الإعلام والاستخبارات وقت احتلال الدول

لا أحد يشك في أن الإعلام بشكل عام، صاحب رسالة، سمتها الأساس أخلاقية، تعتمد المهنية والموضوعية والأمانة العلمية، يُسلط من خلالها الضوء على الإيجابيات والسلبيات، أكانت على مُستوى الأفراد أم الدول، أو القرارات والسياسات والإجراءات، لكن هُناك وسائل إعلام «تنتبذ» وقت احتلال الدول أو سقوطها، مكانًا آخر، بعيدًا عن رسالتها الأساس التي وجدت من أجلها، وتُمارس عن طريق أدواتها أدوارًا غير بريئة بشكل مُتعمد، وقد يكون أحيانًا عن جهل أو عدم دراية.

  وفي الوقت نفسه، أي عند احتلال أو سقوط الدول، تنشط وبشكل سريع جدًا وغير طبيعي، الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأجنبية أو المُعادية، سمها ما شئت، من أجل تحقيق أهداف تضعها هي بنفسها من خلال تبني خطط، وليس خطة واحدة، حتى تنول المُراد، وبالتالي الحصول على غنائم مادية ومعنوية، أكانت اقتصادية أم أمنية أم إستراتيجية أم زراعية، وحتى تاريخية وتُراثية.

وذلك ما حصل تمامًا، في التاسع من نيسان العام 2003، وقت احتلال العراق، أو ما يُحبذ بعضهم أن يُطلق عليه سقوط بغداد.. حينها

سلطت مُعظم وسائل الإعلام، تقاريرها وبرامجها وكاميراتها الضوء وبشكل مُكثف على صورتين رئيستين، الأولى، وتُعتبر أقل أهمية، حول الدبابات الأميركية وهي تجول في العاصمة بغداد، والثانية، مُهمة جدًا، تمثلت بالتركيز على طريقة أو آلية إسقاط تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حُسين في بغداد أيضًا، والذي تم عبر آلية أميركية يقودها جنود أميركيون، جاؤوا من أجل احتلال ونهب خيرات ذلك البلد.

حينها، كان جُلّ العرب يتابعون تلك المشاهد والتقارير والبرامج، حيث كانوا يتسمّرون أمام شاشات الفضائيات، ولساعات طوال، وهي تنقل لهم الحدث (إسقاط تمثال صدام)، وعلى الهواء مُباشرة، والتي نستطيع القول إنها «ألهتهم» من خلال تلك المشاهد والتقارير، وغضت الطرف، عن سبق إصرار وترصد، وعلى علم بما تفعله أجهزة الاستخبارات المُعادية في تلك اللحظات، وبعدها بأيام أو أشهر أو حتى أعوام.


يُقال إن الولايات المُتحدة الأميركية لديها سبعة عشر جهازًا استخباراتيًا وأمنيًا، منها عشرة على الأقل تعمل خارجيًا، وما نعرفه عن طريق الأفلام الأميركية، هما جهازان اثنان فقط: «سي آي ايه»، و»إف بي آي»، فضلًا عن أجهزة الاستخبارات البريطانية، ودول أُخرى كان لها مصالح جمّة في العراق الشقيق، أو بمعنى أصح تدميره، وقبل ذلك نهبه.

الأجهزة الاستخباراتية والأمنية تلك، كانت تُمارس مهام أقل ما يُقال عنها بأنها قذرة في شتى مناطق العراق، وكُل جهاز من هذه الأجهزة مُختص بقطاع مُعين، فواحد يهتم بالأسلحة الإستراتيجية والكيماوية على سبيل المثال، وثان يتمحور عمله بالآثار التاريخية، وثالث حول القطاعات الاقتصادية، ورابع مُختص بالأجهزة الأمنية والعسكرية، وخامس بالزراعة، وما إلى ذلك من قطاعات.  

ونجحت تلك السياسة أو الآلية في تحقيق أهدافها، فقد كان تركيز الجميع مُنصبا على مشاهد الدبابات الأميركية تسير وسط بغداد، وعملية إسقاط «التمثال»، حتى أنهم بقوا أسرى هذه اللحظات، فيما لم يلقوا بالًا لعمل تلك الأجهزة الأمنية والاستخباراتية «المُعادية»، وهي تُحقق غاياتها، وتُمعن في التخريب والنهب، بطريقة شيطانية.

وكانت النتيجة ما هو حاصل الآن للعراق، ويراه الكُل، من عنف طائفي وتقسيم، وقبل ذلك خسائر بشرية، قُدرت بمليون شهيد ومُصاب، وملايين من المُشردين، وخسائر مادية بلغت مئات المليارات من الدولارات.

وما حصل في العراق في التاسع من نيسان العام 2003، حصل تمامًا في سورية في الثامن من كانون الأول 2024، إذ سلطت الفضائيات تقاريرها وبرامجها وكاميراتها على سجن صيدنايا، وما فيه من وسائل تعذيب، ومجازر ارتكبت، بالإضافة إلى مشاهد إسقاط تماثيل حافظ الأسد.

ومن المؤكد أن أجهزة الأمن والاستخبارات الأجنبية، فعلت فعلتها في سورية، كما فعلتها من قبل في بغداد.. يُضاف إلى ذلك احتلال أجزاء منها، فحلب قد تكون تُركية في ظل حكم لا مركزي سوري، وأما العدو الإسرائيلي فبات يسرح ويمرح في أراضي القنيطرة ودرعا، وقبل ذلك احتل جبل الشيخ.