هل يستمر زخم الاقتصاد الأردني في 2026؟
الوقائع الإخباري : مع اقتراب العام الحالي من نهايته، وفي ظل الأداء اللافت الذي سجله الاقتصاد الوطني مقارنة بالسنوات الماضية، تتزايد التساؤلات حول قدرة هذا النشاط الاقتصادي على الاستمرار خلال العام المقبل، وما يتطلبه ذلك من سياسات وإجراءات فاعلة، خاصة في ضوء التحديات المتوقعة التي قد تواجه الاقتصاد الأردني في عام 2026.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الاقتصاد الوطني يتمتع بقاعدة صلبة تمنحه فرصة حقيقية للحفاظ على زخمه خلال عام 2026، مستندا إلى تحسن ملموس في مؤشرات النمو والاستثمار. وأوضحوا أن الأداء الاقتصادي في عام 2025 شكل محطة تحول مهمة، انعكست في معدلات نمو أفضل، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي، وتحسن الصادرات والدخل السياحي، إضافة إلى قوة الاحتياطيات الأجنبية وقدرة الحكومة على ضبط عجز الموازنة رغم الضغوط الإقليمية، ما عزز الثقة بقدرة الاقتصاد الأردني على مواصلة مسار نمو مستدام.
وفي المقابل، شدد الخبراء على أن استدامة هذا الزخم تبقى مرهونة بمعالجة التحديات الهيكلية المزمنة، وعلى رأسها ارتفاع معدلات البطالة وضعف نمو الدخل الحقيقي، محذرين من أن تجاهل هذه الملفات قد يحول دون ترجمة التحسن في المؤشرات الاقتصادية إلى مكاسب معيشية ملموسة للمواطنين.
ودعوا إلى الإسراع في تنفيذ المشاريع الرأسمالية والمشاريع الكبرى المعلنة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الأعمال، إلى جانب استثمار التطورات الإقليمية الإيجابية بما يخدم الاقتصاد الوطني.
أداء الاقتصاد في 2025
وشهدت المؤشرات الاقتصادية منذ مطلع عام 2025 تحسنا واضحا في أدائها، ما يعكس حالة من الديناميكية والزخم في الاقتصاد الأردني. إذ سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بنسبة 2.8 % خلال الربع الثاني من العام، مقارنة بـ2.4 % للفترة ذاتها من عام 2024.
كما ارتفع الدخل السياحي بنسبة 7 % خلال الأحد عشر شهرا الأولى من 2025 ليصل إلى نحو 7.16 مليار دولار، فيما سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر نموا بنسبة 36.4 % خلال النصف الأول من العام ليبلغ قرابة 1.05 مليار دولار. وارتفعت الصادرات الكلية بنسبة 8.9 %، بينما تجاوزت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي مستوى 24.6 مليار دولار حتى نهاية تشرين الثاني. كذلك زادت تحويلات العاملين الأردنيين في الخارج بنسبة 4.1 % خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام لتصل إلى نحو 3.3 مليار دولار.
وعلى صعيد المالية العامة، نجحت الحكومة في احتواء عجز الموازنة العامة، رغم التحديات الإقليمية، عند المستوى المقدر لعام 2025 والبالغ نحو 5.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، مع الحفاظ على العجز الأولي عند حدود 1.9 %.
نقلة نوعية في الأداء الاقتصادي
ويرى المدير العام لجمعية رجال الأعمال الأردنيين طارق حجازي أن الاقتصاد الوطني حقق خلال العام الحالي نقلة نوعية في مسار التنمية والتقدم الاقتصادي، مدعوما بحزمة من الإصلاحات الهيكلية والسياسات الاقتصادية الفاعلة، مسجلا نموا بنسبة 2.8 %، أي بزيادة نسبية تقارب 17 % مقارنة بالعام الماضي.
وأشار حجازي إلى أن مختلف المؤشرات الاقتصادية أظهرت تحسنا ملحوظا، ما يعكس قدرة الأردن على مواجهة التحديات وتحقيق نمو مستدام، مؤكدا أن الاقتصاد الأردني يمتلك مقومات قوية لدعم استمرار هذا الأداء الإيجابي.
وفي الوقت نفسه، لفت إلى وجود عوامل قد تؤثر سلبا على استمرار الزخم، من بينها الضغوط التضخمية العالمية، وتقلب أسعار الطاقة، والتحديات الإقليمية التي قد تنعكس على التجارة والاستثمار والسياحة، مشددا على ضرورة اتباع سياسات مرنة ومراقبة التطورات الاقتصادية عن كثب. كما أكد أهمية مواصلة الإصلاحات، وتطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال لتعزيز القدرة على النمو المستدام.
