راصد: موازنة 2026 الأقل إقرارًا نيابيًا خلال خمس سنوات وتباين واضح في انسجام الكتل
الوقائع الإخباري : في إطار متابعة ومراقبة جلسات مجلس النواب المخصصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026، عمل فريق "راصد” لمراقبة البرلمان على تحليل مجريات النقاشات والخطابات التي قدّمها النواب والنائبات، إضافة إلى رصد وتتبع السلوك التصويتي للبرلمانيين والبرلمانيات عند التصويت على مشروع الموازنة.
وأظهرت نتائج التقرير أن اللجنة المالية عقدت ما مجموعه 104 اجتماعات مع مختلف الجهات الحكومية، وشارك في هذه الاجتماعات 62 نائبًا ونائبة من غير أعضاء اللجنة المالية. كما قدّمت اللجنة 43 توصية شملت 10 قطاعات مختلفة، حيث حاز قطاع السياسة المالية والنقدية النصيب الأكبر من التوصيات بواقع 11 توصية، تلاه قطاعا الاستثمار والمياه والزراعة بخمس توصيات لكل منهما، ثم القطاع السياحي بأربع توصيات. وأشار "راصد” إلى أهمية متابعة هذه التوصيات وتفعيل الأدوات الرقابية والتشريعية المتاحة أمام مجلس النواب لضمان تنفيذها على أرض الواقع.
وقارن فريق راصد نسب إقرار الموازنة خلال السنوات الخمس الماضية، ليتبيّن أن موازنة عام 2026 سجّلت أدنى نسبة إقرار، إذ حصلت على موافقة 62٪ من إجمالي أعضاء مجلس النواب، مقابل 67٪ لموازنة عام 2025، و78٪ لموازنة عام 2024، و75٪ لموازنة عام 2023، فيما بلغت نسبة إقرار موازنة عام 2022 نحو 70٪.
وفيما يتعلق بالسلوك التصويتي، أُقرّت موازنة 2026 بأصوات 62٪ من مجموع النواب والنائبات. وعلى مستوى البرلمانيات، أظهر التقرير أن 15 نائبة صوّتن لصالح إقرار الموازنة، في حين رفضتها 6 نائبات، ولم تكن 4 نائبات حاضرات أثناء عملية التصويت، كما لم يتم احتساب السلوك التصويتي لمساعدتي الرئيس ضمن منهجية التقرير.
أما من حيث انسجام السلوك التصويتي داخل الكتل البرلمانية، فقد بيّنت النتائج أن كتلتي الميثاق وجبهة العمل الإسلامي حققتا نسبة انسجام بلغت 100٪ بين أعضائهما الحاضرين لحظة التصويت، تلتها كتلة مبادرة بنسبة انسجام وصلت إلى 96٪، ثم كتلة عزم بنسبة 95٪، في حين سجلت كتلة اتحاد الأحزاب الوسطية والوطني الإسلامي نسبة انسجام بلغت 83٪، مع الإشارة إلى استثناء مساعدتي رئيس المجلس من احتساب الانسجام.
واستنادًا إلى المنهجية التي طوّرها مركز الحياة – راصد، أظهر التحليل السياسي لخطابات مناقشة الموازنة العامة، والمعتمد على مؤشري الانسجام والتموضع السياسي، وجود تفاوت واضح في مستوى التماسك الداخلي بين الكتل النيابية الخمس. وأشار التحليل إلى أن جبهة العمل الإسلامي وحزب الميثاق الوطني سجّلا أعلى درجات الانسجام وأدنى مستويات التشتت في المواقف، تلاهما كل من عزم ومبادرة، فيما جاءت كتلة اتحاد الأحزاب الوسطية في المرتبة الأخيرة من حيث التماسك الداخلي، ويُعزى ذلك إلى وضوح الهوية السياسية وقوة المرجعية القيادية لكل كتلة، وليس إلى عدد أعضائها أو طبيعة الخطاب المستخدم تحت القبة.
وبيّن التقرير أن جميع الكتل النيابية تتحرك ضمن الإطار الدستوري، إلا أن أنماط الأداء السياسي تختلف فيما بينها؛ إذ تجمع جبهة العمل الإسلامي بين معارضة موالية مؤسسية ونقد حاد مع التزام دستوري، بينما يقدم حزب الميثاق الوطني نموذجًا لإصلاح موالٍ يربط التغيير بالحفاظ على الاستقرار. في المقابل، تعتمد كتلتا عزم ومبادرة خطابًا إصلاحيًا برامجيًا، في حين تتسم كتلة اتحاد الأحزاب الوسطية والوطني الإسلامي بطابع ائتلافي واسع وهوية سياسية أقل وضوحًا.
وأكد التحليل، المبني على مؤشرات كمية ونوعية، أن ارتفاع مستوى الانسجام داخل الكتل يعزز الفاعلية السياسية وقابلية التنبؤ بالأداء البرلماني، ويسهم في ترسيخ دور مجلس النواب كمساحة إصلاح مستقرة، بعيدًا عن الثنائية التقليدية بين الموالاة والمعارضة.
وفيما يخص المحاور الفرعية، أظهر تحليل خطابات النواب، التي توزعت على 87 محورًا فرعيًا، أن 69.05٪ من المتحدثين انتقدوا المديونية العامة، و38.1٪ تناولوا سياسات الاستثمار بالنقد، بينما شدد 77٪ من النواب على ضرورة تطوير الأداء الحكومي في مختلف المجالات. كما طالب 36.5٪ بتمكين الشباب في المشاريع الريادية، و23٪ بتعزيز الحريات العامة، في حين أكد 72٪ من المتحدثين أهمية توفير فرص عمل للحد من معدلات البطالة.
أما طبيعة التوصيات المقدّمة خلال مناقشات موازنة 2026، فقد أظهرت غلبة واضحة للتوصيات ذات الطابع الوطني مقارنة بالمناطقية، إذ بلغ عدد التوصيات الوطنية 634 توصية، ركزت في معظمها على القضايا الاقتصادية والمالية والإصلاحية الشاملة، وتصدر المحور الاقتصادي بنسبة 48.6٪، تلاه محور التحديث الإداري ومكافحة الفساد بنسبة 19.6٪، ثم القطاع الاجتماعي بنسبة 13.6٪، والعمل والتشغيل بنسبة 8.8٪.
في المقابل، بلغ عدد التوصيات المناطقية 294 توصية، تركزت بشكل رئيسي في محور التنمية والخدمات بنسبة 43.5٪، ثم المحور الاقتصادي بنسبة 25.9٪، يليه محور العمل والتشغيل بنسبة 9.5٪، ثم قطاع الإدارة المحلية بنسبة 8.2٪، فالقطاع الاجتماعي بنسبة 5.8٪.
وبمقارنة هذه النتائج مع توصيات مناقشات موازنة عام 2025، التي بلغ عددها 476 توصية توزعت بين 54٪ وطنية و46٪ مناطقية، يتضح حدوث ارتفاع ملحوظ في عدد التوصيات الوطنية خلال موازنة 2026، مقابل استمرار الحضور القوي للتوصيات المناطقية. ويعكس ذلك توسع الخطاب البرلماني نحو القضايا الوطنية والإصلاحات الاقتصادية والإدارية الشاملة، إلى جانب استمرار التركيز على القضايا الخدمية والتنموية والصحية والتعليمية في المحافظات.
وأشار التقرير إلى أن هذا التحول النسبي يعكس تطورًا في مقاربة النواب لمناقشة الموازنة، يجمع بين المطالبة بإصلاحات وطنية واسعة والاستجابة لاحتياجات المواطنين اليومية في مختلف المناطق، مع بقاء التحدي الأساسي متمثلًا في تحويل هذه التوصيات إلى سياسات تنفيذية ملموسة وأثر تنموي حقيقي.
يُذكر أن 126 نائبًا شاركوا في مناقشات الموازنة على مدار أربعة أيام، من بينهم خمسة نواب تحدثوا باسم كتلهم البرلمانية، حيث بلغت نسبة المتحدثين من كتلة اتحاد الأحزاب الوسطية والوطني الإسلامي 96٪، ومن كتلة عزم 95٪، ومن كتلة جبهة العمل الإسلامي 94٪، ثم كتلة مبادرة بنسبة 87٪، وكتلة الميثاق بنسبة 86٪.