالات التصنيف الأكاديمي الدولية من رسوم كإيرادات مقابل خدماتها، ناهيك عن علمنا جميعاً بإنه لا يوجد شئ في وقتنا الحاضر بالمجان.