مصر: صالة رياضة ضيقة تنسج أحلاما لفتيات في منافسات المصارعة الأولمبية
الوقائع الإخباري :داخل صالة رياضية ضيقة تزيد بالكاد على حجم غرفة معيشة بناد صغير في مدينة المنصورة بدلتا النيل، تتصارع فتيات ويسقطن ثم ينهضن من جديد على بساط مهترئ بينما يتردد صدى ضحكاتهن وصيحاتهن على الجدران ذات الطلاء المتقشر.
وبينما تحتفي مصر بحصد ميداليات في منافسات المصارعة ورفع الأثقال ورياضات أخرى في دورات الألعاب الأولمبية، يتدرب آلاف الرياضيين الصغار خارج العاصمة ويحلمون بالمجد في أندية صغيرة مثل نادي الشال والمنشية في المنصورة، على بعد 135 كيلومترا من القاهرة، وبعيدا عن المراكز الرياضية الكبرى.
وأنجب النادي أبطالا على مستوى البلاد في المصارعة والجودو، ومن المقرر أن تمثل إحدى نجماته مصر في دورة الألعاب الأولمبية للشباب المقبلة.
وتتحقق هذه الإنجازات رغم نقص التمويل الحاد وتقادم الأجهزة الرياضية وغياب الدعم الحكومي المنتظم.
وبينما زاد عدد سكان مصر بما يقرب من الثلث من 2011 إلى 2023، أظهرت بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء انخفاض عدد الأندية الرياضية بأكثر من أربعة بالمئة.
ومعظم الأندية تُدار بشكل خاص لكن الموارد تظل محدودة.
وقال المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة محمد الشاذلي إن مصر تقدم دعما ماليا وعينيا كاملا وشاملا للأندية، لكنها تفعل ذلك وفقا للموارد المتاحة وخطط الوزارة، ويجري توجيه الدعم عبر اتحاد كل لعبة.
لكن الاتحادات غالبا ما تضطر إلى توجيه هذا التمويل للمنتخبات الوطنية فقط.
وقال إبراهيم مصطفى السكرتير العام للاتحاد المصري للمصارعة إنه إذا كان هناك ألف لاعب مثلا، فإن الاتحاد يختار أفضل عشرة لاعبين لدعمهم لأنهم يمثلون مصر.
وأضاف أنه يتعين على الأندية أن تمول بنفسها المعدات والتدريب لبقية اللاعبين.
وهذا ما يجعل أندية مثل الشال والمنشية تصنع المعجزات.
وقال المدرب محمود الوفائي الذي لا يتقاضى أجرا ويدرب الفتيات بدافع مما يسميه حب الرياضة "(نادي الشال والمنشية) قليل الإمكانيات كثير الإنجازات".
وأضاف: "صالة (مساحتها) ثلاثة أمتار ونصف في ثلاثة أمتار ونصف... يعني من رابع المستحيلات تطلع بطل، ومع ذلك بتطلع أبطال".
ويمثل نادي الشال والمنشية صورة مصغرة لمشكلات جوهرية أوسع في أنحاء مصر. وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنه في العديد من المحافظات، توظف الأندية الحكومية عددا من الإداريين يفوق بكثير عدد المدربين.
ومع ذلك، تقول رودينا أحمد جمال (15 عاما) الحاصلة على ذهبية بطولة الجمهورية والمتأهلة لدورة الألعاب الأولمبية للشباب 2026 في داكار، إنها تفضل التدريب في نادي الشال والمنشية على أندية أكبر يمكنها الوصول إليها.
وقالت رودينا "بنكون عشرين نفر في صالة صغيرة هنا، فتحسي إن إحنا كلنا خايفين على بعض".
وقالت والدتها رشا محمود إن النادي يوفر المكان والمدرب، لكن الأسر تتحمل عبئا كبيرا في تغطية معظم التكاليف الأخرى.
وأضافت أن رودينا تخوض ثلاث بطولات في شهر واحد أحيانا، مما يعني ثلاث عمليات تسجيل ومثلها للوزن وكذلك ثلاث إقامات، مع تحملها تكاليف ذلك كله.
وبالنسبة للاعبات الأكبر مثل نادية حازم محمود (20 عاما)، التي تدرس الآن في عامها الجامعي الثاني، فإن العوائق اجتماعية أيضا.
وقالت: "كتير أوي مش عايزيني ألعب (مصارعة)، مش شبهك؟ إزاي (كيف) بنت تلعب مصارعة؟ إزاي؟ بس أنا حباها... أنا واخداها هواية، فحبتها، ولما حسيت إن أنا بعمل فيها إنجازات، خلاص، أنا حبيت اللعبة".
وقالت رشا والدة اللاعبة رودينا إن القوة التي تكتسبها الفتيات من الرياضة تساعدهن على حماية أنفسهن نفسيا وبدنيا.
وقال الوفائي إن نجاح رودينا ساعد في جذب فتيات أصغر سنا، ما أسس قاعدة تضم حوالي 12 متدربة دون سن 12 عاما، ووفر متنفسا إيجابيا في منطقتهن منخفضة الدخل.
وأرسلت مصر 148 رياضيا إلى دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 2024، وفازت بثلاث ميداليات في الخماسي الحديث والمبارزة ورفع الأثقال.
لكن في المنصورة، وبعيدا عن أجواء دورات الألعاب الأولمبية، يظل مستقبل الرياضة النسائية معتمدا على أندية مثل الشال والمنشية.
وقالت رودينا عن النادي: "هو أنا بدأت بيه، فحابة أنهي بيه. أني أخرج منه وأقول إن أنا عملت ميدالية، جبت ميدالية إفريقيا من نادي الشال والمنشية".