التعليم العالي..استراتيجية التطوير برؤية ملكية!!

التعليم العالي..استراتيجية التطوير برؤية ملكية!!
د. خلف الطاهات
تخطو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخطى ثابتة لتنفيذ استراتيجية رباعية المحاور، تستلهم من التوجيهات الملكية السامية خطوطها العريضة لوضعها موضع التنفيذ بالتشارك مع المؤسسات التعليمية المعنية، بما ينعكس على مخرجات التعليم العالي الذي يواجه تحديات غير مسبوقة فرضتها جائحة كورونا شكلا ومضمونا.

ويتعلق المحور الاول من الاستراتيجية بدمج التعليم الالكتروني وجعله جزءا من العملية التعليمية، فالتعليم الالكتروني خطوة تاخرت كثيرا لطالما الاردن يعتبر من اكثر الدول نسبة في التعليم و يركز على التخصصات التقنية والحاسوبية وهندسة الشبكات والمعلومات، لكن خلال الفترة الماضية تعامل الاردن مع التعليم عن بعد كخيار استراتيجي وواقع لا مفر عنه او منه في ظل تداعيات جائحة كورونا التي عطلت المرافق العامة والمؤسسات في كثير من دول العالم بما فيها الجامعات والمعاهد.

ترتكز استراتيجيةمجلس التعليم العالي في عملية دمج التعليم الالكتروني ليصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة التعليمية ورديفا حقيقيا لها لا بديلا عنها. فلم يعد مقبولا تعطيل العملية التعليمية لاي سببب كان سيما وان الاردن ظروفه وتحدياته لم تهدأ منذ تاسيسه في اقليم مضطرب وملتهب ومتقلب الظروف والاحوال السياسية في المنطقة، فكان على صانع القرارممثلا في مجلس التعليم العالي ان يفكر بطريقة خلاقة بان يحول مثل هذه التحديات التي تعصف من حولنا الى فرص نجاح وانطلاق جديد الى افاق المستقبل، بدلا من الاستكانة الى الحالات الطارئة والسلبية في الاستجابة عبر تعطيل الجامعات كما كان يحصل عند كل ازمة في السابق.

لاشك ان هذا الدمج يستدعي من التعليم العالي وفريقها المتخصص من كبار الخبراء والاساتذة والاستشاريين الى التاكد من جاهزية البنى التحتية للجامعات، والطاقة الاستيعابية للشبكات الالكترونية، ومستوى وكفاءة الربط وفاعلية حزم الانترنت وقدرة الطلبة في الوصول الى محتوى الكتروني قادر على تحقيق مخرجات العملية التعليمية بكفاءة واقتدار. لذا لا غرابة ان نقرا في الاعلام ان اول زيارات قام بها وزير التعليم العالي الدكتور محمد ابو قديس لحظة تولية موقعه الوزاري هي الى مراكز التعليم الالكتروني في جامعتي اليرموك والطفيلة التقنية للاطمئنان والتاكد من جاهزية هذه المراكز في الجامعات الاردنية لتعزيز فرص نجاح دمج التعليم الالكتروني.

والمحور الثاني الذي تسعى الوزارة الى مراجعته جديا هو تطوير الخطط والبرامج الدراسية بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل. وحتى لا تبقى الامور في دائرة التنظير والتسويف، فقد باشرت عمليا لجنة متخصصة بوزارة التعليم العالي مهامها لاعادة النظر في متطلبات الجامعة.

ان البيئة التعليمية اليوم لا يجب ان تكون معزولة عما يطلبه او يحتاجه سوق العمل سواء المحلي او الاقليمي والدولي. فمخرجات الجامعات الاردنية هي الراس مال الحقيقي للدولة الاردنية وثروتها التي استطاعت تسويق المعرفة وسمعة الجامعات والتعليم الاردني الى الخارج حينما كانت الخطط والبرامج الجامعية تراعي متطلبات سوق العمل من حيث نوعية الخريج المطلوب للقطاعات المختلفة، وما هي المهارات والقدرات وطيعة المعرفة الواجب اعداد وتاهيل الطالب ليتمكن منها خلال سنوات دراسته الجامعية.

اليوم يقف مجلس التعليم العالي وبجدية كبيرة وارادة عالية وبخطى ثابتة وبالتعاون مع الجامعات وبالشراكة مع القطاع الخاص وغيرها من الجهات لمراجعة ابرز مقترحات الخطط القائمة ونوعية البرامج الاكاديمية ودراسة الحاجة لتحديثها او تعديلها لتواكب مستجدات العلم والمعرفة في المجالات الصناعية والاقتصادية والتكنولوجية والطبية وغيرها.

ولان الخطط الدراسية هي اساس انتاج صناعة وبناء فكر الانسان، فان مجلس التعليم العالي حرص ايضا على في استراتيجيتها على الا تغفل الخطط الدراسية في مضامينها اهم المهارات المشتركة التي يحتاجها سوق العمل ويتوقع توفرها عند كل خرج ومنها مهارات اللغة الانجليزية، القيادة، المسؤولية الاجتماعية، الريادة والابتكار، الى جانب مهارات ادارية.

واما المحور الثالث لهذه الاستراتيجية فانه يركز بصورة واضحة على المساءلة والشفافية وتقييم القيادات الجامعية وليس فقط رؤوساء الجامعات. حاليا تئن الجامعات من وطأة تحديات عديدة متداخلة ومتشابكة وبعضها متراكمه ناجم عن اخطاء بعض اداراتها وضعف قراراتها وغياب الرؤية لجامعة المستقبل ما جعلها جامعات منكمشة غير قادرة على تطوير قدراتها وتعزيز مواردها وغير فاعلة على قيادة مشهد التغيير في المجتمع كما كانت عند تاسيسها، فاصبحت في كثير منها مؤسسات فارغة الا من مبانيها وهياكلها وقررات لا تصب في خدمة دور الجامعة في مجتمعاتها. ومن الواضح ان استراتيجية الوزارة لامست وبقوة هذا الخلل في جانب غياب تقييم القيادات الجامعية، ويعمل مجلس التعليم العالي ضمن استراتيجيته الى تجاوز مفهوم القيادة التقليدية في الجامعات الى استراتيجية تؤمن بالقيادة الابداعية تضع الرؤى القابلة للقياس والتنفيذ، وتنطلق من قوقعة المكان وجمود الزمان الى قيادة المشاركة والتفاعل والاشتباك، والى قيادة تعزز ثقافة المؤسسية والعطاء والتحفيز، وصولا الى قيادة شفافية الاداء والاتصال الفعال والثقة المتبادلة والانفتاح الداخلي والعالمي، ومن ادارة الاستسلام للازمات والانقياد لها الى ادارة استثمار الازمات وتحويل التحديات الى فرص ابداعية وانتاجية.

ولان البحث العلمي ومشاريعه هي من ابجديات دور ورسالة الجامعات، فقد اولت الاستراتيجية هذا المحور جل اهتمام وتوجيهه بما يخدم الاولويات الوطنية، بحيث لا يقتصر دور البحث العلمي هي عبارة عن ارقام واحصائيات توضع على قائمة الانتاج العلمي للاكاديمي لاغراض الترقية، بل وسيلة علمية فاعلة ومؤثرة لتقديم حلول ومقترحات للقضايا التي تعاني منها مجتمعاتنا بمختلف مجالاتها.

لم يعد مقبولا ونحن على اعتاب دخول المئوية الثانية للدولة الاردنية ان تبقى جامعاتنا تراوح مكانها في سمعة الجامعات في المنطقة والعالم. لذا من المامول ان تحدث هذه الاستراتيجية
 
تابعوا الوقائع على