هل تكسر الأمطار الأخيرة أعراض الجمود الجوي؟

الوقائع الاخبارية : 

أنعشت أول أمطار خريفية محلية شهدتها مختلف مناطق المملكة الأول من أمس، آمال أردنيين باستهلال موسم شتوي جيّد للعام 2024 - 2025، وذلك عقب انحباس مطريّ دامت مدته على مدار شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) الماضيين.
وبدأ هطل الأمطار الخريفية على المملكة، في وقت تشهد فيه المخازين المائية في السدود ضغطا كبيرا، فيما لم تتزامن ملامح أول هطولات مطرية مع الفترة ذاتها من الموسم المطري الماضي 2023 - 2024، حيث كانت أول هطولات حينها في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي.
ورغم أن ملامح الهطول المطري خلال الوقت الراهن، كسرت أعراض الجمود الجوي، وارتفاع درجات الحرارة في بلد يصنف أول أفقر دولة بالمياه على مستوى العالم، إلا أنه لا يعوّل علميا على تلك الأمطار في التنبؤ بمدى جودة الموسم المطري، أو تقييم جودته من عدمها.
وأكد هذا السياق مدير إدارة الأرصاد الجوية رائد رافد آل خطاب، في تصريحات لـ"الغد"، الذي أفاد بأن "ضعف الأداء المطري خلال هذه الفترة ليس بالضرورة مؤشرًا على أداء الموسم بأكمله، لاسيما وأن نسبة ما يتحقق من المعدل المطري حتى هذا التاريخ عادة لا تتجاوز 13 %".
وقال آل خطاب "إن متابعة أداء الموسم المطري تستمر خلال الأشهر المقبلة"، مشيرًا إلى "أن معظم كميات الأمطار الرئيسة في المملكة تأتي خلال أشهر الشتاء، ما يترك المجال مفتوحا لتحسن الأداء المطري في الفترة المقبلة".
وأضاف آل خطاب "إن أداء الموسم المطري 2024 - 2025 في المملكة، ما يزال ضعيفا حتى الآن في معظم المناطق، باستثناء منطقة الأغوار الوسطى (دير علا)"، موضحا أن الأمطار التي شهدتها المملكة خلال فصل الخريف، خاصة في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، نجمت عن "حالات من عدم الاستقرار الجوي، وشكلت كمياتها حتى 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، نسبا تراوحت بين 6 % و13 % من المعدل المطري الموسمي العام".
وأشار إلى أن ضعف الأداء المطري خلال الخريف الحالي، تكرّر في أربعة مواسم مطرية سابقة خلال السنوات الـ10 الماضية، وهي موسم 2016 – 2017، إذ انتهى دون معدلاته العامة في معظم المناطق باستثناء أجزاء من المناطق الجنوبية والشرقية.
وذلك إلى جانب موسم 2017 – 2018 الذي شهد كميات مطرية حول أو أعلى من المعدل في معظم المناطق باستثناء المناطق الوسطى وأجزاء من جنوب وشرق المملكة، بالإضافة لموسم 2022- 2021 الذي انتهى بأداء ضعيف في معظم المناطق باستثناء المناطق الوسطى، فضلا عن موسم 2023 – 2024، إذ انتهى حول معدلاته العامة أو أعلى في معظم المناطق، باستثناء المناطق الجنوبية وأجزاء من الشرقية.






ومن المؤمل أن يتصف الموسم الشتوي الحالي بالماطر، لاسيما وأن تعاظم انعكاسات عدم تسجيل أعوام مطرية، يرفع من حدّة مخاطر تضخم الأزمة المائية في المملكة، فيما تعول وزارة المياه والري - سلطة وادي الأردن على هطولات مطرية خريفية، لدورها المهم ومساهمتها المباشرة في منح "هامش أريحية"، على المياه المسالة لمختلف الزراعات في وادي الأردن.
وكان الأمين العام لسلطة وادي الأردن هشام الحيصة أبدى قلقه، في تصريحات سابقة، إزاء بداية تأخر هطولات مطرية خريفية تشهدها المملكة حاليا، مشيرا إلى أن هذا التأخير، سيزيد من تحديات الضغط على مصادر المياه المتوفرة ومخازين السدود المائية.
وينعكس أي تأخر في الهطول المطري يشهده الموسم الشتوي، على التأثير سلبا بزيادة الضغط على قطاع المياه، إذ إنه كلما كان موسم الهطول المطري مبكرا، انخفض الضغط على المياه المزودة للمزارعين، كما أنه كلما امتدت الفترة الزمنية لتأخر الهطول المطري، ارتفعت الأعباء على مصادر قطاع المياه.
ورغم تأخر الهطول المطري خلال هذا الموسم الذي يبدأ عادة من منتصف شهر أيلول (سبتمبر)، فإن تأخر الهطول المطري للموسم 2024 – 2025، ليس بجديد، ولا يعتبر حدثا استثنائيا، كما أن تأخر بداية الهطول المطري خلال الموسم المطري لا يعتبر مؤشرا على أداء الموسم.
وتأثرت المملكة بحالة من عدم الاستقرار الجوي، أدت إلى ظهور الغيوم على ارتفاعات مختلفة مع هطول زخات خفيفة من الأمطار خلال ساعات متباعدة.
وفيما تنامت تحذيرات إزاء مخاطر من تغيرات في نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الناتجة عن الصدمات الجافة لهطولات الأمطار، بقيت المملكة تحت تأثير ارتفاع درجات الحرارة على مدار أسابيع.
وعادة، ما يكون تأثير الأمطار الجيد على المياه الجوفية واضحا، في حال استمرار الهطول لتغذية الطبقات الجوفية العميقة من الأرض، في حين يكون تأثير تلك الأمطار "محدودا" على تلك المياه عند انحباس الأمطار.
ويعد شهرا أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) من كل عام، "فترة انتقالية" من الموسم الصيفي إلى الشتوي، حيث تمر فيه عادة كتل رطبة نسبيا وباردة ويكون مركزها من المناطق الشمالية والغربية عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفيما لا يعول على هذه الأمطار علميا في تقييم جودة أداء الموسم المطري من عدمها خلال الوقت الراهن، بات موعد بداية الموسم المطري متغيرا، وفق التغيرات المناخية التي أثرت على الطقس بشكل عام في كافة مناحي العالم.
وكان تقرير المياه والهشاشة؛ الصادر في وقت سابق عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) والبنك الدولي، تناول بشكل موسع بند انعكاس تأثيرات تغير المناخ على المياه والسكان، مرجحا أن يكون حجم تلك التأثيرات في جميع دول المنطقة عاليا، رغم اختلاف التغييرات والآثار.
وأوضح التقرير أن التغييرات المتوقعة الرئيسة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وموجات الحرارة، وتناقص هطول الأمطار، وهطول الأمطار المتطرفة، وسط تنبؤات بأن تشمل تأثيرات الجولة الثانية زيادة وتيرة وحالات الجفاف، والفيضانات، وتسرب مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية مع ارتفاع مستويات البحار.
وعودة إلى تقرير صدر عن مجموعة البنك الدولي، في وقت سابق أيضا، فإن تأثيرات المياه على مقياس إجمالي واحد، وهو النمو الاقتصادي، أظهر أن الدول متوسطة ومنخفضة الدخل، أكثر عرضة للصدمات الجافة من غيرها ذات الدخل المرتفع، مشيرا إلى أن قلة الأمطار في هذه الدول، تعني ضعف النمو.
وبين التقرير الذي حمل عنوان "الجفاف والعجز.. التأثيرات العالمية للجفاف على النمو الاقتصادي"، أن العجز في هطول الأمطار، يؤثر بشكل سلبي على نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث تتكبد البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في المناطق القاحلة أعلى الخسائر النسبية، وذلك توازيا مع تزايد شدة الجفاف، والذي يؤثر بدوره على النمو الاقتصادي.
بدورها، نصّت خطة التحديث الاقتصادي، على أن مساهمة قطاع المياه في الناتج المحلي الإجمالي، حسب تقديرات العام 2021، بلغت 0.5 % وبقيمة 200 مليون دينار.
وقالت الخطة ذاتها إن الطلب المتزايد على المياه بفعل التحولات الديموغرافية والنمو السكاني، أدى إلى انخفاض حاد في وفرة المياه العذبة في المملكة، داعية إلى إطلاق المشروعات الوطنية لتحلية المياه، وتوفير الفرص أمام استثمارات القطاع الخاص، ورفع كفاءة الطاقة المستخدمة في قطاع المياه، وزيادة استخدام الطاقة البديلة، واستغلال تخزين المياه لتخزين الطاقة.
وذلك إلى جانب رفع كفاءة استخدام المياه وتحقيق الاستدامة الذاتية المالية، وتطوير المراقبة والتحكم في إدارة العرض والطلب على المياه، وإطلاق برنامج توعية للحفاظ عليها، إضافة إلى تعزيز القدرة على مقاومة المناخ والاستخدام المستدام لها.
كما أضافت "التحديث الاقتصادي" أن المياه شكّلت 0.7 % من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة في العام 2021"، مشيرة إلى نموّ قطاع المياه بنسبة 8 % سنويا.
وتكمن المخاوف من تكرار الجفاف والانحباس المطري اللذين عانت منهما المملكة خلال مواسم شتوية ماضية، لاسيما في ظل الوضع المائي الحرج، وعطش السدود.
وبات في ظل تحديات هذا الوضع، من الضروري اتخاذ إجراءات لمواجهة ارتفاع معدلات التبخر من الهطولات المطرية، وصياغة قوالب تتناسب وما قد يواجهه الموسم الشتوي، نتيجة التغيرات المناخية التي صارت واقعا لا محالة، وفق تصريحات سابقة لمختصين في قطاع المياه.
ويعتمد تحسين أوضاع مخازين السدود على تحسن الجريان السطحي للمياه من خلال استمرارية هطول الأمطار المتزامن مع انخفاض درجات الحرارة.