رئيس مركز الحسين للسرطان د. عاصم منصور يكتب: لماذا نموت؟
الوقائع الإخباري: نشر رئيس مركز الحسين للسرطان، د. عاصم منصور، مقالة تناول فيها قراءة علمية وفلسفية لسؤال يرتبط بوجود الإنسان: لماذا نكبر في السن ونموت؟ مستنداً إلى أطروحات كتاب Why We Die للعالِم فينكي راماكريشنان، الذي يرى أن الشيخوخة والموت ليسا خطأ بيولوجياً، بل نتيجة لمسار تطوري طويل مرّت به الكائنات الحية.
وأوضح د. منصور أن جسم الإنسان يبلغ ذروة قدرته في المراحل الأولى من العمر، قبل أن تبدأ الخلايا تدريجياً بفقدان قدرتها على الإصلاح، ما يسمح بتراكم الطفرات والاختلالات داخل الأنسجة. ومع مرور السنوات تتضرر المادة الوراثية، وتفقد البروتينات استقرارها، وتضعف الخلايا المنتِجة للطاقة، فتظهر أمراض الشيخوخة مثل السرطان وأمراض القلب والزهايمر. وبذلك تصبح الشيخوخة، وفق هذا التصور، عملية قابلة للفهم والقياس وليست لغزاً خارج حدود العلم.
وأشار إلى أن التطور العلمي مكّن الباحثين من إطالة العمر في بعض الكائنات البسيطة عبر التلاعب الجيني أو تعديل الأنظمة الغذائية، إضافة إلى تطوير مركبات دوائية تهدف إلى إبطاء الساعة البيولوجية. لكن الهدف من هذه الأبحاث، كما يوضح، ليس إضافة سنوات من الوهن، بل إطالة سنوات الصحة والاكتفاء، بما يجعل الشيخوخة مرحلة أطول وأكثر جودة.
ويرى د. منصور أن هذا التقدم يفتح الباب أمام أسئلة اجتماعية وأخلاقية معقدة حول العدالة في توزيع تقنيات إطالة العمر، وما إذا كانت ستظل حكراً على الدول الغنية، وتأثيرها على الموارد والبيئة وسوق العمل والعلاقة بين الأجيال. وهي أسئلة تتجاوز المختبرات لتصل إلى صميم البُنى الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الجانب الفلسفي، لفت إلى أن الموت، رغم قسوته، هو ما يمنح الزمن معنى، ويجعل الإنسان يدرك قيمة الإنجاز والسعي. فغياب النهاية يعني غياب الدافع، فيما المعرفة بأن الوقت محدود هي ما يوجه الإنسان نحو الفعل وتقدير ما يملكه.
وفي توسعة البعد الروحي للمسألة، أوضح د. منصور أن النظرة في ديننا الحنيف تمنح الشيخوخة والموت إطاراً أعمق، إذ يحدد الإسلام بوضوح غاية الوجود الإنساني، وهي عبادة الله وعمارة الأرض. وهذا التصور يجعل مسار الحياة ممتداً، لا ينتهي بوفاة الجسد، بل يتصل بمرحلة أخرى من الوجود. ووفق هذا المنظور يصبح الموت انتقالاً طبيعياً وحلقة في سنة التداول بين الأجيال، ويستعيد الزمن معناه باعتباره سلسلة مراحل، لكل منها دورها وحدودها.
وأكد أن هذا الوعي يمنح الإنسان قدرة أكبر على التعامل مع الشيخوخة بعيداً عن الخوف أو الهوس بالهروب من المصير، ويعيد ترتيب الأسئلة الكبرى، بحيث يصبح السؤال الأهم: لماذا نحيا؟ وما القيمة التي نضيفها في الزمن الذي وُهِب لنا؟
وختم د. منصور بالإشارة إلى أن الجمع بين العلم وفهم أعمق للوجود الإنساني يتيح رؤية متوازنة للعمر والموت، ويجعل السعي إلى تحسين جودة الحياة مسعىً منضبطاً بمعنى واضح وغاية أوسع من مجرد إطالة السنين.