ترويض نتنياهو: الولايات المتحدة تغيّر سياستها في الشرق الأوسط بشكل حاد، وشهر العسل انتهى ترامب لا يريد أن يكون رهينة لإسرائيل، لكن هل سينجح في نيل حريته؟
الوقائع الاخبارية:د. زياد صالح الزبيدي
شهر العسل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهى أسرع مما كان متوقعاً». هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه الكاتب والمحلل الإسرائيلي يوسي فيرتر بعد التوصل إلى إتفاق سلام بين الولايات المتحدة والحوثيين.
وقد حاولت إسرائيل، حتى اللحظة الأخيرة، منع هذا الإتفاق من خلال شن ضربات جوية على مطار صنعاء. لكنها لم تنجح.
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة عن خطتها الخاصة للتعامل مع غزة، حيث تنوي إقامة إدارة تابعة لها بمشاركة «تكنوقراط فلسطينيين». ويعتقد فيرتر أن هذا التطور «وضع نتنياهو في مأزق سياسي، إذ إنه يشير إلى بداية جديدة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط»: فإلى جانب الحوثيين وغزة، هناك أيضاً مفاوضات مع إيران بشأن الإتفاق النووي.
علاوة على ذلك، ترى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن قرار ترامب بإقالة مستشاره للأمن القومي مايكل والتز، كان مدفوعاً بعلاقاته السرية مع نتنياهو، إذ إعتبر الرئيس الأمريكي محاولات الأخير للدفع نحو الحرب مع إيران بمثابة مساعٍ للتلاعب به. ويؤكد المحلل السياسي في القناة 13 الإسرائيلية، رافيف دروكر، أن ترامب «كان يتصرف منذ وقت طويل من وراء ظهر إسرائيل».
وفي هذا السياق، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن «ترامب قرر قطع الإتصالات مع نتنياهو». كما أُلغيَت زيارة وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسث لإسرائيل، بذريعة «إنضمامه إلى وفد الرئيس دونالد ترامب خلال جولته في الشرق الأوسط المقررة في منتصف مايو».
لكن مصادر إسرائيلية تؤكد أن سبب الإلغاء يعود إلى «توصل الولايات المتحدة، من وراء ظهر إسرائيل أيضاً، إلى إتفاق مع حركة حماس بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى».
وبات المحللون يتساءلون الآن: هل نحن أمام «بداية تحول إستراتيجي عميق في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة» أم أن ما يحدث لا يتجاوز كونه خلافات مؤقتة في وجهات النظر حول الوضع الإقليمي؟
ما يبدو واضحاً حتى الآن هو أن نتنياهو، وللمرة الأولى منذ بدء الحرب في غزة، فقد زمام المبادرة والقدرة على التأثير المباشر في القرارات المهمة التي تتخذها الإدارة الأمريكية، وهو ما كان ناجحاً فيه إلى حد كبير في عهد جو بايدن.
ويبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كان نتنياهو سيضطر إلى السير في فلك السياسة الأمريكية، أم أن الطرفين يتجهان نحو القطيعة.
السيناريو الراديكالي، وإن كان غير مرجّح، يشير إلى إحتمال تغيير واشنطن لدورها الوظيفي في المنطقة من خلال توسيع علاقاتها مع قوى إقليمية أخرى، بما في ذلك التعاون العسكري-التقني مع دول مثل السعودية وتركيا وغيرها.
ويرتبط هذا التوجه بقناعة آخذة في التشكل داخل إدارة ترامب، مفادها أن «إسرائيل تسعى لتحويل الولايات المتحدة إلى رهينة لسياساتها»، ما يقيّد قدرة الدبلوماسية الأمريكية على التحرك المستقل في التعامل مع دول المنطقة.
لذا، تطرح الإدارة الأمريكية هدفاً إستراتيجياً جديداً يتمثل في «ترويض إسرائيل وإدماجها في إطار المصالح الأمريكية أو المشتركة»، لأن الروابط الإستراتيجية بين الطرفين، رغم الخلافات الحالية والمنهج غير التقليدي لترامب في معالجة مشاكل المنطقة، لا تزال عميقة جداً بحيث لا تسمح بحدوث قطيعة تامة.
على الأرجح، ستضطر إسرائيل إلى التراجع أو التكيّف مع مطالب ترامب، سواء في ملف غزة أو في علاقاتها مع دول الخليج، وربما حتى مع إيران.
لكن هذا الأمر من شأنه زعزعة إستقرار حكومة نتنياهو، التي ستسعى إلى الحفاظ على مستوى التهديدات في غزة وإفشال الإتفاقيات الأمريكية مع حماس.
هذا العامل يلفت إليه المحلل توماس فريدمان، الذي كتب في صحيفة نيويورك تايمز أنه، «رغم عدم إتفاقي مع العديد من المبادرات التي إتخذها ترامب منذ توليه الرئاسة، فإن الشرق الأوسط يمثل إستثناءً».
ويشرح فريدمان أن جولة ترامب المرتقبة في المنطقة، والتي تشمل السعودية والإمارات وقطر، مع إستثناء إسرائيل منها، تشير إلى أن الرئيس الأمريكي بدأ يدرك حقيقة حيوية: «حكومة نتنياهو تتصرف بطرق تهدد المصالح الحيوية لأمريكا في المنطقة، ولم تعد صديقاً لنا، بل تحاول تصوير الرئيس الأمريكي كأحمق تابع لها».
وفي هذا السياق، أفادت وكالة رويترز بأن «الولايات المتحدة لم تعد تشترط على السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل كشرط للتقدم في المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية».
ومع ذلك، قد تتغير الأمور إذا أقدم نتنياهو على غزو جديد لغزة بهدف «حشر الفلسطينيين في زاوية ضيقة محصورة بين البحر المتوسط والحدود المصرية».
وهذا سيكون بمثابة تحدٍ لترامب، ويؤكد تنبؤ فريدمان بأن «نتنياهو، من خلال خلق فيتنام جديدة على شاطئ المتوسط، لم يعد حليفاً للولايات المتحدة».
وفي هذه الحالة، كما ترجّح صحيفة إسرائيل هيوم، فإن «ترامب سيبدأ التحرك في الشرق الأوسط دون الإعتماد على إسرائيل».
وسنرى ما إذا كانت هذه التوقعات ستتحقق.