{clean_title}

خيوط اللعبه

في إحدى المزارع الحكومية، حيث لا يسير أي شيء كما ينبغي، كان هناك "الخياط" الذي ليس خياطًا تقليديًا، بل خياط من نوع آخر. لم يكن يبيع ملابس، بل كان يقوم بتفصيل المناصب والقرارات حسب الحاجة والمصلحة. كان يحمل شهادة محاسبة، ولكن كيف حصل عليها؟ لا أحد يعلم. المهم أنه أصبح يتحكم في كل شيء داخل المزرعة، ولا يوجد له أي توقيع رسمي في سجلاتها، لكن الجميع كان يراه كما لو أنه المدير الأعلى.

الخياط كان يظن نفسه على رأس السلطة، يمرّ كل صباح على الموظفين، ممسكًا بمقصه وكأنها سيف، يلوح به قائلاً: "من يحتاج لمنصب جديد؟ لدينا مقاسات لكل الأجسام، ولكن ليس العقول!". كان يعمل على تعديل وتفصيل المناصب، مثلما يضبط قياسات القماش، وكل شيء كان يتم على حسب المصلحة الشخصية.

في أحد الأيام، دخل عليه مساعده، الذي كان موظفًا متقاعدًا من وزارة المالية، يحمل معه قطعة قماش مهلهلة. قال له المساعد: "سيدي، هناك طلب من وزير المالية. يريد منصبًا لشخص قريب منه، المشكلة أن هذا الشخص لا يعرف الفرق بين الميزانية ودلو الماء!"

ضحك الخياط وقال: "لا تقلق! في هذه المزرعة، المناصب لا تحتاج إلى كفاءة، بل إلى علاقات. نحن لا نقيم الشخص بناءً على خبرته، بل بناءً على من يربطنا به." ثم بدأ في قص القماش، وأضاف بعض الجيوب السرية للحفاظ على المصالح الخاصة، وثقوبًا تهرب من خلالها القرارات الخاطئة. بعد ساعات، كانت البدلة جاهزة، وهي بدلة غير متوافقة تمامًا مع من يفترض أن يرتديها، لكنها كانت ملائمة تمامًا للموقف.

دخل وزير المالية ليشاهد العمل بنفسه، وكان يبتسم ابتسامة واسعة. قال للخياط: "أريد منصبًا جديدًا لشخص، لا يهم إن كان لا يفهم شيئًا، فقط اجعل هذا المنصب يبدو كبيرًا!" أجاب الخياط بثقة: "أنت تطلب المستحيل، ولكن في هذه المزرعة، المستحيل هو ما يمكن تفصيله وفقًا لقياسك!"

وفي هذه الأثناء، كانت لجنة الرقابة تتجول في المزرعة، تحمل تقارير مليئة بالاحتجاجات على تصرفات الخياط. جاء أحد المفتشين وقال: "ما الذي يحدث هنا؟ هذا ليس نظامًا! الموظفون غاضبون، والقرارات تتغير كل يوم!" رد الخياط وهو يرفع مقصه: "القوانين مثل القماش الرخيص، تحتاج دائمًا إلى تعديل. نحن هنا لنجعلها تتناسب مع الوضع! أليس هذا هو الهدف من الإدارة؟"

خرج المفتشون محبطين من غير أن ينجحوا في تغيير شيء، بينما عاد الخياط إلى كرسيه وكأنّه ملك المزرعة، وقال لمساعده: "في هذه المزرعة، لا يهم إن كانت القوانين ضيقة أو واسعة، طالما أنها تناسب مصلحتنا"

وهكذا استمر الحال في المزرعة، حيث يتم تفصيل المناصب حسب الحاجة، والمشاكل تتفاقم يومًا بعد يوم. أما الموظفون، فقد اعتادوا على الوضع وأصبحوا يتندرون عن "مقص الخياط" الذي يعبث بكل شيء. لكن الحقيقة الواضحة كانت أن الخياط كان يتحكم في كل شيء، والمزرعة كانت مجرد قماش ينسجونه حسب الأهواء والمصالح.