جرش أردنية

جرش أردنية
خوله العرموطي
منذ أكثر من 15 عاماً وأنا أتوقع أن ينعكس ما يعانيه سكان مخيم جرش على الأردن وسمعته، ولطالما حاولت التذكير بمسؤولياتنا كدولة في هذه الرقعة بالذات ولكن لا أحد يستجيب إلا الديوان الملكي، وبإيعازات متكررة من جلالة الملك، وها نحن جميعاً ندفع الثمن بجريمة الطعن الأسبوع الماضي. لا أريد تبرير العنف طبعاً، ولكن الحادث أبرز لنا كيف ان الجدل الذي ظهر وما اذا كان الفاعل أردنيا أم غزاويّا، هو جدل عقيم، فالرقعة التي يعيش عليها سكان مخيم جرش، أردنية. مخيم جرش أو مخيم غزة هو أحد أكثر الأماكن بؤساً في الأردن، وباعتباره مخيما للاجئين الفلسطينيين، تترك حكوماتنا المتعاقبة عبء معوناته على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (اونروا) منذ إنشائه، دون ان تنتبه الى الخطر الذي ينمو بداخله على شكل فقر وجهل وجوع ومرض. والعناصر الأربعة المذكورة، كما نعلم جميعا، وصفة سحرية للعنف والكره والإرهاب.
جولة قصيرة في المخيم، تكشف عن طرق ضيقة جدا تفوح منها الروائح الكريهة التي اساسها رائحة الصرف الصحي الذي لا يزال بلا أي شبكة تبعد مضاره عن السكان، بالإضافة الى رائحة البيوت المتعفنة والتي تأكلها الرطوبة وتتسبب بالأمراض المزمنة لأبناء المخيم. أهالي المخيم يحلمون بـ «شبكة صرف صحي صحية»، وهو حلمٌ لا يجد إلا وعوداً لا تنفّذ، ومبادرات فردية لا تشكل أي فرق حقيقي. وحسب إحصاءات الأونروا فإن 3 من كل أربعة بيوت في المخيم، غير صالحة للسكن، وأسقف الزنك المنتشرة بكثرة في منازل المخيم، تتسبب بالسرطان. لقد تابعت خلال زياراتي المتكررة للمخيم، كيف تستفحل الأمراض الرئوية، وتتطلب الكثير من العلاج الذي لا تستطيع العائلات تأمينه. ويعاني الأطفال من «لعنة المخيم»! الأطفال حالتهم صعبة وشرحها يطول، فهم بين المرض وضعف التعليم والتنمر والعنف ضدهم، إذ تبعد بعض المدارس عن المخيم مسافة تزيد على كيلوميترين، وهو ما عرّض بعهم لاعتداءات وتحرشات وقصص يندى لها الجبين. بينما الشباب يحلمون بأن يحصلوا على معاملة العامل الوافد في الأجور، مستشهدين بأنهم يعملون الى جانب الوافدين في مواسم قطاف الزيتون فيحصلون على نصف ما يحصل عليه عامل عربي أو اجنبي. كل هذا هو غيض من فيض مما يعانيه المخيم، وكثير من حكوماتنا المتعاقبة تتركه يلاقي مصيره مكتفية بجهود وكالة الغوث التي باتت اليوم تحتاج فعلاً لمن يغيثها، ليبقى السؤال ماذا عن أبناء المخيم؟ ماذا عن العائلات التي ترى الظلم بعينيها وتعايش المرض؟ وماذا عن أطفال يختفي طيف مستقبلهم من أمامهم؟. بعد الجريمة الأخيرة، بات لزاماً علينا أن ننظر للمخيم كاستثمار استراتيجي في مستقبل شباب واعد قد يتحول إلى طاقة منتجة بمجرد فتح الباب امامه، وألا نكتفي بجهود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، التي لم يكتفِ بها جلالة الملك حين أوعز بمشروع تنموي هناك وملعب لكرة القدم. تقرير حالة البلاد الذي يعكف عليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيسه المخضرم الدكتور مصطفى حمارنة، لفت سابقاً ويستمر لضرورة إيجاد مشاريع ينصب الجهد ويتنسق بداخلها بين القطاع الخاص والعام والمتبرعين، ومخيم جرش ليس استثناءً، بل على العكس قد يكون اليوم أولوية اقتصادية واجتماعية، تحوّل بؤرة للمرض والقهر إلى نموذجٍ ناجح لمستقبل أفضل. بات علينا أن نفكّر في بلادنا كاستثمار استراتيجي، والمخيم كذلك، فالاستثمار التكتيكي انقضى وقته.
تابعوا الوقائع على