نتحصن لكي لا ندفع فواتير التقمّص والانقسام
منذ نحو عامين ، ما زال سؤال "ماذا بعد؟” يلاحقنا، ماذا بعد غزة ، حزب الله ، طهران ، وصولا إلى السويداء ، المنطقة في مرحلة المخاضات الكبرى ، ملامح الولادات القيصرية بدأت تتشكل ، لكن الإجابات لم تحسم حتى الآن، أسوأ ما يمكن أن نفعله هو أن نتلاوم ونتصارع ، والأخطر أن نتقمص المشهد ونخلط الأوراق ، ثم نجلس على مدرجات المتفرجين بانتظار المصير المحتوم الذي ربما يقرره غيرنا بالنيابة عنا.
وعليه، لابد أن نتكاشف ؛ بلدنا الآن وسط النيران ، لا يوجد أي ظهير سياسي يمكن أن نعتمد عليه ، او نستند إليه ، فيما مضى تقمص بعضنا صراعات خارج حدودنا، ودفعنا أثماناً باهظة ، وما نزال ، جراء هذا التقمص، صحيح ، لدينا امتدادات اجتماعية وسياسية تفرض على الدولة أن تشتبك ، سياسيا وأمنياً، مع محيطنا ، كما تفرض على مجتمعنا أن يتفاعل مع الأحداث ويتعاطف مع ضحاياها ويساندهم، لكن لا يجوز أن يتحول هذا التفاعل إلى صراعات داخل المجتمع ، أو أن يشكل عامل ضغط على الدولة للتشويش على خياراتها وقراراتها.
ما حدث في "السويداء "مثلا ، وربما ما قد يحدث لاحقاً في غيرها من أنحاء سوريا ، يهمنا ويؤثر فينا ، ويجب أن نتعامل معه على مسطرة حماية مصالحنا العليا ، الدولة الأردنية تجاوزت -أو هكذا يفترض – دعوات التسمين والتكبير التي روّجت لها بعض التيارات والصالونات السياسية، لا نريد أن نتسمّن ديموغرافياً، أو نتوسع جغرافياً، هذه الوصفات هي أقصر طريق للوقوع في فخ الأدوار المشبوهة ، هدف الأردنيين أن يتحصنوا داخل بلدهم ، ويحافظوا على صلابة جبهتهم الداخلية ، وواجبهم أن يكشفوا الأشباح التي تتحرك بينهم لزرع الثنائيات ، واستدعاء المظلوميات ، وتوظيف المشاعر لتمرير الفواتير السياسية القادمة.
معالم أردنية
لا مصلحة للأردن بالتدخل في أي حرب أو صراع ، ولا مصلحة للأردنيين بتقمص أي دور أو قضية خارج حدودنا ، المرحلة ملغومة ، وأي خطوة غير محسوبة ستكون مكلفة ، ملف اللجوء مهما كانت مصوغاته يجب أن يُغلق ، ملف التيارات السياسية التي تحركها الارتباطات الخارجية يجب أن يحسم نهائيا ، ملف الاستدارة إلى الداخل وترتيب البيت الأردني يجب أن يحظى بالتوافق العام وكل الاهتمام، عنوان هذه المرحلة : أن نكون أردنيين بدون أي مواربة أو إضافة أو إستدراك هو المخرج الوحيد للنجاة والصمود والحفاظ على هوية الدولة وقوتها ، وعلى تماسك المجتمع أيضاً.
أمامنا أيام صعبة، خاصة على صعيد محاولة تصفية القضية الفلسطينية التي تشكل لدى الكيان المحتل غاية الحرب وهدفها ، وعلى صعيد محاولات التقسيم والتفتيت التي تتطابق مع هذا الهدف وتتجاوزه لإخضاع المنطقة كلها ، مبدأ (التحصن ) الذي يجب أن نذهب إليه يستدعي -أولا – إزالة اي التباسات في فهم العلاقة بين الدولة الأردنية وفلسطين ، ليس فقط لأن ذلك من شأنه أن يحمي الأردن وفلسطين ، ويحافظ على هوية الشعبين معا ، وإنما -وهو الأهم- لقطع الطريق على الكيان المحتل الذي يضع على أجندته تصفية القضية الفلسطينية ،وتحميل أعباء هذه التصفيه للأردن.
اكيد ، إزالة الالتباسات والخروج من حالة التقمص تحتاج إلى نقاشات طويلة ، لكن أهم ما يجب أن نتوافق عليه : الأردن هو الأردن وطن للأردنيين ، وفلسطين هي فلسطين وطن للفلسطينين ، لكل شعب منهما هويته ومستقبله الذي يقرره بنفسه.