إلى الأستاذ الدكتور محارب الفساد !! ثأر لنفسك لا عقيدة
الوقائع الاخبارية: محرر الشؤون المحلية
ما كنت (وأقسم على ذلك أمام الله) لأسطر لك - أيها الفاضل- هذه الرسالة (ركيكة التركيب ضعيفة المحتوى) لولا أمرين اثنين لا ثالث لهما. أما الأول فهو مكانتك المحترمة فينا والمقدّرة عندنا، وأما الثاني فهو حبنا لهذه الجامعة التي ما بخلت على أحد منا بشيء بالرغم من اخفاقات بعض الإدارات المتعاقبة التي ما ارتقى بعضها إلى المستوى الذي حققته هذه الجامعة خلال عقود من الزمن بهمة كادرها الاكاديمي والاداري وتميز طلبتها وخريجيها ودعم جميع الأردنين المخلصين من القطاعين الشعبي والحكومي رغم شح الامكانات ورغم سوء إدارة كثير من الأزمات التي واجهتها بين الحين والاخر. لذا، ندعوك أيها الفاضل (يرحمك الله) أن لا تأخذ ما سيأتي من كلامنا تاليًا على أنه هجوم على شخصك الكريم أو وقوف منا في صف من تظن أنهم قد كادوا لك حتى أعفوك من منصبك ظلمًا وعدوانًا كما تؤكد أنت ذلك في كتاباتك المتكررة عبر جميع وسائل الاتصال التقليدية وغير التقليدية.
إن السؤال المحوري الذي نوجه لشخصك الكريم هو: هل فعلًا تحارب أنت - أيها الاستاذ الفاضل بعد أن اعفيت من أعلى كادر إداري في هذه الجامعة - الفساد أم تحارب شخصًا معينًا بعينه؟
أما نحن فنقرأ كتاباتك (ربما لحول في أعيننا) على أنها تقع في باب الثأر لنفسك أكثر من كونها عقيدًة لمحاربة الفساد ومحاولًة منك لتجفيف منابعه وسد أوكار المشتغلين فيه والداعمين له.
ربما كنت أنا سأبقى في صفك (كما يقول الكثيرون في جلساتهم غير المعلنة لك) لو أنك فتحت هذه الملفات (التي تظن أنها من صنع هذه الإدارة على وجه التحديد) عندما كنت في أعلى هرم السلطة فيها. فما سمعنا صوتك يهدر ولا وجدناك تلوح بالتهديدات لمحاربة كل هذا الفساد الذي ظهرت ملفاته فجأة بين يديك بين عشية وضحاها إلأ بعدما ترجلت عن صهوة ذلك الجواد الذي ما ظننت يومًا أن تكون أنت من يركبه لولا جولاتك وصولاتك ضد الإدارات السابقة. فربما كان صاحب القرار قد اختارك لتكون على يمينه ابتداء حتى لا يزعج آذانه صريرُ قلمك السابق. وما دام أنك قد رضيت أن تقف إلى جانبه طائعًا شاكرًا، كان الأولى بك أن تفتح ملفات الفساد التي غدت بين يديك فورًا في حينه، وما كان لك أن تخبئها في الأدراج لتستخدمها اليوم كسلاح بين يديك في مواجهة أصدقاء الأمس أعداء اليوم. ولربما كان خيارك الآخر أن لا تبقى ماكثًا راكدًا على مدار عامين كاملين في ذلك المكان إن كان فعلًا كما تحاول أن تصوره لنا اليوم. فكان الأجدر بك أن تترك المكان يوم أن وجدته لا يليق بمقامك الكريم حينئذ.
نعم كنت سابقى في صفك لو أنك فتحت على الأقل ملفات فساد الإدارة السابقة عندما تبوات مكانًا في أعلى هرم السلطة فيها . فنحن لم ننسى بعد كم كان قلمك قاسيًا على تلك الإدارة السابقة، محملًا إياها وزر كثير من الاخفاقات حينئذ. ألم يكن الأجدر بك أن تخرج على العلن (يوم أن أصبحت مسئولًا) ما وجدت من كوارث الإدارة السابقة كما صورها لنا قلمك يوم كنت محاربًا شرسًا ضدها. فهل كل مشاكل هذه الجامعة هو نتاج الإدارة الحالية؟ فهل تولت الإدارة الجديدة مهامها فوق جنة تجري من تحتها أنهار اللبن والعسل ثم حولتها بين عشية وضحاها إلى قرية خاوية على عروشها؟
نعم، كنت سأبقى في صفك (ولا اتردد أن أنظم في هذه اللحظة إلى صفك) لو أنك تفتح الآن كل ملفات الفساد التي يتورط بها (حسب ظنك) من عاداك وكاد بك وتفتح في الوقت ذاته كل ملفات الفساد التي ربما يتورط فيها من لا زال يقف في صفك، فلم نجدك لا تفتح إلا تلك المتورطة بها أيدي من تظن أنهم يعادونك؟ ولم تسكت في الوقت ذاته عن بعضها الآخر لمجرد أن فتحها ربما يطيح برؤوس من تظنهم اليوم في صفك؟ ألا تعلم أن الإدارة التي كنت جزءً منها قد اختارت أن لا تعفي بعضًا ممن يعاضدوك من مهامهم بالرغم ربما من عدم رغبتهم ببقائهم بينهم وبالرغم من تورط بعض من هؤلاء في شيء من ملفات الفساد التي ربما وقع بعضها بين يديك؟ لا أظن من مثلك يغفل أنها ما فعلت ذلك إلا من أجل أن لا تبقى أيديهم تشد على يدك، فيشتد ساعدكم ضدها؟ ألا ترى أن بعضًا من هؤلاء قد قبلوا أن يبقوا صامتين عن نصرتك طمعًا فيما جادت عليهم الإدارة من مكاسب ونِعمة؟ فهل لا زلت تظن أن مثل هؤلاء هم فعلًا أصحاب مبادئ صلبة يمكن أن يساندونك إذا ما كنت فعلًا على حق؟ من يدري؟!!!
نعم، كنت سأبقى في صفك (وسأنحاز إلى صفك مرة أخرى)، لو أنك بقيت صابرًا محتسبًا بعد أن تجرّعت (طواعية منك) ذلك الطعم الذي اصطادوك به قبل سنتين من الزمن، فالمثل الفلاحي الذي لا أظنك قد نسيته يقول (غلب وستيرة ولا غلب وفضيحة). فلا تنسى أنك أنت من اخترت أن تركب ذلك القارب معهم، وربما لا يحق لك – برأينا- أن تقلل من قيمته بعد أن أنزلت منه. فهو على الأقل قد أخذك معه في رحلة استجمام وإن كانت قصيرة. فمن هم مثلك بالعلم والمعرفة لا يجب أن يغفل بأن مواجهة الخسران (إن كان من كيد الأخرين) لا تكون إلا بالصبر الجميل والاستعانة بالله على مكر الكائدين. ولا أجد أفضل من أن أذكرك بأن نبيًا كريمًا قد فقد ولده الأحب إلى قلبه بسبب مكر أبنائه بأخيهم، فما كانت ردة فعله بأكثر من أن يقول (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
نعم، كنت سأبقى في صفك لو أنك خرجت يوم أن أعفوك من منصبك، لتقول لمن مكروا بك (كما تظن): "عيب عليكو، ليس بهذه الطريقة". ثم صمت عن الكلام صابرًا محتسبًا، ولا أنسى أن أذكرك بأن نبيًا كريما طلب من ربه آية ليقنع من حوله بما سيحل به، فجاءته الآية على نحو (ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا). فالسكوت يا معلمنا أبلغ ألف ألف مرة من الكلام مهما بلغت فصاحة المتحدث. ولو فعلت ذلك، لربما وجدتني الآن موجهًا مثل رسالتي هذه لؤلئك القوم وليس لك أنت، لألومهم على سوء ما فعلوا بك. لكن لما وجدتك تقاتل بكل شراسة من كنت مصاحبًا لهم، ولما وجدتك رافعًا صوتك الأن بما كنت قد صمت عن البوح به مما أخطأ به رفاق مركبك فترة من الزمن، فاستميحك عذرًا أن أظن بأنهم ربما كانوا على شيء من الحق وإن لم يكونوا محقين كل الحق في كل ما فعلوا ويفعلون. فمن يدخل بيتًا – أيها الكريم- لا يبقى صامتًا متربصًا حتى يخرج منه لينشر على العلن غسيل ذلك البيت خاصة إن لم يكن كله نظيفًا.
نعم، كنت سأبقى في صفك لو أنك كنت موجهًا سهامك إلى الفساد وبؤره، وليس لشخص محدد تظن أنت أنه هو سبب ما أنت فيه من البلاء. والطامة الكبرى أنك غدوت تعزي كل اخفاقات في هذا الصرح الأكاديمي إلى هذا المسئول الذي من المفترض أن لا يتجاوز دوره في زمان حكمكم الرشيد تجهيز الملفات لكم وتفقيط الأوراق الرسمية نيابة عنكم. فربما ينطلي مثل كلامك (كما تحاول أن تنشره على العلن) على شخص لا يعرف هذا المكان ولا العاملين فيه حق المعرفة. فلا أظن أن هذا الشخص الذي توجه سهامك نحوه هو صاحب القرار الفعلي في كل تلك الملفات.
نعم، كنت سابقى إلى صفك لو أن فتيل الأزمة مع ذلك الشخص (حسب علمي ربما غير الدقيق) قد ابتدأتموها مع ثلة من أصحاب القرار من مثلكم ضد هذا الشخص عندما قدم لكم طلبه أن ينتقل من ذلك المكان كله، فيترككم وشأنكم إن أنتم تركتموه وشأنه، وكنت أنت وصحبك الذين وقفوا معك حينها (حسب علمي ربما غير الدقيق) من حلتم بينه وبين رغبته تلك. فلقد حاول ذلك الشخص أن ينأى بنفسه عن مخالبكم، فآثرتم إلا أن تغرسوا أنيابكم في لحمه. ولربما أعلم مسبقا ردكم على هذه النقطة على وجه التحديد، فستتعذر – لا محالة- بأن طلبه ذلك كان منافيًا للتعليمات والقوانين المعمول بها في الجامعة. لكن اسمح لي – أيها الكريم- أن اقول لك بأن هذا منافيًا للتعليمات والقوانين كما تفهمونها أنتم. ولكن إياك أن تنكر حتى مع نفسك بأن رغبتكم مجتمعين في التخلص منه كانت هي المكيّفة لتلك التعليمات والقوانين. فأنتم أردتم ارجاعه إلى الوراء، وما حاولتم مساندة حقه (وحق كل موظف من مثله) المضي قدمًا إلى الأمام. فالمؤسسة التي يديرها أصحاب الكفاءة الحقيقية لا تعمد إلى الرجوع بأي من كوادرها إلى الخلف ولكنها تساندهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا أن تتقدم بهم خطوة إلى الأمام. ولو أنكم كيفتم التعليمات والقوانين (كما تفعلون على الدوام) لما وضعتم أنفسكم في حرب مع هذا الشخص. ولكن ما دمتم أنكم قد اخترتم اشهار خناجركم ضده، فلا تعيبوا عليه إن هو أسقط رؤوسكم على الأرض قبل أن تصل خناجركم إلى أطراف ربط عنقه الجديدة. فمن يختار أن يشن الحرب، عليه أن يتقبل نتيجتها حتى وإن لم يكن هو الرابح فيها.
