مكرمة أبناء العاملين في الجامعات الاردنية الرسمية

مكرمة أبناء العاملين في الجامعات الاردنية الرسمية
الوقائع الاخبارية : محررة الشؤون الجامعية

ربما لا أحتاج أن أدخل بتفاصيل "الفوضى العارمة" التي تسيطر على هذا الملف في الجامعات الأردنية كلها. وربما سيثير كلامي في السطور التالية حنق الكثيرين من المستفيدين في هذه الجامعات من هذه الامتيازات الفئوية، لظن بعضهم أن هذه من الحقوق المكتسبة، ولقناعة بعضهم الآخر أنها من الحقوق المقدسة التي يجب أن يكون رأي صاحب القرار تجاهها على نحو أن يقول "لا مساس" فيها. لكن تبقى فئة ثالثة قليلة في العدد على قناعة راسخة بأن هذه من الممارسات التي تقع في باب الفساد في الأرض الذي يجب التصدي له. ولما كنت واحدا من هذه الفئة الأخيرة، فإنني سأحاول أن أسطر ما أراه من باب العدل في القول في هذه القضية على الرغم من أنني أحد العاملين في الجامعة ومن المستفيدين من هذه الاستثناءات الفئوية التي أظن (ربما مخطئا) أنها غير دستورية.

أما بعد،

أولا، ربما من باب العدل في القول أن نبين ابتداء بأن وقوع الإنسان في الخطأ لا يعني أنه يقر ذلك الخطأ، أو أنه يروج له بين الناس على أنه حق مبين، فإذا كنت أنا – مثلا- من المدخنين، فإن ذلك لا يعني أنني لا أنهى غيري عن هذه العادة غير السليمة، وإذا كنت قد ارتكبت رذيلة (صغيرة كانت أم كبيرة) لمّا سوّلت لي نفسي بذلك، فلا يعني أنني ممن يزينها للآخرين ويحثهم على الوقوع فيها، لأن من الاستحالة أن يكون من يزيّن الخطأ ويحاول الترويج له أكثر من شيطان رجيم، يدلّك ثم يغرّر بك بزخرف القول إلى ما فيه هلاك لك في نهاية المطاف. فهناك إذًا فرق بين أن نقع في الخطأ (عن قصد أو غير قصد منّا) وأن نقر بذلك الخطأ ونحاول تبريره فقط لغاية في أنفسنا. إن مراد القول هنا هو أنه حتى لو كنت أنا من المستفيدين من هذه الاستثناءات ما دمت أحد العاملين في الجامعات، فذلك لا يعني أن لا أسجل اعتراضي عليها ما دمت أرى أنها لا تراع العدل بين الناس، وبالتالي حدوث الفساد الذي إن لم نتصدى له سيكون فيه مهلكتنا جميعا. فتغيير ما نراه منكرا واجب علينا بالقلب والقول والفعل، كل حسب طاقته. فعليك أولا أن لا تقر بالخطأ حتى لو كنت أنت من ارتكبته، وعليك ثانيا أن تحاول تغييره ما استطعت إلى ذلك سبيلا. فلا أظن – مثلا- أن رئيسنا المكلف (الذي نبارك له المنصب وندعو له بالخبر في ذلك) يقرّ بأن من باب العدل أن يتخرج هو في ذلك العام ليجد نفسه في اليوم التالي ملحقا بوزارة الخارجية في حين أن غيره من أبناء جيله يتخرج معه (وربما قبله) ولا يجد فرصة عمل غير أن يكون "صبي قصيير مع سي السيد المصري في العام ذاته". ولا أجد بدّا إلا أن أمني نفسي بأن الرجل سيحارب هذا الفساد حتى وإن وكان قد وقع هو نفسه في مثله في سابق الأيام. فنحن –في نهاية المطاف- بشر قد لا نملك إلا أن نستغفر ربنا عمّا قدّمت أيدينا. إن مراد القول هو أن كان والدك من أصحاب المناصب العليا في الدولة التي اختصت بعض أبنائها بمكرمات وميزات، فلا يعني أنك يجب أن تكون من المروجين لهذه الاستثناءات إن كنت أنت المستفيد منها، وعليك من باب العدل في الفعل أن تكون من المحاربين الباغضين لها إن أصبحت أنت صاحب القرار في ذلك لاحقا في يوم من الأيام..

ثانيا، ربما من المفيد أن نعترف جميعا بأن هذه الاستثناءات الفئوية قد خطتها أيدينا، وادخلناها كجزء من التشريعات العاملة في مؤسساتنا، فما كانت – برأينا- أكثر من طرق التفافية لسلب حقوق الأغلبية الضعيفة لصالح الأقلية القوية، فأصبحت ممارسات مُشرعنة، يطبقها صاحب السلطة دون وجل ولا خجل. لكن بالرغم من ذلك، لن أتوانى أن أقول لهؤلاء بأن ليس كل ما خطته أيديكم يقع في باب القول الفصل، ويكأنه حق من عند الله لا جدال فيه، لأني ساذكركم بقوله تعالى:فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79)

كما أذكركم بأن كل محاولات التعذر بالنوايا الحسنة لن تفيدكم في شي ما دام أن الفساد قد كان نتيجة ما قدمته أيديكم:فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)

وبناء عليه، نحن نرى (ربما مخطئين) بأن قبولات أبناء العاملين هي استثناءت فئوية، غير قانونية، لأنها لا تعامل المواطنين جميعا كأسنان المشط كما ينص على ذلك الدستور الأردني. لكن الغريب المريب هو (نحن نرى) أن يخرج الكثيرون من العاملين في الجامعات (حتى وإن كانوا يحملون أعلى الدرجات العلمية والذين من المفترض أن يكونوا مصلحين في الأرض لا مفسدين فيها) يطالبون بتعزيز هذه الاستثناءات، لأنها أصبحت (هم يرون) من حقهم الذي لا جدال فيه. فدعنا نذكّر أنفسنا وهؤلاء بأن الظلم الذي نتيجته الفساد في الأرض لا يشرعنه طول الفترة الزمنية التي ساد فيها. فحقوق العباد لا تذهب بالتقادم مهما كانت سطوة الظالم وجبروته.

والأكثر غرابة من ذلك (نحن نرى) أن تجد بعض هؤلاء يلعنون الفساد (ويشتكون الظالم) إن هم لم يأخذوا منه كما أخذ منه غيرهم، فلا يتوانون حينئذ أن يسطروا مظلمتهم التي سترى بين سطورها نبرة الشكوى، وتشعر بمرارة الألم الذي يعتصر قلوبهم، لأنهم لم ينالوا ما يكفي من تلك الامتيازات الفئوية، فيأتي خطابهم للآخرين بلهجة المظلوم الذي ينشد حقه لأنه لا حول له ولا قوة على من ظلمة وسلبه شيء من مكتسباته. لكني لن أتوانى أن أسأل هؤلاء جميعا سؤالا واحد: هل فعلا أنتم مظلومين (مفعول به) أم أنتم الظالمون (فاعل)؟

نعم، انتم مظلومين (مفعول به) مقارنة بشركائكم الآخرين في الجريمة، لأنكم ببساطة لم تنالوا ما يكفي من الكعكة كما نالوا هم منها. لكن دعني أقولها لكم – بملء الفيه- بأنكم لا محالة أنتم الظالمون (فاعل) لو أنكم قارنتم أنفسكم بشركائكم الآخرين في الوطن. فها أنتم الآن تشعرون بما يشعر به أبناء الوطن تجاهكم وتجاه شركائكم الآخرين الذين استفادوا من هذه الاستثناءات. هل يمكن أن تشعروا لحظة واحدة بشعور الأب الذي حصل ابنه على معدل في الثانوية العامة أعلى من معدل أبنائكم ولم تتح له فرصة الحصول على مقعد مماثل في الجامعة كأبنائكم؟ ما ذنب الطالب الذي اجتهد وحصل على معدل مرتفع جدا، فما استفاد من تلك الامتيازات، لا لشيء إلا لأن والده ليس من أبناء العاملين أو أبناء اصحاب الاستثناءات الأخرى؟ أليس المقعد الجامعي من حق من حصل على المعدل الأعلى؟ هل العلم سيحابى أبناء الطبقة المخملية ويعاند أبناء الكادحين المقهورين؟ من يدري!

السؤال: هل نحارب الفساد إذا كنا غير مستفيدين منه ونسكت عليه إن كنا نحن من يتمتع به؟ ماذا ستكون – مثلا- ردة فعل أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة تجاه التعينات في الهئيات المستقلة والوزارات السيادية والمناصب العليا لو خرج علينا اليوم رئيسنا المكلف بقراره الجرئي التالي (لا يستفيد من هذه المناصب كلها أبناء أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة، الخ)؟ ألن يخرج هؤلاء غاضبين مزمجرين بأن مثل هذه القرارات غير دستورية لأنها لا تعامل أبناء الوطن الواحد معاملة متساوية في الحقوق والواجبات؟ إذن، لماذا يسكت هؤلاء على هذا الفساد غير أنهم هم المستفيدون منه؟!

نعم، لا أتردد أن أقول لهؤلاء وأمثالهم: ما لكم تضخمون قضيتكم مادامت تجلب لكم المصلحة؟ ولم تنسون (أو تتناسون) قضايا غيركم لأنها لا تعنيكم؟ ما لكم تظهرون مظلوميتكم وتغفلون (أو تتغافلون) عن مظلوميات الآخرين؟ لم تحاولون أن تصوروا أنفسكم مظلومين وفي الوقت ذاته تتغافلون أنكم ظالمون بحق غيركم؟ ألم يأن الأوان أن ترجعوا إلى أنفسكم وتقرون بظلمكم لغيركم؟

فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ

وربما ينكص البعض على أعقابهم ليريد قائلا بأن هذا من حقي لأني خدمت الجامعة فترة طويلة من الزمن، أقول له: لا ياسيدي ذلك ليس حقك، لأنك سلبته من شخص هو من كان حقا له. إن جل حقك على الجامعة هو أن تدفع عنك جامعتك التي تخدم تكلفة دراسة ابنك شريطة أن يكون قد تنافس بعدالة مع كل أقرانه على مساحة الوطن كله. فحقك على الجامعة أن تعينك مادياـ لكن ليس من حق الجامعة أن تسلب المقعد الذي كان من حق ابن المزارع او ابن التاجر او ابن عامل الوطن لتعطيه لإبنك.

هل يمكن لك ياسيدي أن تتخيل مقدار الحنق – مثلا- لدى ابن عامل الوطن الذي تحصل على معدل 97% ولم يحصل على مقعد في كلية الطب وهو يرى داخل أسوار الجامعة ابنك الذي تحصل على معدل 92% يدرس في كلية الطب لا لشيء إلا لأنه ابن أحد العاملين في الجامعة؟ أليس هو الشعور ذاته عندما تجد الوزير الذي كان معارضا وأصبح مقربا يدخل أبنه في السلك الدبلوماسي منذ اليوم الأول لتخرجه في الجامعة ويبقى ابنك بعد تخرجة يتسكع (hanging out) في المقاهي وعلى جنبات الطرقات لسنوات وسنوات؟ ألم نصل إلى مرحلة أن منبر الخطابة في يوم الجمعة وقداس الأحد قد حُجز لأبناء فضيلتهما ليلقوا على رؤوسنا دروسهم التي ستدخلنا جنات تجري من تحتها الأنهار؟!

وفي النهاية، أنا شو دخلني، مهوه كلنا فاسدين جينيا. قال تعالى:الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)

ملحقات

(1): قصّيير: هي مهنة من أعمال الإنشاءات، وهو العامل الماهر الذي يقوم بتسوية الجدران (وحتى السقف) على الاستقامة واخفاء العيوب والتشوهات في البناء، فتصبح للناظر ملساء بفعل الطين الناعم.

(2) صبي قصير: هو عامل غير ماهر، يعمل على مناولة القصير (العامل الماهر) بالطين اللازم لتسوية الجدران
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير