الدليل السياحي بين مطرقة كورونا وطبيعة المهنة

الدليل السياحي بين مطرقة كورونا وطبيعة المهنة
الدكتور محمد ابو حجيلة
تطرقَ رئيس الوزراء مشكوراً في حديثه يوم الأربعاء الثامن من شهر نيسان إلى قطاع الادلاء السياحيين بعد قرابة الشهر على بداية الأزمة، في إشارة منه الي وقوع الضرر طويل الأمد على هذه الفئة التي تشكل عمادة رئيسية من أعمدة القطاع السياحي وإحدى المهن الخمسة التي ترعاها وزارة السياحة، حيث ان هنالك خمسة قطاعات رئيسية ترعاها وزارة السياحة وهي: المكاتب السياحية، المطاعم السياحية، قطاع الفنادق، قطاع الحرف اليدوية، وموضوع حديثنا هنا قطاع الادلاء السياحيين، وهم بذلك يشكلون مجتمعون جزءاً كبيراً من شركاء العمل بهذا القطاع الحيوي الذي يرفد الدولة قرابة 15.8% من الناتج القومي المحلي.
يمتاز المنتج السياحي بأنه نتاجَ تعاون العديد من شركاء العمل، سواء من القطاع الخاص ممن ذكرت انفاً او من القطاع الحكومي، وهو ما يجعل المنتج السياحي عالي الحساسية لأي خلل او ضعف في الخدمة من قبل مزودي الخدمات في القطاع فيما يعرف ب (Service Delivery Process) وهو الخلل الذي قد يظهر أثناء فترة التجربة السياحية التي يعيشها السائح وهي المرحلة التي تسمى علميا(Experiencing the destination) ، وذلك عندما نتحدث عن مراحل الرحلة التي يقوم بها السائح، حيث ان العملية السياحية هي عملية تكاملية مابين هؤلاء الشركاء ولا بد من تظافر جهودهم جميعا دون استثناء للوصول الي الغاية الأسمى وهي إرضاء السائح لأقصى الحدود وضمان ولائه للوجهة السياحية لاحقاً.
لا بد من القول ايضاً انه من الصعوبة بمكان التكهن أي الاطراف اكثر تضررا بسبب فيروس كورونا من بين هؤلاء الشركاء في حين يمكن الجزم بأن الكل متضرر لان الكل في نفس المركب، ولأن العملية السياحية هي عملية تكاملية ولا يستطيع اي طرف من هؤلاء الشركاء القيام بها منفرداً دون الاستعانة والتشارك مع بقية الأطراف؛ هذا الضرر ليس بالضرورة ان يكون ماديا وقد يأخذ شكلا اجتماعيا اكثر فتكاً.
يوجد في المملكة الاردنية الهاشمية تقريبا 1300 دليل سياحي ناطقين بقرابة التسع وثلاثين لغةً عالميةً، وهذا مخزون وطني يُفتخَر به. لابد من القول ايضا ان الدليل السياحي الأردني قد تم تكريمه من قبل عدة مؤسسات محلية حكومية وخاصة، كما وتم حصوله على جوائز وتكريم من قبل مؤسسات عربية و دولية وهو اعتراف بمستوى الكفاءة التي يتمتع بها وقدرته على ايصال الرسالة التي كلف بها. على المستوى الدولي والعربي تحظى مهنة الارشاد السياحي بمزيد من التقدير، بل وتعتبر من المهن السيادية في كثير من الدول نظرا لحساسية الدور الذي يقوم به الدليل السياحي ونظرا للثقافة العالية والعلم المتخصص الذي يجب أن يتحصل عليه حتى يتمكن من أداء عمله بكل كفاءة واقتدار، لان جمهور مُستمعيه مُتنوع ويشمل مختلف الاطياف والاجناس والمستويات العلمية، ولا بد هنا من الجاهزية العالية عند هذا الدليل السياحي.

يعتبر الدليل السياحي احد الاطراف الرئيسية في العملية السياحية وهو ما أكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في جولته السياحية في العام 2002 حين قام بها كدليلاً سياحياً قدَّم الأردن كمنتجاً سياحياً لكل العالم. هذه الفئة من القطاع السياحي والذين أطلق عليهم جلالة الملك لقب سفراء الوطن قد تضررت و ستتأثر بشكل أكبر كما أكد دولة الرئيس اذا طال أمد الازمة، لان طبيعة المهنة تعتمد على وجود السياحة الوافدة، ويعمل الدليل السياحي على مبدأ ال (Free Lancer)، ولأنه كذلك غير مصرح له ممارسة اي عمل غير الدلالة السياحية حسب القوانين السارية، وهو مايفرض على الحكومة ايلاء هذا الجانب الاهمية التي يستحق، ولا بد هنا من ايضاح بعضاً من الأمور التي ترتبط مباشرة بحجم الأثر السلبي على هذه الفئة وكما يلي:
اولا: يوجد هنالك عدداً لا بأس به من الإدلاء السياحيين أعمارهم تتراوح بين الأربعين والستين عاما ممن افنى حياته في هذه المهنة وليس من السهل عليه البحث عن عمل آخر أو مهنة اخرى يعتاش منها.
ثانيا: سيجد الدليل نفسه في صفوف العاطلين عن العمل على اعتبار انه من الممكن وصفه بانه من اصحاب دخل "فئة المياومة" بمعنى انه في حال توقفت عجلة السياحة فهذا يعني انقطاع مصدر رزقه.
ثالثا: تسلسل الأحداث خلال العقد الأخير دفعت العديد من الادلاء اصحاب الخبرة والكفاءة الي البحث عن وظائف أكثر استقرارا وهي خسارة فادحة للقطاع السياحي برمته وهو ما ظهر جلياً في ذروة موسم العام 2019، والخوف هنا من ازدياد هذه الهجرة بسبب ضررها المادي والنفسي والاجتماعي بهذه الفئة.
رابعا: عدم ايلاء هذه الفئة الأهمية التي تستحق والاخذ بيدها في ظل هذه الظروف وحمايتها من نتائج هذه الازمة سيؤدي بالضرورة الي تشكل قناعات ومخاوف ستدفع الكثير من الشباب العزوف حتى عن التفكير بممارسة هذا النوع من المهن وبالتالي سيؤدي ذلك الي خلل واضح في منظومة المهن التي يحتاجها القطاع مستقبلا على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
من هنا فإنني أدعو الجهات الحكومية والمؤسسات المعنية إلى سرعة الاستجابة من خلال تقديم كافة أنواع الدعم لهم كون الجهة الوحيدة التي تدافع عن حقوقهم هي جمعية أدلاء السياح الاردنية، وهي التي لا تملك من مقومات القوة الكثير إذا ما قورنت بقوة النقابات المهنية التي تستطيع حماية منتسبيها في ظل ظروف مشابهة وهي ظروف نتمنى زوالها في القريب العاجل بإذن الله بهمة ووعي أبناء الوطن جميعاً.
تابعوا الوقائع على