نعم، كنت سأبقى في صفك، لو أنك لم توسع دائرة نفوذ هذا الموظف الإدراي لتجعل قدراته تطال أصحاب القرار فوق مستوى الجامعة. فلقد صوّرت لنا – أيها الاستاذ الفاضل- بأن هذا الشخص يصول ويجول في الميدان ويكأنه الفارس الذي لا يستطيع أحد منازلته. لقد غيّرت حكايتك هذه قناعاتي الأولية تجاه هذا الشخص الذي كنت أنا شخصيًا من أكبر المنتقدين لرئيس الجامعة عندما اختار هذا الشخص ليكون في كادره الإدراي منذ اليوم الأول. لقد جعلتني حكايتك هذه – أيها الفاضل- أعيد حساباتي بقرار الرئيس ذاك، حتى ربما غدوت شبه متيقن من دهاء ذلك الختيار، فهو على الأقل يعرف – بخبرته النظرية والعملية- القدرات الحقيقية لمن هم حوله، كما يتقن فن اسكات من يريد وكيفية التخلص منه في الوقت المناسب.
إن النتيجة التي نحاول جاهدين أن نوصلها لك – أيها الفاضل- (رغم عجزنا عن صياغتها بالطريقة الأمثل) هي بسيطة جدًا: وجه سهامك (يرحمك الله) إلى الفساد (إن كنت فعلًا مصرًا على المضي قدمًا فيما أنت فيه) وليس لشخص محدد بعينه للأسباب (ربما غير المقنعة) التالية:
أولا، نحن نظن أن طريقتك هذه في المواجة تظهر أنك تقلل من شأنك وشأن من هم في مكانتك (كرئيس الجامعة ونوابه ورئيس مجلس أمناء الجامعة ومجلسه الموقر) وترفع – بالمقابل من حيث تعلم أو ربما لا تعلم- من امكانيات هذا الشخص وقدراته التي ما عرفتموها جيدًا، فأنا أرى أنك تمتدحه حتى في محاولتك النيل منه، فأنا شخصيًا أفهم من خطاباتك كلها أن هذا الشخص الذي استطاع (كما تقول منشوراتك المتكررة تصريحًا تارة وتلميحًا تارة أخرى) أن يُعفي شخصًا من مثلك من منصبه عندما أقنع رئيس الجامعة وكادره ورئيس مجلس الأمناء ومجلسه بما خطط ونفذ (كما أفهم من منشوراتك التي لا تنقطع ليلًا ولا نهارًا) هو شخص ربما يستحق أن ترفع له القبعة (حتى وإن اختلفنا معه). فأنت – برأيي- أمام واحد من خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أنكم (على الرغم من مؤهلاتكم العلمية ومناصبكم الرفيعة) ضعفاء فما استطعتم جميعًا أن تضعوا له حدًا، أو أن هذا الشخص قوي جدًا حتى استطاع (بالرغم من ضعف مكانته العلمية والإدارية بينكم) أن يتحكم بما لم تستطيعوا أنتم إليه سبيلًا. وفي كلا الحالتين يكون المنطق إلى جانبه وليس إلى صفكم. فقد أستنتج أنا (بالرغم من ضعف قدراتي العقلية) بما يلي: ربما تكون أنت مخطئًا وربما تتحمل قسطًا من المسئولية بما حلّ بك. وقد تكون إدارة الجامعة ومجلس الأمناء فيها على خطأ وربما يتحملان قسطًا من المسئولية فيما حصل، لكن الذي لا يمكن أن استنتجه هو أن يكون هذا الشخص مخطأ أو أنه قد يتحمل جزء من المسئولية فيما جرى في هذه القضية بالرغم من ظني بأنه ربما أخطأ في مواطن أخرى، أما هذه فلا.
ثانيا، نحن نظن أن طريقتك في المواجهة تظهر لنا بأنه ربما لن يهدأ لك بالًا ولن يهنأ لك حالًا إلا عند الإطاحة برأس هذا الشخص وليس عندما ينكشف الفساد ويُحارب، وأخشى أن يكون حقد الجَمل الإعرابي هو سبب موته، فالمواجهة في الخصومة لا تكون بالفجور والنيل من الخصم شخصيًا، بل بإيصال الحقوق إلى أصحابها، ثم رجوع كل طرف من المتخاصمين إلى جادة الصواب متى ما بان له بأنه قد لا يكون هو المحق في هذا الخصام. فحتى في أشد الحروب ضراوة لا يجب أن يغفل المتحاربون عن الجانب الإنساني في المواجهة، فالجندي (كمحارب حقيقي) لا يجهز على خصمه الجريح في ساحة المعركة. فتذكر أيها الفاضل - إن اصررت على المضي قدما في مواجهتك معه – يرحمك الله - أن خصمك هذا (إن فعلًا نجحت في أن ترديه صريعًا) هو من بني جلدتك، ولا تغفل أنه ابن لأم مثل أمي وأمك، وأنه أب لأسرة، وأنه زوج لأخت لك في الدين والعرق. فالثأر منه سيلحق الضرر – لا محالة – بمن قد لا تقصد أن تلحق بهم الأذى.
ثالثا، إن المبدأ الذي لا يختلف عليه عاقلان هو قول الحق (ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدولوا). فأنا – مثلك- قد لا أكون راضيًا عن هذا الشخص في كل ما فعل ويفعل. وأنا بالتأكيد لست راضيًا عن إدارة الجامعة (حتى عندما كنت أنت جزء منها) ولا عن مجلس أمنائها الموقر الذي أعفاك من منصبك، لكن عدم رضاي هذا لا يمنعني أن أقول رأيي بكل صدق وأمانة. فنحن لسنا مطالبين بنصرة المظلومين، ولكننا مطالبين قبل ذلك بأن نمنع الظلم أن يقع ابتداءً. فربما تكون نتيجة خصومتك هذه الحاق ظلم بآخرين من حيث لا تحتسب. لذا، نحن مطالبين (حتى كمتفرجين) أن نذكر محاسن جميع أطراف الخصومة حتى عندما ننشر على الملا مثالبهم.