وأشار إلى الدور المحوري للقطاع الخاص في رفع الإنتاجية وتوفير فرص العمل، مؤكدا أن الشراكة الفاعلة بين القطاعين العام والخاص تمثل ركيزة أساسية للحفاظ على النشاط الاقتصادي. وبيّن أن استمرار الزخم الاقتصادي يعزز ثقة المستثمرين، ويدعم سوق العمل، ويحسن مستوى معيشة المواطنين، كما يعكس قدرة الاقتصاد الأردني على تحقيق نمو مستدام في المدى القريب.
2026.. فرصة اقتصادية إذا أُحسن استثمارها
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي منير دية أن فرص حفاظ الاقتصاد الوطني على زخمه خلال العام المقبل ما تزال قوية، في ظل التحسن الملحوظ في معظم المؤشرات منذ بداية 2025. وأوضح أن الحفاظ على هذا الزخم يتطلب جهدا حكوميا متواصلا، خاصة مع انطلاق المشاريع الرأسمالية المدرجة في موازنة 2026، والمقدرة بنحو 1.6 مليار دولار.
وأشار إلى أن الاستمرار في تنفيذ المشاريع الكبرى التي أعلنتها الحكومة خلال العامين الماضيين، مثل مشروع الناقل الوطني للمياه، وسكك الحديد، ومدينة عمان الجديدة، واستثمار الغاز من حقل الريشة، يشكل عاملا حاسما في تعزيز ثقة المستثمرين، شريطة الانتقال من مرحلة الإعلان إلى التنفيذ الفعلي وتأمين التمويل اللازم.
وفي المقابل، حذر دية من تحديات قد تعيق استدامة الزخم، أبرزها استمرار ارتفاع البطالة وضعف نمو الدخل الحقيقي للمواطن، الذي لم يتجاوز 1 % منذ عام 2023، مؤكدا أن تحقيق أثر ملموس على مستوى المعيشة يتطلب رفع نمو الدخل الحقيقي إلى أكثر من 3 %، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي.
كما شدد على أهمية استثمار المتغيرات الإقليمية، لا سيما رفع العقوبات عن سورية وإلغاء قانون قيصر، عبر تعزيز جاهزية الموانئ والمطارات الأردنية والمشاركة الفاعلة في مشاريع إعادة الإعمار، بما ينعكس إيجابا على مختلف القطاعات. واعتبر أن أي تهدئة مستدامة في المنطقة ستفتح المجال أمام انتعاش السياحة وزيادة الاستثمارات، ما يستدعي تكثيف الجهود لتسويق الأردن كوجهة آمنة وجاذبة.
عوامل داعمة وتحديات قائمة
بدوره، قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن المؤشرات تؤكد أن الاقتصاد الأردني مرشح للحفاظ على زخمه في 2026، مع فرص جيدة للنمو المستدام إذا استمرت الإصلاحات والعوامل الإيجابية. ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 2.9 % في 2026، مدعوما بمشاريع استثمارية كبرى وتعميق التكامل الإقليمي واستمرار الإصلاحات الهيكلية.
وأشار المخامرة إلى وجود عوامل إيجابية عدة، من بينها التفاؤل الشعبي والاستثماري، إذ تظهر استطلاعات رأي أن ثلاثة من كل خمسة أردنيين يتوقعون اقتصادا أقوى في 2026، إضافة إلى اعتماد موازنة 2026 على النمو والاستقرار المالي، مع إنفاق رأسمالي يقدر بنحو 1.6 مليار دينار، منها 400 مليون دينار لمشاريع رؤية التحديث الاقتصادي، فضلا عن التوقعات الإيجابية من وكالات التصنيف الدولية.
ومع ذلك، حذر من تحديات قد تحد من هذا الزخم، أبرزها التوترات الإقليمية والمشكلات الاقتصادية الداخلية، وعلى رأسها البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع القوة الشرائية، إضافة إلى الضغوط المرتبطة بارتفاع الدين العام.
الطريق إلى زخم مستدام في 2026
وأكد المخامرة أن الحفاظ على الزخم الاقتصادي يتطلب جهودا متكاملة في السياسات الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، من خلال تسريع تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز المنافسة، وزيادة مرونة سوق العمل لمعالجة بطالة الشباب وتدني مشاركة النساء، إلى جانب جذب الاستثمارات الخاصة، وتطوير قطاع خاص موجه نحو التصدير، مع الحفاظ على شبكة أمان اجتماعي قوية لحماية الفئات الأكثر تأثرا.