سورية.. الأهم الاستقرار

في غمرة مُتابعة العالم ما يجري من عدوان همجي إسرائيلي غاشم على قطاع غزة، ومن بعدها على لبنان، يتفاجأ الجميع مما حصل في سورية خلال أيام قليلة فقط، حيث سقط نظام بشار الأسد، وبلا أدنى أي مُقاومة، من قبل الجيش أو الأجهزة الأمنية!.

قد يكون هُناك تشابه في حيثيات سقوط النظامين الحاكمين السابقين في العراق وسورية، ففي غضون أيام خلال شهر آذار من العام 2003 اختفى الجيش العراقي فجأة، وبلا سابق إنذار، ومثله فعل الجيش السوري مؤخرا، ودمر العراقيون تمثال صدام حُسين، وكذلك فعل السوريون بتمثال حافظ الأسد.

قد يكون ذلك غير ذات أهمية، لكن المُهم أو الأهم النتائج السلبية التي حصلت في العراق، والتي ظهرت حيثياتها من خلال التقسيم والاقتتال الداخلي، حتى أن عملية توزيع المناصب تمت على أُسس طائفية، فالرئيس كردي ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني.. ونأمل ألا يحدث ذلك في الشقيقة سورية، أكانت من ناحية توزيع المناصب على أساس المُحاصصة الطائفية، واما من ناحية تقسيهما إلى دويلات: علوية، سُنية، كردية.

كما أن الأهم أن لا يبدأ الصراع على سورية مرة أُخرى، حيث مآلات ذلك لن يتوقعها أو يتنبأ بها الكثير من المحللين والمُراقبين والمُتابعين، وسيكتوي بنيرانيها، الكثير من الدول، والأردن ليس منها ببعيد، والذي أكد بعلو صوته على أهمية الحفاظ على «أمن واستقرار سورية، ووحدة أراضيها واستعادة مؤسسات الدولة السورية فعالية مؤسساتها».

الأردن موقفه واضح، وعبر عنه بكُل صراحة وعلى الملأ، لكن ذلك لا يمنع من ضرورة أخذ الحيطة والحذر، وإعداد الخطط الواقعية لكُل السيناريوهات المُحتملة، والتي تحدث أكان على الأمد القريب أم البعيد.. فاستقرار «خاصرتنا الشمالية» مُهم بالنسبة لنا، كما هو مُهم بالنسبة لأبناء الشعب السوري.

ومن المُبكر جدًا، الحُكم على ما ستؤول إليه الأوضاع في سورية، لكن ما هو ظاهر للعيان يُشير إلى أن هُناك تعزيز للنفوذ «الصهيو أميركي»، والمُستفيد الأكبر هو دولة الاحتلال الإسرائيلي.. وما أقدم عليه الصهاينة خلال الساعات الماضية، من احتلال جبل الشيخ، ووضع قوات عسكرية في المنطقة العازلة من ناحية الجولان المُحتل، إلا أول الغيث، أو بمعنى أصح أول المطر، فدائمًا المطر يكون لأمر سلبي.

تحت وطأة الصدمة وتسارع الأحداث، هُناك تفاصيل قد تكون خطيرة تنتظر سورية، التي نعشقها، خصوصًا بعدما رفعت دول يدها عن حماية نظامها السابق، وأُخرى طامحة وطامعة في خيرات بلاد، عاصمتها (دمشق)، وهي أقدم عاصة في العالم.

فعودة سورية إلى ما كانت عليه سابقًا، بات في حُكم المُستحيل، لكن الخوف من حروب أهلية بين الأطراف الموجودة، وبدعم إما إقليمي أو دولي، وانتشار الفوضى بين أبناء هذا البلد الشقيق، الذين ذاقوا ويلات من الألم والاضطهاد.. وأخشى أن نُصاب بالصدمة ونشعر بالندم عندما تُصبح سورية، لا قدر الله، عراقا ثانية، فقد يحتاج استقرار سورية إلى العشرات من الأعوام.

لم نكن يومًا من الأيام في صف أي طاغية، ولم نكن من ذي قبل أن نصمت عن قهر أو ظلم أو إذلال أو فساد، يتعرض له أشقاء لنا، لكن دومًا كُنا نُحذر من تقسيم وخراب، حتمًا سيكتوي بنيرانه الكثير، والأردن أولة دولة ستتأثر به، في حال عمت الفوضى وإنفلات الأمن في سورية.

ولن نغض الطرف عما عاناه الشعب السوري، جراء غياب الديمقراطية، وقلة احترام، ونقصان كرامة، وفقدان حُرية، وقد يكون الأسدين (بشار وحافظ) ساهما في إيصال الأوضاع في سورية إلى ما هي عليه الآن.. لكن يجب ألا نغض الطرف عن أن هذا البلد الرائع قد تحول ومنذ فترة إلى ساحة صراع إقليمي ودولي تتشابك فيه المصالح، وكلها على حساب الشعب السوري.. ونخشى ألا تسير سورية إلى مجهول!.

ويبقى الخوف الأكبر، يتمثل بأن يحصل أو يتم تقسيم جديد للمنطقة، وهو أمر ليس مُستبعدًا أبدًا، فهذه المنطقة قُسمت قبل أكثر من مائة عام من الآن، وكأنها قد تعودت على التقسيم، فهي تُقسم كل مائة عام.. فنحن أمام خريطة جديدة، خاصة أن الأيام كشفت عن أن الأحداث وكأنها مُترابطة، وتنبثق من مُخطط شيطاني. فالقادم أخطر.