• فعلى الرغم من قسوة بعض مفرداتي هنا تجاهك إلا أنني لا زلت أتذكر كثيرا من مناقبك التي لا يمكن ألا أن أقرّ بها مهما بلغت درجة الخلاف والاختلاف بيننا. فلا زلت أراك تسمع لمن هم حولك وتهتتم بقضاياهم وتحاول جاهدًا أن تصلح الخلل ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
• وأنا لا يمكن أن أنكر (رغم خلافي الايدولوجي مع رئيس الجامعة) أنه الأكثر من بين جميع رؤساء الجامعة الذين عاصرتهم شخصيًا (وهم تقريبًا جميع رؤساء هذه الجامعة باستثناء واحد منهم) احترامًا لكل العاملين في هذا الصرح الأكاديمي. فما كانت أبواب رئيس لهذه الجامعة مشرّعة للجميع كما هي أبواب هذا الرجل. وربما يرد البعيد عن المشهد بالقول بأن نتيجة التقييم لهذا الرئيس قد جاءت منخفضة، فكيف يصدق قولك هذا فيه؟ فأقول لهم بأن سبب ذلك هو هذا الموضوع الذي أكتب حوله الآن. فأنا على يقين بأن كثيرًا من الذين قيّموا رئيس الجامعة كانوا يقيّمونه وفي بالهم هذا الشخص الذي يوجه له الاستاذ الفاضل سهامه. فهم لا يقيمون شخص الرئيس وإنما كادره الأداري كله وفي مقدمتهم هذا الشخص الذي هو خصيم استاذنا الفاضل، فلو أنت سألت أي شخص في الجامعة عن شخص الرئيس، لما تردد بالثناء عليه. ولن افتح هنا الملفات التي استفاد منها الكثيرون في عهد هذا الرئيس لأن هذا ليس محلها، ولكن سأكتفي بالقول بأن من العدل أن لا تقلل من الخير إن وجد عند أحدهم وتبالغ – في المقابل - في اظهار ما عنده من سوء. فكلنا خطائون، ولو شئت (إن أنا أحببتك) لجعلتك ملكًا سماويًا، ولو شئت نزلت بك أسفل سافلين. لكن هذا لن يغطى على الحق، فالحق أحق أن يتبع مهما كانت درجة الاختلاف بين المتخاصمين.
• وأنا لن أغفل (كما قد يفعل الكثيرون) بأن لا أذكر الرجل الذي توجه سهامك نحوه بأي خير، فإن كنت ابتداءً أرى فيه من المثالب الكثير، لكني أشهد بأن التعامل مع إدارة الجامعة ما كانت في يوم من الأيام أكثر سهولة ولا يسرًا مما هي عليه الآن. فربما للمرة الأولى في تاريخ الجامعة (أنا أرى) يستطيع أي موظف في الجامعة أن يذهب هناك في أي وقت ليجد من يسمع له، وليجد من يستقبله عند أدراج الرئاسة ليقدم له العون والمشورة. لكن مما يثير الأسى في النفس أن هذا النوع من التعامل قد أشعر الكثيرين بأن في ذلك تقليل من هيبة ووقار الرئاسة الجليلة. فهؤلاء يرون الهيبة والوقار فقط عند من لا ينظر إليهم إلا من برج عاجي. فلقد سمعتها باذني من الكثيرين بأن هيبة الجامعة قد استبيحت ليس إلا لأنه يستطيع أن يدخل ويخرج من هناك براحته. فالهيبة عند هؤلاء هي ليست خدمة مصالح الناس، والوقار عندهم لا يتأتي بالاحتكاك بهم عن قرب، ولكنه بالتعالي عليهم خاصة إذا كان الشخص من غير بني جلدتهم. فوجود شخص يعرفونه وربما يمازحونه ويأكلون معه ويشربون تقلل من الهيبة الكاذبة التي يبحثون عنها عند من يلبسون من أرقى دور الخياطة ويقودون أفخم السيارات ويسكنون الفلل والقصور. وهو ما لم يجدوه عند هذا الفلاح المسئول الذي ما لبس ثوبا غير ثوبه. فتبًا لأمة لا تجل أبنائها ولا تهاب إلا من لون عيونهم ليست من زرقة مياهها.
وختامًا، أقول لك – ايها الاستاذ الفاضل- أني لا أكتب لامتدح هذا الشخص فازيل عن كاهله كل عيب، وأقسم لكم أن علاقتي به لا تتعدى شكليات السلام العابر، وقد كنت في سابق الأيام ممن ينتقدون وجوده، لكن لما وجدت فيه (بعد مشاكساتي المتكررة للمسئولين لأنني أصلًا أكرههم بدون سبب) البساطة والطيبة التي تنقصها دبلوماسيات الافرنجي الماكر، فقد جئت لاقول لك أيها الفاضل جملة بسيطة واحدة (هذا الشخص هو انسان أبسط مما تتصور ولا يملك القدرات الخارقة التي تحاول أن تلبسه إياها بغير حق). فاعطوا هذا الشخص حقه وازيحوه من هذا المكان إن كنتم – يا قوم- فاعلين، ولكن لا تحاولوا أن تردوه قتيلًا فقط لتشفوا ما في صدوركم من غلّ. ولنتذكر جميعًا بأن الحرب بين الإخوة ليس فيها منتصر أبدًا، فالكل مهزوم مهما كانت النتائج. ولا ننسى أن نذكّر الجميع بأن خير العلاج في مثل هذه الحالات هو الإصلاح. فأدعوك – أيها الفاضل الكريم- صادقًا أن تمد يدك إلى أخيك بالإصلاح، فالوعاء الكبير هو الذي يتسع الوعاء الصغير، وستجد أن الذين مكروا بك (إن أنت فعلت هذا وكنت محقًا فيما تقول) نادمين لا محالة. وستجدني حينها قد عدت إلى صفك كما كنت في سابق الأيام. كما لا أنسى أن ادعو الجميع أن لا يتيحوا المجال لمن يحاول ايقاد نار الحرب، فالله لا محالة مطفئها إن كان القصد منها الفتنة ، ولنتمثل جميعًا قوله تعالى:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
ما كنت (وأقسم على ذلك أمام الله) لأسطر لك - أيها الفاضل- هذه الرسالة (ركيكة التركيب ضعيفة المحتوى) لولا أمرين اثنين لا ثالث لهما. أما الأول فهو مكانتك المحترمة فينا والمقدّرة عندنا، وأما الثاني فهو حبنا لهذه الجامعة التي ما بخلت على أحد منا بشيء بالرغم من اخفاقات بعض الإدارات المتعاقبة التي ما ارتقى بعضها إلى المستوى الذي حققته هذه الجامعة خلال عقود من الزمن بهمة كادرها الاكاديمي والاداري وتميز طلبتها وخريجيها ودعم جميع الأردنين المخلصين من القطاعين الشعبي والحكومي رغم شح الامكانات ورغم سوء إدارة كثير من الأزمات التي واجهتها بين الحين والاخر. لذا، ندعوك أيها الفاضل (يرحمك الله) أن لا تأخذ ما سيأتي من كلامنا تاليًا على أنه هجوم على شخصك الكريم أو وقوف منا في صف من تظن أنهم قد كادوا لك حتى أعفوك من منصبك ظلمًا وعدوانًا كما تؤكد أنت ذلك في كتاباتك المتكررة عبر جميع وسائل الاتصال التقليدية وغير التقليدية.
إن السؤال المحوري الذي نوجه لشخصك الكريم هو: هل فعلًا تحارب أنت - أيها الاستاذ الفاضل بعد أن اعفيت من أعلى كادر إداري في هذه الجامعة - الفساد أم تحارب شخصًا معينًا بعينه؟
أما نحن فنقرأ كتاباتك (ربما لحول في أعيننا) على أنها تقع في باب الثأر لنفسك أكثر من كونها عقيدًة لمحاربة الفساد ومحاولًة منك لتجفيف منابعه وسد أوكار المشتغلين فيه والداعمين له.
ربما كنت أنا سأبقى في صفك (كما يقول الكثيرون في جلساتهم غير المعلنة لك) لو أنك فتحت هذه الملفات (التي تظن أنها من صنع هذه الإدارة على وجه التحديد) عندما كنت في أعلى هرم السلطة فيها. فما سمعنا صوتك يهدر ولا وجدناك تلوح بالتهديدات لمحاربة كل هذا الفساد الذي ظهرت ملفاته فجأة بين يديك بين عشية وضحاها إلأ بعدما ترجلت عن صهوة ذلك الجواد الذي ما ظننت يومًا أن تكون أنت من يركبه لولا جولاتك وصولاتك ضد الإدارات السابقة. فربما كان صاحب القرار قد اختارك لتكون على يمينه ابتداء حتى لا يزعج آذانه صريرُ قلمك السابق. وما دام أنك قد رضيت أن تقف إلى جانبه طائعًا شاكرًا، كان الأولى بك أن تفتح ملفات الفساد التي غدت بين يديك فورًا في حينه، وما كان لك أن تخبئها في الأدراج لتستخدمها اليوم كسلاح بين يديك في مواجهة أصدقاء الأمس أعداء اليوم. ولربما كان خيارك الآخر أن لا تبقى ماكثًا راكدًا على مدار عامين كاملين في ذلك المكان إن كان فعلًا كما تحاول أن تصوره لنا اليوم. فكان الأجدر بك أن تترك المكان يوم أن وجدته لا يليق بمقامك الكريم حينئذ.
نعم كنت سابقى في صفك لو أنك فتحت على الأقل ملفات فساد الإدارة السابقة عندما تبوات مكانًا في أعلى هرم السلطة فيها . فنحن لم ننسى بعد كم كان قلمك قاسيًا على تلك الإدارة السابقة، محملًا إياها وزر كثير من الاخفاقات حينئذ. ألم يكن الأجدر بك أن تخرج على العلن (يوم أن أصبحت مسئولًا) ما وجدت من كوارث الإدارة السابقة كما صورها لنا قلمك يوم كنت محاربًا شرسًا ضدها. فهل كل مشاكل هذه الجامعة هو نتاج الإدارة الحالية؟ فهل تولت الإدارة الجديدة مهامها فوق جنة تجري من تحتها أنهار اللبن والعسل ثم حولتها بين عشية وضحاها إلى قرية خاوية على عروشها؟
نعم، كنت سأبقى في صفك (ولا اتردد أن أنظم في هذه اللحظة إلى صفك) لو أنك تفتح الآن كل ملفات الفساد التي يتورط بها (حسب ظنك) من عاداك وكاد بك وتفتح في الوقت ذاته كل ملفات الفساد التي ربما يتورط فيها من لا زال يقف في صفك، فلم نجدك لا تفتح إلا تلك المتورطة بها أيدي من تظن أنهم يعادونك؟ ولم تسكت في الوقت ذاته عن بعضها الآخر لمجرد أن فتحها ربما يطيح برؤوس من تظنهم اليوم في صفك؟ ألا تعلم أن الإدارة التي كنت جزءً منها قد اختارت أن لا تعفي بعضًا ممن يعاضدوك من مهامهم بالرغم ربما من عدم رغبتهم ببقائهم بينهم وبالرغم من تورط بعض من هؤلاء في شيء من ملفات الفساد التي ربما وقع بعضها بين يديك؟ لا أظن من مثلك يغفل أنها ما فعلت ذلك إلا من أجل أن لا تبقى أيديهم تشد على يدك، فيشتد ساعدكم ضدها؟ ألا ترى أن بعضًا من هؤلاء قد قبلوا أن يبقوا صامتين عن نصرتك طمعًا فيما جادت عليهم الإدارة من مكاسب ونِعمة؟ فهل لا زلت تظن أن مثل هؤلاء هم فعلًا أصحاب مبادئ صلبة يمكن أن يساندونك إذا ما كنت فعلًا على حق؟ من يدري؟!!!
نعم، كنت سأبقى في صفك (وسأنحاز إلى صفك مرة أخرى)، لو أنك بقيت صابرًا محتسبًا بعد أن تجرّعت (طواعية منك) ذلك الطعم الذي اصطادوك به قبل سنتين من الزمن، فالمثل الفلاحي الذي لا أظنك قد نسيته يقول (غلب وستيرة ولا غلب وفضيحة). فلا تنسى أنك أنت من اخترت أن تركب ذلك القارب معهم، وربما لا يحق لك – برأينا- أن تقلل من قيمته بعد أن أنزلت منه. فهو على الأقل قد أخذك معه في رحلة استجمام وإن كانت قصيرة. فمن هم مثلك بالعلم والمعرفة لا يجب أن يغفل بأن مواجهة الخسران (إن كان من كيد الأخرين) لا تكون إلا بالصبر الجميل والاستعانة بالله على مكر الكائدين. ولا أجد أفضل من أن أذكرك بأن نبيًا كريمًا قد فقد ولده الأحب إلى قلبه بسبب مكر أبنائه بأخيهم، فما كانت ردة فعله بأكثر من أن يقول (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون).
نعم، كنت سأبقى في صفك لو أنك خرجت يوم أن أعفوك من منصبك، لتقول لمن مكروا بك (كما تظن): "عيب عليكو، ليس بهذه الطريقة". ثم صمت عن الكلام صابرًا محتسبًا، ولا أنسى أن أذكرك بأن نبيًا كريما طلب من ربه آية ليقنع من حوله بما سيحل به، فجاءته الآية على نحو (ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا). فالسكوت يا معلمنا أبلغ ألف ألف مرة من الكلام مهما بلغت فصاحة المتحدث. ولو فعلت ذلك، لربما وجدتني الآن موجهًا مثل رسالتي هذه لؤلئك القوم وليس لك أنت، لألومهم على سوء ما فعلوا بك. لكن لما وجدتك تقاتل بكل شراسة من كنت مصاحبًا لهم، ولما وجدتك رافعًا صوتك الأن بما كنت قد صمت عن البوح به مما أخطأ به رفاق مركبك فترة من الزمن، فاستميحك عذرًا أن أظن بأنهم ربما كانوا على شيء من الحق وإن لم يكونوا محقين كل الحق في كل ما فعلوا ويفعلون. فمن يدخل بيتًا – أيها الكريم- لا يبقى صامتًا متربصًا حتى يخرج منه لينشر على العلن غسيل ذلك البيت خاصة إن لم يكن كله نظيفًا.
نعم، كنت سأبقى في صفك لو أنك كنت موجهًا سهامك إلى الفساد وبؤره، وليس لشخص محدد تظن أنت أنه هو سبب ما أنت فيه من البلاء. والطامة الكبرى أنك غدوت تعزي كل اخفاقات في هذا الصرح الأكاديمي إلى هذا المسئول الذي من المفترض أن لا يتجاوز دوره في زمان حكمكم الرشيد تجهيز الملفات لكم وتفقيط الأوراق الرسمية نيابة عنكم. فربما ينطلي مثل كلامك (كما تحاول أن تنشره على العلن) على شخص لا يعرف هذا المكان ولا العاملين فيه حق المعرفة. فلا أظن أن هذا الشخص الذي توجه سهامك نحوه هو صاحب القرار الفعلي في كل تلك الملفات.
نعم، كنت سابقى إلى صفك لو أن فتيل الأزمة مع ذلك الشخص (حسب علمي ربما غير الدقيق) قد ابتدأتموها مع ثلة من أصحاب القرار من مثلكم ضد هذا الشخص عندما قدم لكم طلبه أن ينتقل من ذلك المكان كله، فيترككم وشأنكم إن أنتم تركتموه وشأنه، وكنت أنت وصحبك الذين وقفوا معك حينها (حسب علمي ربما غير الدقيق) من حلتم بينه وبين رغبته تلك. فلقد حاول ذلك الشخص أن ينأى بنفسه عن مخالبكم، فآثرتم إلا أن تغرسوا أنيابكم في لحمه. ولربما أعلم مسبقا ردكم على هذه النقطة على وجه التحديد، فستتعذر – لا محالة- بأن طلبه ذلك كان منافيًا للتعليمات والقوانين المعمول بها في الجامعة. لكن اسمح لي – أيها الكريم- أن اقول لك بأن هذا منافيًا للتعليمات والقوانين كما تفهمونها أنتم. ولكن إياك أن تنكر حتى مع نفسك بأن رغبتكم مجتمعين في التخلص منه كانت هي المكيّفة لتلك التعليمات والقوانين. فأنتم أردتم ارجاعه إلى الوراء، وما حاولتم مساندة حقه (وحق كل موظف من مثله) المضي قدمًا إلى الأمام. فالمؤسسة التي يديرها أصحاب الكفاءة الحقيقية لا تعمد إلى الرجوع بأي من كوادرها إلى الخلف ولكنها تساندهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا أن تتقدم بهم خطوة إلى الأمام. ولو أنكم كيفتم التعليمات والقوانين (كما تفعلون على الدوام) لما وضعتم أنفسكم في حرب مع هذا الشخص. ولكن ما دمتم أنكم قد اخترتم اشهار خناجركم ضده، فلا تعيبوا عليه إن هو أسقط رؤوسكم على الأرض قبل أن تصل خناجركم إلى أطراف ربط عنقه الجديدة. فمن يختار أن يشن الحرب، عليه أن يتقبل نتيجتها حتى وإن لم يكن هو الرابح فيها.
نعم، كنت سأبقى في صفك، لو أنك لم توسع دائرة نفوذ هذا الموظف الإدراي لتجعل قدراته تطال أصحاب القرار فوق مستوى الجامعة. فلقد صوّرت لنا – أيها الاستاذ الفاضل- بأن هذا الشخص يصول ويجول في الميدان ويكأنه الفارس الذي لا يستطيع أحد منازلته. لقد غيّرت حكايتك هذه قناعاتي الأولية تجاه هذا الشخص الذي كنت أنا شخصيًا من أكبر المنتقدين لرئيس الجامعة عندما اختار هذا الشخص ليكون في كادره الإدراي منذ اليوم الأول. لقد جعلتني حكايتك هذه – أيها الفاضل- أعيد حساباتي بقرار الرئيس ذاك، حتى ربما غدوت شبه متيقن من دهاء ذلك الختيار، فهو على الأقل يعرف – بخبرته النظرية والعملية- القدرات الحقيقية لمن هم حوله، كما يتقن فن اسكات من يريد وكيفية التخلص منه في الوقت المناسب.
إن النتيجة التي نحاول جاهدين أن نوصلها لك – أيها الفاضل- (رغم عجزنا عن صياغتها بالطريقة الأمثل) هي بسيطة جدًا: وجه سهامك (يرحمك الله) إلى الفساد (إن كنت فعلًا مصرًا على المضي قدمًا فيما أنت فيه) وليس لشخص محدد بعينه للأسباب (ربما غير المقنعة) التالية:
أولا، نحن نظن أن طريقتك هذه في المواجة تظهر أنك تقلل من شأنك وشأن من هم في مكانتك (كرئيس الجامعة ونوابه ورئيس مجلس أمناء الجامعة ومجلسه الموقر) وترفع – بالمقابل من حيث تعلم أو ربما لا تعلم- من امكانيات هذا الشخص وقدراته التي ما عرفتموها جيدًا، فأنا أرى أنك تمتدحه حتى في محاولتك النيل منه، فأنا شخصيًا أفهم من خطاباتك كلها أن هذا الشخص الذي استطاع (كما تقول منشوراتك المتكررة تصريحًا تارة وتلميحًا تارة أخرى) أن يُعفي شخصًا من مثلك من منصبه عندما أقنع رئيس الجامعة وكادره ورئيس مجلس الأمناء ومجلسه بما خطط ونفذ (كما أفهم من منشوراتك التي لا تنقطع ليلًا ولا نهارًا) هو شخص ربما يستحق أن ترفع له القبعة (حتى وإن اختلفنا معه). فأنت – برأيي- أمام واحد من خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما أنكم (على الرغم من مؤهلاتكم العلمية ومناصبكم الرفيعة) ضعفاء فما استطعتم جميعًا أن تضعوا له حدًا، أو أن هذا الشخص قوي جدًا حتى استطاع (بالرغم من ضعف مكانته العلمية والإدارية بينكم) أن يتحكم بما لم تستطيعوا أنتم إليه سبيلًا. وفي كلا الحالتين يكون المنطق إلى جانبه وليس إلى صفكم. فقد أستنتج أنا (بالرغم من ضعف قدراتي العقلية) بما يلي: ربما تكون أنت مخطئًا وربما تتحمل قسطًا من المسئولية بما حلّ بك. وقد تكون إدارة الجامعة ومجلس الأمناء فيها على خطأ وربما يتحملان قسطًا من المسئولية فيما حصل، لكن الذي لا يمكن أن استنتجه هو أن يكون هذا الشخص مخطأ أو أنه قد يتحمل جزء من المسئولية فيما جرى في هذه القضية بالرغم من ظني بأنه ربما أخطأ في مواطن أخرى، أما هذه فلا.
ثانيا، نحن نظن أن طريقتك في المواجهة تظهر لنا بأنه ربما لن يهدأ لك بالًا ولن يهنأ لك حالًا إلا عند الإطاحة برأس هذا الشخص وليس عندما ينكشف الفساد ويُحارب، وأخشى أن يكون حقد الجَمل الإعرابي هو سبب موته، فالمواجهة في الخصومة لا تكون بالفجور والنيل من الخصم شخصيًا، بل بإيصال الحقوق إلى أصحابها، ثم رجوع كل طرف من المتخاصمين إلى جادة الصواب متى ما بان له بأنه قد لا يكون هو المحق في هذا الخصام. فحتى في أشد الحروب ضراوة لا يجب أن يغفل المتحاربون عن الجانب الإنساني في المواجهة، فالجندي (كمحارب حقيقي) لا يجهز على خصمه الجريح في ساحة المعركة. فتذكر أيها الفاضل - إن اصررت على المضي قدما في مواجهتك معه – يرحمك الله - أن خصمك هذا (إن فعلًا نجحت في أن ترديه صريعًا) هو من بني جلدتك، ولا تغفل أنه ابن لأم مثل أمي وأمك، وأنه أب لأسرة، وأنه زوج لأخت لك في الدين والعرق. فالثأر منه سيلحق الضرر – لا محالة – بمن قد لا تقصد أن تلحق بهم الأذى.
ثالثا، إن المبدأ الذي لا يختلف عليه عاقلان هو قول الحق (ولا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدولوا). فأنا – مثلك- قد لا أكون راضيًا عن هذا الشخص في كل ما فعل ويفعل. وأنا بالتأكيد لست راضيًا عن إدارة الجامعة (حتى عندما كنت أنت جزء منها) ولا عن مجلس أمنائها الموقر الذي أعفاك من منصبك، لكن عدم رضاي هذا لا يمنعني أن أقول رأيي بكل صدق وأمانة. فنحن لسنا مطالبين بنصرة المظلومين، ولكننا مطالبين قبل ذلك بأن نمنع الظلم أن يقع ابتداءً. فربما تكون نتيجة خصومتك هذه الحاق ظلم بآخرين من حيث لا تحتسب. لذا، نحن مطالبين (حتى كمتفرجين) أن نذكر محاسن جميع أطراف الخصومة حتى عندما ننشر على الملا مثالبهم.
• فعلى الرغم من قسوة بعض مفرداتي هنا تجاهك إلا أنني لا زلت أتذكر كثيرا من مناقبك التي لا يمكن ألا أن أقرّ بها مهما بلغت درجة الخلاف والاختلاف بيننا. فلا زلت أراك تسمع لمن هم حولك وتهتتم بقضاياهم وتحاول جاهدًا أن تصلح الخلل ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
• وأنا لا يمكن أن أنكر (رغم خلافي الايدولوجي مع رئيس الجامعة) أنه الأكثر من بين جميع رؤساء الجامعة الذين عاصرتهم شخصيًا (وهم تقريبًا جميع رؤساء هذه الجامعة باستثناء واحد منهم) احترامًا لكل العاملين في هذا الصرح الأكاديمي. فما كانت أبواب رئيس لهذه الجامعة مشرّعة للجميع كما هي أبواب هذا الرجل. وربما يرد البعيد عن المشهد بالقول بأن نتيجة التقييم لهذا الرئيس قد جاءت منخفضة، فكيف يصدق قولك هذا فيه؟ فأقول لهم بأن سبب ذلك هو هذا الموضوع الذي أكتب حوله الآن. فأنا على يقين بأن كثيرًا من الذين قيّموا رئيس الجامعة كانوا يقيّمونه وفي بالهم هذا الشخص الذي يوجه له الاستاذ الفاضل سهامه. فهم لا يقيمون شخص الرئيس وإنما كادره الأداري كله وفي مقدمتهم هذا الشخص الذي هو خصيم استاذنا الفاضل، فلو أنت سألت أي شخص في الجامعة عن شخص الرئيس، لما تردد بالثناء عليه. ولن افتح هنا الملفات التي استفاد منها الكثيرون في عهد هذا الرئيس لأن هذا ليس محلها، ولكن سأكتفي بالقول بأن من العدل أن لا تقلل من الخير إن وجد عند أحدهم وتبالغ – في المقابل - في اظهار ما عنده من سوء. فكلنا خطائون، ولو شئت (إن أنا أحببتك) لجعلتك ملكًا سماويًا، ولو شئت نزلت بك أسفل سافلين. لكن هذا لن يغطى على الحق، فالحق أحق أن يتبع مهما كانت درجة الاختلاف بين المتخاصمين.
• وأنا لن أغفل (كما قد يفعل الكثيرون) بأن لا أذكر الرجل الذي توجه سهامك نحوه بأي خير، فإن كنت ابتداءً أرى فيه من المثالب الكثير، لكني أشهد بأن التعامل مع إدارة الجامعة ما كانت في يوم من الأيام أكثر سهولة ولا يسرًا مما هي عليه الآن. فربما للمرة الأولى في تاريخ الجامعة (أنا أرى) يستطيع أي موظف في الجامعة أن يذهب هناك في أي وقت ليجد من يسمع له، وليجد من يستقبله عند أدراج الرئاسة ليقدم له العون والمشورة. لكن مما يثير الأسى في النفس أن هذا النوع من التعامل قد أشعر الكثيرين بأن في ذلك تقليل من هيبة ووقار الرئاسة الجليلة. فهؤلاء يرون الهيبة والوقار فقط عند من لا ينظر إليهم إلا من برج عاجي. فلقد سمعتها باذني من الكثيرين بأن هيبة الجامعة قد استبيحت ليس إلا لأنه يستطيع أن يدخل ويخرج من هناك براحته. فالهيبة عند هؤلاء هي ليست خدمة مصالح الناس، والوقار عندهم لا يتأتي بالاحتكاك بهم عن قرب، ولكنه بالتعالي عليهم خاصة إذا كان الشخص من غير بني جلدتهم. فوجود شخص يعرفونه وربما يمازحونه ويأكلون معه ويشربون تقلل من الهيبة الكاذبة التي يبحثون عنها عند من يلبسون من أرقى دور الخياطة ويقودون أفخم السيارات ويسكنون الفلل والقصور. وهو ما لم يجدوه عند هذا الفلاح المسئول الذي ما لبس ثوبا غير ثوبه. فتبًا لأمة لا تجل أبنائها ولا تهاب إلا من لون عيونهم ليست من زرقة مياهها.
وختامًا، أقول لك – ايها الاستاذ الفاضل- أني لا أكتب لامتدح هذا الشخص فازيل عن كاهله كل عيب، وأقسم لكم أن علاقتي به لا تتعدى شكليات السلام العابر، وقد كنت في سابق الأيام ممن ينتقدون وجوده، لكن لما وجدت فيه (بعد مشاكساتي المتكررة للمسئولين لأنني أصلًا أكرههم بدون سبب) البساطة والطيبة التي تنقصها دبلوماسيات الافرنجي الماكر، فقد جئت لاقول لك أيها الفاضل جملة بسيطة واحدة (هذا الشخص هو انسان أبسط مما تتصور ولا يملك القدرات الخارقة التي تحاول أن تلبسه إياها بغير حق). فاعطوا هذا الشخص حقه وازيحوه من هذا المكان إن كنتم – يا قوم- فاعلين، ولكن لا تحاولوا أن تردوه قتيلًا فقط لتشفوا ما في صدوركم من غلّ. ولنتذكر جميعًا بأن الحرب بين الإخوة ليس فيها منتصر أبدًا، فالكل مهزوم مهما كانت النتائج. ولا ننسى أن نذكّر الجميع بأن خير العلاج في مثل هذه الحالات هو الإصلاح. فأدعوك – أيها الفاضل الكريم- صادقًا أن تمد يدك إلى أخيك بالإصلاح، فالوعاء الكبير هو الذي يتسع الوعاء الصغير، وستجد أن الذين مكروا بك (إن أنت فعلت هذا وكنت محقًا فيما تقول) نادمين لا محالة. وستجدني حينها قد عدت إلى صفك كما كنت في سابق الأيام. كما لا أنسى أن ادعو الجميع أن لا يتيحوا المجال لمن يحاول ايقاد نار الحرب، فالله لا محالة مطفئها إن كان القصد منها الفتنة ، ولنتمثل جميعًا قوله تعالى:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