عودة ترامب.. فترة ذهبية لكنها لا تبشر بخير لإسرائيل: هل يضطر لإحياء “صفقة القرن”؟

الوقائع الإخبارية: . هذه أيام حزينة وخطيرة للمجتمع الدولي، وللولايات المتحدة وإسرائيل الحليفة المقربة. الولايات المتحدة انتخبت شخصاً يراه مقربوه فاشياً، لا يصلح أن يكون رئيساً، لديه علامات على تدهور المعرفة. وكنرجسي، فإنه شخص متقلب ويرغب في الانتقام، ولا نعرف أي ترامب سنلتقي هذه المرة، لا سيما عندما يكون متحرراً من أي اعتبارات سياسية وأي توازنات وكوابح تقليدية. ترامب سيطر في السابق على المحكمة العليا ضامناً أغلبية في مجلس الشيوخ، ويبدو في مجلس النواب أيضاً، أي أن لديه سيطرة على السلطات الثلاثة، وهذا هو حلم رئيس الحكومة نتنياهو.

يتوقع لإسرائيل وللإدارة الأمريكية أجندة مليئة بالقضايا الحاسمة. وخلافاً للرأي السائد، بشكل عام، لا يتوقع أن تكون فترة ذهبية لإسرائيل مع ترامب. والمجالات التي ستحصل على فترة ذهبية كما يبدو، فلن يكون الأمر بالضرورة في صالحنا. فالتزامه لنتنياهو نفعي بالأساس.

ترامب غاضب من يهود أمريكا، الذين لم يعترفوا بجميله وصوتوا للحزب الديمقراطي، بل ويحقد على نتنياهو لأنه تجرأ على تهنئة بايدن فور فوزه في حينه. في ولايته الأولى، قام ترامب بأمور مهمة من أجلنا، من بين ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبهضبة الجولان، وباتفاقات إبراهيم. إضافة إلى إنجازات صعبة، أبرزها الانسحاب من الاتفاق النووي، خلافاً لبايدن، الذي يعتبر رفيق الروح لنتنياهو، فإن ترامب لن يعارض مواصلة الانقلاب النظامي. وهكذا سيزال عائق من أمام تدهور الديمقراطية في إسرائيل، ما سيفاقم الفجوة مع يهود أمريكا، الدعامة الرئيسية لإسرائيل.

في العام 2028 ستنتهي رزمة المساعدات لعشر سنوات. خطط بناء الجيش الإسرائيلي تقوم على الافتراض بأننا سنحصل ليس فقط على رزمة أخرى، بل أكثر وأهم. ولكن ترامب والحزب الجمهوري يتحفظون من المساعدات الخارجية، لا سيما بدون "مقابل مناسب”، أي الخضوع لمواقفهم. تعتبر إسرائيل في الحقيقة استثناء في موضوع المساعدات، لكن الافتراض بأن استمرارها وزيادتها أمر مضمون لم يعد مؤكداً. بروحية ترامب، سيتم تقليص هذه المساعدات. وثمة مسألة حاسمة، وهي: هل يستمر التعاون الاستراتيجي الذي وجد مع بايدن، بما في ذلك القتال المشترك ضد الهجمات من إيران؟ من شبه المؤكد أن ترامب سيظهر عدم الاهتمام بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. ربما يبدو هذا مريحاً، لكن لهذه الراحة ثمناً باهظاً. سيستخدم علينا ضغطاً أقل فيما يتعلق بالمستوطنات وحقوق الإنسان، ومن المرجح ألا يعارض احتلال غزة والضم الفعلي. سيميل ترامب أيضاً لفرض قيود على العلاقة بين الولايات المتحدة والفلسطينيين، بما في ذلك تقليص المساعدات وإغلاق الأونروا، وسيظهر التشكك حول عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة ونضوج الفلسطينيين لدولة مستقلة، ما يعتبر جنة عدن لليمين الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، يتوقع أن يعمل ترامب بقوة على إنهاء القتال في غزة ولبنان، بدون اهتمام زائد بمصالح إسرائيل من أجل إعادة الاستقرار إلى المنطقة وتقليص خطر الانجرار إلى مستنقع الشرق الأوسط. إذا قدر ترامب وجود فرصة لإنجاز شخصي، اعتباره الوحيد، فربما يعود إلى "صفقة القرن” التي عرضها في ولايته الأولى لتسوية النزاع.

لكن حتى هذا الاقتراح سيضعه في مواجهة مع الحكومة، بكونه بالفعل حل الدولتين (30 في المئة من أراضي الضفة الغربية قد تبقى في أيدينا). السعودية في المقابل، قد تعتبر ذلك استجابة كافية لطلب إقامة الدولة الفلسطينية مقابل التطبيع، وترامب سيستخدم الضغط للموافقة على الصفقة التي يعتبرها إنجازاً كبيراً.

للمفارقة، تكمن في مواقف ترامب أيضاً فرصة من ناحية معسكر الوسط – يسار؛ لأنه عندما سيواجه معارضة الحكومة للصفقة (التي رفضها الفلسطينيون قبل فترة) سيتضح له بأن هذا المعسكر، ليس اليمين، هو شريكه، إذا كان يرغب في الإثبات بأنه هو القادر فقط على إيجاد حل للنزاع. ترامب، المتمرد على المسلمات، يمكنه أيضاً أن يظهر استعداداً لفحص نماذج أخرى لحل النزاع، مثل الانفصال المدني (وليس العسكري) عن الضفة الغربية كمرحلة مؤقتة وطويلة قبل الاتفاق الدائم، أو كونفدرالية بين الأردن وفلسطين تشمل معظم الضفة الغربية وكل قطاع غزة.

استعداد ترامب لإقامة حلف دفاع مع السعودية والاعتراف بالمشروع النووي المدني فيها – الإنجازات التي كان بايدن ينوي إعطاءها إياها مقابل التطبيع – غير معروف. إذا وافق على ذلك، فستسنح الفرصة لإقامة معاهدة موازية وحتى أكثر شمولية مع إسرائيل. في كل الحالات، يجب العمل على إحباط إمكانية اكتفاء ترامب باتفاق منفصل مع السعودية.

ربما تضع إيران ترامب أمام تحديات صعبة، سواء بتسريع المشروع النووي أو مواصلة إطلاق الصواريخ والتدخل في ساحات مختلفة. يبدو أن ترامب قد يجري مفاوضات مع إيران من موقف قوة، لكن المشكوك فيه إذا كانت إيران ستوافق على اتفاق نووي جديد بعد انسحاب ترامب من الاتفاق السابق. ومشكوك فيه أيضاً إذا كانت إيران، التي تدرك تحفظ ترامب من التدخل العسكري ما وراء البحار، ستخشى من هجوم عسكري.

هكذا سيبقى ترامب مع العقوبات الاقتصادية كوسيلة سياسية، وقد تجد إسرائيل نفسها تقف وحيدة أمام إيران، بدون تعاون استراتيجي دعم من بايدن، لكن ستكون لها حرية العمل وحدها. أما في الشمال، فيتوقع أن يعطي ترامب إسرائيل يداً حرة شريطة ألا تتدهور الأمور إلى حرب إقليمية تجبر أمريكا على التدخل. ولدنا من أجل الحرية، لكن ليس لحرية كهذه.

وسيقلص ترامب أو سيقوم بسحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق، ما سيعتبر إنجازاً كبيراً لإيران، وسيزيد حرية العمل لها ولروسيا والصين. وهكذا ستتمكن إيران من التركيز على الدفاع أمام الجيش الإسرائيلي والاستثمار أكثر في تطوير القدرات الهجومية.