{clean_title}

غزة: البيوت الآيلة للانهيار… قبور مفتوحة

الوقائع الإخباري :بعد تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو 70% من القطاع السكني في قطاع غزة، يضطر آلاف المواطنين إلى العودة للسكن في منازل متضررة وآيلة للانهيار، في ظل غياب البدائل، رغم تسجيل حالات استشهاد نتيجة انهيار منازل، وتحذيرات متواصلة من جهات رسمية ومختصين.

في مخيم المغازي وسط القطاع، عاد الفلسطيني جمال عيد (72 عاماً) إلى منزله المتضرر بعد أكثر من رحلة نزوح قسري خلال العامين الماضيين، وقرر اتخاذه مسكناً رغم علمه الكامل بخطورته.

ويصف عيد منزله بأنه مليء بالمخاطر؛ إذ وجد أعمدة باطون معلّقة وأخرى متقوّسة، وفتحات في الأسقف، وجدراناً متشققة ومتهالكة، إضافة إلى أجزاء آيلة للانهيار في الطابقين الأول والثاني.

ورغم ذلك، قرر البقاء فيه مع من تبقى من أبنائه وأحفاده، بعد أن استشهد سبعة من أفراد عائلته في استهدافين منفصلين لمنزله وبيت العائلة في 28 كانون الأول/ديسمبر 2023 و14 آب/أغسطس 2024.

ويقول عيد: "بعد تجربة النزوح القاسية، وما شاهدته من ذل وقسوة في حياة الخيام، قررت ألا أعود إليها"، موضحاً أنه لا يملك القدرة على استئجار مأوى، كونه متقاعداً بلا دخل، وقد استهلك مدخراته خلال عامي الحرب.

وأضاف، أنه يدرك خطر انهيار المنزل، لكنه حاول اتخاذ ما أمكن من احتياطات، مشيراً إلى أنه استشار مهندسين حذروه من السكن فيه، ما دفعه إلى استخدام نحو 40 دعامة حديدية لإسناد الأعمدة والأسقف، وهي إجراءات تخفف الخطر لكنها لا تمنعه كلياً.

من جهته، قال المهندس الإنشائي كمال مطر إن انهيار المباني يعود إلى عدة أسباب، أبرزها تدمير أعمدة رئيسية في المبنى، ما يؤدي إلى خلل في توزيع الأحمال، وبالتالي يصبح الانهيار أمراً متوقعاً.

وأضاف مطر، في حديثه لـ"وفا"، أن اختلال الأوزان يجعل المبنى مهدداً بالسقوط لأي سبب، سواء بسبب اهتزازات ناتجة عن قصف مجاور، أو تغيّر خصائص التربة مع ارتفاع نسبة الرطوبة في الشتاء، أو حتى بفعل الرياح القوية. واصفاً هذه البيوت بأنها "أشبه بمقابر جماعية"، ومشدداً على ضرورة عدم اللجوء إليها دون استشارة مختصين.

وخلال المنخفضين الجويين اللذين ضربا القطاع هذا الشتاء استشهد 19 مواطناً، بينهم نساء وأطفال، جراء انهيار منازلهم.
وخلال حديث المواطن جمال عيد مع مراسل "وفا"، دوّى انفجار ناتج عن غارة جوية شرق مخيم المغازي، ما أدى إلى اهتزاز المنزل، ليعلّق قائلاً: "هذه أحد المخاطر التي نعيشها".

ويقطن المنزل حالياً عشرة أفراد، بينهم عيد وزوجته في الطابق الأول، فيما تقيم بقية العائلة في الطابقين الثالث والرابع، بينما يبقى الطابق الثاني فارغاً وغير صالح للسكن. ويغطي عيد الطابق الأول بألواح خشبية وشوادر بلاستيكية، تتسرب من خلالها مياه الأمطار، وتزيد الرياح من قسوة البرد، في ظل درجات حرارة وصلت إلى 10 درجات مئوية.

وفي حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، انهار منزل مأهول يعود لعائلة لبد، ما أدى إلى استشهاد خمسة مواطنين، بينهم امرأتان وطفل، في العشرين من كانون الأول/ديسمبر الجاري.

وقال محمد لبد، أحد أقارب العائلة، إن نحو 20 شخصاً كانوا داخل المنزل لحظة انهياره، استشهد خمسة منهم، فيما تمكن الآخرون من النجاة أو جرى إنقاذهم من تحت الركام.

وأشار إلى أن المنزل كان قد تعرض لدمار كبير سابقاً، مرجحاً أن يكون ذلك نتيجة قصف بالصواريخ أو تفجير مدرعات مفخخة استخدمها الاحتلال خلال هجومه الأخير على غزة.

وقال رامز الدلو، أحد الجيران وشاهد عيان، إنه سمع صوت انفجار قوي، أعقبه تناثر الحجارة وامتلاء الشوارع بالغبار، ليكتشف لاحقاً انهيار منزل عائلة لبد المؤلف من أربعة طوابق فوق ساكنيه.

وأضاف أن المنزل كان متضرراً سابقاً، وعاد سكانه إليه لعدم توفر بديل، قبل أن ينهار عليهم، مؤكداً أن متطوعين وجيران تمكنوا من إنقاذ عدد من العالقين، فيما استشهد خمسة مواطنين.

وأشار الدلو إلى أن المنطقة تعرضت لعمليات نسف واسعة باستخدام المدرعات المفخخة خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير، ما أدى إلى تدمير عدد كبير من المنازل، موضحاً أن عائلته، كغيرها، تضطر أيضاً للسكن في منزل متضرر.

وأفادت مصادر في طواقم الإنقاذ، بأن 18 بناية سكنية انهارت بشكل كامل، فيما تعرض 110 مبانٍ لانهيارات جزئية منذ بداية المنخفضات الجوية خلال الشهر الجاري.

وفي سياق متصل، أعلنت اليابان وعدة دول أوروبية، أمس الثلاثاء، أن نحو 1.3 مليون شخص في غزة بحاجة ماسة إلى إيواء عاجل. وجاء في بيان مشترك لوزراء خارجية كندا، والدنمارك، وفنلندا، وفرنسا، وأيسلندا، واليابان، والنرويج، والسويد، وسويسرا، وبريطانيا، أن المدنيين في غزة يواجهون ظروفاً إنسانية قاسية في ظل الأمطار الغزيرة وانخفاض درجات الحرارة، مع استمرار الحاجة الماسة إلى دعم إيوائي.

وكانت قوات الاحتلال قد شنت عدوانا واسعا على مدينة غزة وشمالها مطلع أيلول/سبتمبر الماضي، استخدمت خلاله المدرعات المفخخة على نطاق واسع، وفق شهود عيان، وذلك ضمن العدوان المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، الذي أسفر عن استشهاد أكثر من 70 ألف مواطن، وتدمير البنية التحتية وأكثر من نصف مليون وحدة سكنية، أي ما يعادل 70% من المساكن، بحسب إحصاءات وزارة الإسكان الفلسطينية. وفا