الحكومة بين فكي كماشة.. التخلص من إدمان المساعدات يعيقه تواضع الإنتاج

الحكومة بين فكي كماشة.. التخلص من إدمان المساعدات يعيقه تواضع الإنتاج
الوقائع الإخبارية: أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي” هكذا يقول المثل المعروف، وهذا ما ألمح إليه رئيس الوزراء د.عمر الرزاز أخيرا عندما أشار إلى أن وقت الاعتماد على الذات قد حان لأن زمن المساعدات والمنح دون مقابل قد انتهى. ما يطمح إليه الرزاز يبدو برأي خبراء "ضربا من الخيال” لأن "الاعتماد على الذات” يتطلب توفر مجموعة من الظروف والمعطيات الاقتصادية التي كانت موجودة في السابق فيما يؤكد الخبراء أن على الحكومة توفير هذه الظروف قبل أن تتحدث عن هذا المفهوم. كما أن عجز الموازنة البالغ (567 مليون دينار) من جهة وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى (2 %) من الجهة الأخرى يجعل اللجوء للمساعدات أمرا لا مفر منه في الوقت الحالي،بحسب الخبراء الذين دعوا إلى ضرورة توفير قواعد "دولة الانتاج” حتى يتعدى الأمر إطار التنظير. ويذكر الخبراء أنهم طالما نادوا بضرورة الاعتماد على الذات قبل فوات الأوان والغرق بوحل الديون والفوائد وانكماش الاقتصاد وتدني الاستثمار. لكن ثمة خبراء يعتقدون أن تحقيق الأمر ما يزال ممكنا ، بل هو خيار إجباري لأن تراجع النمو الاقتصادي على مستوى العالم في كثير من البلدان المانحة يحتم ضرورة البدء بسياسات الاعتماد على الذات بعيدا عن المساعدات. ويؤكد البعض أن "استراتيجية الخروج Exit strategy ” من الاعتماد على المساعدات كان يجب أن تطبّق قبل اليوم بعشرات السنوات. وبين وجهتي النظر تبقى الحكومة بين فكي كماشة، فحال الاقتصاد الذي وصل إليه الأردن اليوم بفعل السياسات الحكومية المتراكمة لا يسمح للحكومة ،التي لم يختلف نهجها عن سابقاتها، بالتخلي عن المساعدات في الوقت الحالي بينما الدول المانحة لم تعد مستعدة للإعطاء دونما مقابل سياسي أو اقتصادي. يشار هنا الى أنّ حجم المساعدات التي تم التوقيع عليها حتى نهاية نيسان (إبريل) 2019 – وهي آخر أرقام مصرّح بها – بلغ حوالي 183 مليون دولار فيما أنّه ما يزال تمويل خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية منذ بداية العام وحتى اول من أمس ضعيفا حيث لم يتجاوز الـ 8.15 % من حاجة المملكة للعام الحالي والتي قدرت بـ2.400 مليون دولار، حيث بلغ حجم التمويل الدولي للخطة بحوالي 195.5 مليون دولار فقط. كما بلغت المنح الخارجية خلال النصف الأول من العام 2019 ما مقداره 103 ملايين دينار مقابل 78.4 مليون دينار خلال نفس الفترة من العام 2018 أي بارتفاع بلغ حوالي 24.6 مليون دينار أو ما نسبته 31.4 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وكان رئيس الوزراء د.عمر الرزاز قد صرّح خلال المنتدى الاقتصادي الأردني أنّ” زمن المساعدات والمنح من دون مقابل قد انتهى” وأنّ ” الأشهر المتبقية من 2019 ستكون حافلة بقرارات تعزز الاعتماد على الذات”. وبدا نائب رئيس الوزراء الاسبق د.جواد العناني متفقا مع تصريحات الرزاز وأكد ضرورة التنبيه الى هذه السياسة، إذ يرى أنّ تراجع الاقتصادات العالمية، ووضع الدول الاقتصادي يجعلان من هذا التوجه "منطقيا”، قائلا "سياسة الاعتماد على المساعدات دون مقابل باتت تتضاءل وتنحسر في ظل هذا الوضع ولا بدّ من التوجه نحو البدائل”. ويقر العناني بضرورة التوجه والبدء بتطبيق نموذج "الاعتماد على الذات” والخروج من النموذج "الريعي” المعتمد، لكنّ هذا التحوّل لا بدّ أن يصاحبه مسؤولية من قبل الحكومات لضبط الانفاق ومسؤولية من قبل المواطن لدفع الضرائب ليكون هذا الانتقال "الصعب” أسهل وأكثر سلاسة. وأكد ضرورة التخطيط لهذا وتطبيق هذه الخطة على أرض الواقع وبشكل تدريجي وممنهج، محذرا من أنّ عدم التخطيط لهذا سيكون له ثمن صعب وحتى المساعدات سيكون ثمنها باهظا على الأردن سياسيا واقتصاديا، خصوصا أنّ الوقت الحالي يصعب فيه الاستغناء عن المساعدات في ظل الوضع الاقتصادي الصعب. وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر المدادحة أشار الى أنّ "عدم الاعتماد على المساعدات الخارجية” "ضرب من الخيال” حاليا في ظل حاجة الأردن الى هذه المساعدات التي زادت مع ارتفاع عجز الموازنة وتواضع النمو الاقتصادي وغيرها من المؤشرات الاقتصادية وفي ظل الوضع الاقليمي الذي انعكس على الأردن. وقال المدادحة "عدم الاعتماد على المساعدات أو ما أسماها "استراتيجية الخروج Exit strategy كان لا بدّ أن تطبق بداية 2002 قبل الازمات التي لحقت بالاقتصاد الأردني، حيث كان من المخطط تقليص الفجوة التمويلية والاعتماد على المساعدات الخارجية ليكون في أدنى مستوياته” إلّا أنّ التطبيق الفعلي للسياسات شهد عكس ذلك تماما حيث توسع الانفاق العام وتوسع اللجوء على المساعدات الخارجية لتغطية عجز الموازنة. وأكد ضرورة التوجه مستقبلا الى تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجية التي عادة ما تكون مرهونة بشروط المانحين وتؤثر على قراراتنا وسياساتنا الاقتصادية. الخبير الاقتصادي زيان زوانة بدا أيضا متشائما ويرى أنّ "الحكومة اليوم تتكلّم كما لو أنّها الشعب، في حين أنّها لا تعمل كما لو أنّها حكومة” مشيرا الى أنّ الاقتصاد اليوم "متورط” ومطالب بكثير من الاجراءات وتنفيذ الالتزامات، خصوصا أن بعثة صندوق النقد الدولي من المتوقع أن تزور الأردن منتصف الشهر الحالي لتعيد تقييم الوضع الاقتصادي. ووصف زوانة عبارة "عدم الاعتماد على المساعدات والمنح في الوقت الحالي” حالة حالمة لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، متسائلا "كيف استعدّت الحكومة قبل الاستغناء عن المساعدات؟”.

تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير