الرؤية الملكية والمتقاعدون العسكريون وتأسيس دور تنموي جديد

الرؤية الملكية والمتقاعدون العسكريون وتأسيس دور تنموي جديد
الوقائع الإخبارية: يشبه الجيش العربي المنظومة الأردنية في كل شيء، ويشكل حالة لا تشبه أي بلد عربي آخر، فعلى المستوى السياسي يمتلك الأردن تجربة ديمقراطية عريقة لم تكن سائدة في الأنظمة الملكية العربية، ولم يسجل في تاريخه ميلاً للتعسف والاستبداد كما سجلته العديد من التجارب الجمهورية، وكذلك الجيش، فهو جيش كبير وعلى قدر كبير من الجاهزية والفاعلية، ومع ذلك لم يتحول الجيش إلى مصدر قلق سياسي ولم يسلك أي طريق استحواذي في تاريخه، ولمرجعية مؤسسة العرش في الدولة الأردنية الدور الأساسي في المحافظة على خصوصية التجربة الأردنية.

الحديث عن المتقاعدين العسكريين يرتبط نوعاً ما بالجيش العربي وعقيدته وفلسفته التي تقوم على الالتزام بالقضايا الوطنية والقومية بكل اتزان واحترافية، ولذلك فإن الجيش لم يكن مصدراً للارتزاق أو لاعباً اقتصادياً، والمتقاعدون حتى في الرتب العالية لا يمتلكون عادةً سوى تقاعدهم العسكري ومزايا محدودة نسبياً ترتبط بمدة الخدمة والرتبة، ولم يطالب الجيش بمزايا إضافية أو استثنائية على الرغم من الدور الكبير الذي أداه في مرحلة تأسيس الدولة الأردنية، حيث كان الجيش مدرسة كبيرة تشارك في صياغة الهوية الوطنية ورفد مؤسسات الدولة بالكفاءات والمهارات المطلوبة.

احتفظ الأردن خلال السنوات الماضية بتعداد للعسكريين العاملين يدور حول مئة ألف فرد، ونحو 50 ألفاً في الأجهزة الأمنية، ونظراً لطبيعة الواجبات والمهام والاستنفار العسكري والأمني فمن الطبيعي وجود مدى معقول للخدمة العسكرية والأمنية في حدود العشرين عاماً يعود بعدها الأفراد إلى حياتهم الطبيعية ويواجهون مجموعة من التحديات بعضها يشمل جميع الأردنيين، وبعضها الآخر يخصهم بوصفهم فئة من المجتمع تتطلع للاستمرار في الإنتاج لسنوات أخرى لأن لديها الكثير لتعطيه وتبذله من أجل الوطن.

البرنامج في أحد محاوره يركز على جزئية بالغة الأهمية، ولكنها لم تحظ بالنقاش اللازم على المستوى المجتمعي لأن آثارها تتبدى في المدى المتوسط والبعيد، وهذه الجزئية ترتبط بالعمل على تدريب المتقاعدين من مهارات مطلوبة في السوق، وهو ما سيوفر إمداداً مهماً لسوق العمل الأردني على مستوى المهن، ومعه خزان بشري للمشاريع التنموية مثل المشاريع الصغيرة، فالمتقاعد العسكري بخبرته في الحياة هو الشخص المرشح لأن يتقدم لمشاريع التطوير الزراعي في وادي عربة وغيرها من المناطق، وعندما يتمكن بكل انضباطه وكفاءته من تأسيس الأرضية المناسبة فإن عشرات الآلاف من الشباب سيتبعونه إلى هذه المناطق، وهذه المقاربة أكثر واقعية من التعويل على الشباب الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية في الحياة للتصدي لمتطلبات مشاريع استراتيجية كبرى.

كانت المئوية الأولى من تاريخ الأردن شهدت دوراً ملموساً لمتقاعدي الجيش العربي وخريجي مدرسته الوطنية والقتالية في تحقيق التنمية المرتبطة بالبناء والتأسيس، ويمكن للمتقاعدين على مشارف المئوية الثانية أن يقدموا دوراً مشابهاً لتحقيق التنمية المرتبطة بالمنعة والاستدامة.


تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير