غنيمات يكتب: خطاب يُسطّر فصولاً جديدة
خطاب جلالة الملك اليوم يُمكن تحليله من زوايا متعددة، فهو خطاب اتسم بالوضوح والثقة والحزم، ممزوجًا بالعتاب أحيانًا، وهذه السمات ربما لم تُصرَّح بها الكلمات بشكل مباشر، لكن لغة الجسد، ونظرات العين، وطريقة الإلقاء، والوقفات المدروسة خلال الحديث، نقلت رسائل عميقة ومؤثرة؛ إذ أن حضور الملك تحت قبة البرلمان كان بحد ذاته رسالة، حيث عكست صورته حضوره القوي ورؤيته الثابتة. لغة الجسد ليست جديدة على جلالة الملك؛ فقد بدت واضحة في السنوات الأخيرة بشكل أكثر جلاءً، ربما نتيجة الضغوطات الهائلة التي تتحملها القيادة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة، والحرب على غزة، والسنوات الصعبة التي مرّ بها الأردن على مدى العقود الماضية. ورغم كل ذلك، يؤكد الملك بإصرار على كتابة فصول جديدة في مسيرة الأردن، كربان يدرك تمامًا اتجاهاته وخياراته، ويعلم إلى أين يقود السفينة الوطنية. أكد جلالة الملك على ضرورة المضي قدمًا في مسيرة الإصلاح، باعتبارها مشروعًا استراتيجيًا نابعًا من قناعة شخصية ورؤية عليا، أتت من القيادة إلى القواعد الشعبية، مشيرًا إلى أهمية الالتزام بمسارات الإصلاح الثلاث: السياسي والاقتصادي والإداري، إلى جانب ضرورة تغيير الصورة النمطية السلبية عن أداء مجلس النواب. كما دعا النواب إلى تقديم نموذج جديد يعكس مرحلة سياسية حديثة، تساهم في تعزيز المشاركة الشعبية وترسيخ الحياة الحزبية بشكل أكبر. في رسالة تحمل أبعادًا وطنية وسيادية، أعلن الملك بوضوح أن الأردن سيبقى متمسكًا بمصالحه ومبادئه فوق كل اعتبار. وأكد أن مستقبل الأردن لن يُرسم إلا بقرارات مستقلة تعكس مصالح الشعب الأردني ومبادئه. وهذه المصالح الأردنية تتطلب الدفاع عن استقلال البلاد وعن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ طالما أكد جلالته على الثوابت الثلاث التي لطالما تمسك بها الأردن: القدس عاصمة لفلسطين، لا للتهجير، ولا للوطن البديل. وكما أكد دوما على أن "الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين". وجّه الملك رسالة واضحة إلى العالم بأسره، مشددًا على أن الأردن لن يتنازل عن حقوقه أو مبادئه. وتتزايد أهمية الرسالة الملكية ونحن ننتظر إدارة أمريكية جديدة، مع كل ما تحمله من مخططات صعبة. فما قاله الملك اليوم يذكرنا بمواقف جلالته التي وقفت سدًا منيعا في وجه "صفقة القرن" خلال إدارة ترامب الأولى، وها هو مليكنا اليوم مستعد للتصدي لأي سياسات تمس مصالح ومبادئ المملكة، أو تستجيب لسياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف. خطاب الملك اليوم كان بمثابة خارطة طريق للعمل الوطني خلال السنوات المقبلة، حيث رسم ملامح التعاون بين مختلف المؤسسات: النواب، الحكومة، والأحزاب، داعيًا إلى مواصلة مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، وصولًا إلى مرحلة جديدة من الحاكمية الرشيدة، التي تعتمد على متابعة الأداء وإشراك المواطن في عملية صنع القرار. تحدث جلالته بلغة عميقة تعكس استيعابه لمخاوف الشعب الأردني، سواء فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية والبحث عن حلول واقعية، أو التهديدات الخارجية التي تثير القلق، وطمأن الملك شعبه، مؤكدًا أن الأردن، قيادةً وشعبًا، سيظل ثابتًا وواثقًا بأن كل الخطوات المقبلة ستصب في مصلحة الوطن والمواطنين. خطاب جلالة الملك اليوم يعد تأكيدًا جديدًا على العزيمة الأردنية لمواصلة مسيرة البناء، رغم التحديات، والغاية تحقيق تطلعات الشعب الأردني في مستقبل مشرق ومستقل.