الزراعات الزيتية بالمغرب.. فرص مهدورة وإمكانات واعدة يهددها الجفاف

الزراعات الزيتية بالمغرب.. فرص مهدورة وإمكانات واعدة يهددها الجفاف
الوقائع الاخبارية : شهدت أسعار الزيوت بالمغرب، خلال العامين الأخيرين، ارتفاعات متتالية، وصفتها جمعيات حماية المستهلك بـ "المهولة" (ارتفع سعر القارورة عبوة 5 لترات من الزيوت النباتية بحوالي 27 درهما (3 دولارات).

وحسب تقرير لمجلس المنافسة، يتكلف المغرب من استيراد الزيوت النباتية الخام "فاتورة باهظة" تصل سنويا 4 مليارات إلى 9 مليارات درهم (الدرهم يساوي 0.11 دولار).

في حين تحتوي أراضي المملكة على إمكانات فيما يخص إنتاج الحبوب الزيتية، التي قد تصل إلى 600 ألف هكتار مساحة يمكن تعبئتها في زراعة عباد الشمس والسلجم (الكولزا).

فما واقع الزراعة والصناعة الزيتية؟ وهل يخفف المغرب من تبعيته للسوق الدولية في مادة حيوية عبر رفع إنتاج الحبوب الزيتية محليا؟

إنتاج ضعيف
من منطقة الشاوية بجهة الدار البيضاء، حدثنا المنتج عز الدين براحلي (في العقد السادس من العمر) عن واقع الزراعات الزيتية.

وقال براحلي، الذي يشغل حاليا منصب مستشار زراعي وكاتب عام جمعية منتجي النباتات الزيتية بجهة الدار البيضاء- السطات، في حديث مع الجزيرة نت، إن المغرب لا ينتج إلا القليل جدا من الزراعات الزيتية. علما بأن السلسلة مهمة وإستراتيجية، إذ تمكن من إنتاج الزيوت و"التورتو" الذي يعد مصدرا للبروتين المخصص لعلف الحيوانات.

وحسب خلاصات تقرير مجلس المنافسة فإن الإنتاج الزراعي من الحبوب الزيتية شبه منعدم، إذ إن حاجيات البلاد من المواد الأولية الزيتية يتم استيرادها تقريبا بالكامل بنسبة 98.7% من السوق الدولية على شكل زيوت نباتية خام بالأساس، وتساهم الحبوب الزيتية المنتجة محليا بنسبة 1.3% فقط.

وحكى براحلي -الذي اشتغل سابقا في إطار برامج متعددة للزراعات الزيتية التي عرفتها المملكة منذ ثمانينيات القرن الماضي، كيف شهدت الزراعة تطورا وإسهاما في تغطية حاجياتها من الحبوب الزيتية في وقت سابق.

وبلغت مساحة زراعة عباد الشمس بين أواسط الثمانينيات وبداية التسعينيات 200 ألف هكتار، وبلغ إنتاج هذه الحبوب أكثر من 160 ألف طن، بفضل تدخل الدولة على مستوى تأمين سعر بيع الحبوب الزيتية وضمان تسويق الإنتاج بالنسبة للفلاحين.

وابتداء من عام 1994 تراجعت مساحة الحبوب الزيتية، بسبب الجفاف، إضافة إلى سياسة تحرير قطاع إنتاج الحبوب الزيتية وإنتاج زيوت المائدة.

عام 2013 وقعت وزارة الزراعة برنامجا مع الفدرالية البيمهنية للحبوب الزيتية (تجمع مهني يضم المنتجين والمصنعين) يمتد من عام 2013 الى 2020، عُبئت له استثمارات بقيمة 421 مليون درهم منها 117 مليونا مقدمة من طرف الدولة، وبقيت الإنجازات أقل بكثير من الأهداف التي تم تسطيرها، حسب ملاحظين.

وحسب معطيات وزارة الزراعة، تتمركز الزراعات الزيتية، خاصة دوار الشمس والسلجم، بشكل خاص في جهة الرباط- سلا- القنيطرة وجهة فاس- مكناس. ويتم تطوير زراعة السلجم على مستوى جهة الدار البيضاء- سطات، وبني ملال- خنيفرة.

برنامج جديد وطموح متجدد
يوصي مجلس المنافسة ومختلف الفاعلين في قطاع الزيوت بتنمية الزراعات الوطنية من السلجم الزيتي وعباد الشمس معتبرين أنها تمكن من تخفيف التبعية للواردات وتحسين توازن الميزان التجاري وتقوية النشاط الاقتصادي، والتخفيف من تأثير الأسعار على ميزانيات الأسر.

وقد اقترح المجلس تمديد الإجراءات المتعلقة بعقد برنامج الدولة السابق (2013/2020).

وتسعى إستراتيجية "الجيل الأخضر" إلى زراعة 80 ألف هكتار بالنباتات الزيتية، منها 30 ألفا من الكولزا و50 ألفا من عباد الشمس، بحلول عام 2030، بهدف تلبية نسبة 15% من حاجيات السوق المحلية.

ويساهم برنامج "مغرب أوليجينو" الممول من الاتحاد الأوروبي في تنمية قطاع النباتات الزيتية، بتعاون مع المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية والفدرالية المهنية للنباتات الزيتية، من خلال تدريب الفاعلين بهذا القطاع.

شبح الجفاف
يقول عبد الله دهدي الخبير بالمجال الزراعي، في حديث مع الجزيرة نت، إن التوسيع من الزراعات الزيتية برنامج طموح، مشيرا إلى أن الإشكال ليس في البرامج (حيث توالت البرامج المهتمة بالقطاع) لكن الأهداف لم تتحقق، وأوضح أن التغيرات المناخية تعد عائقا حقيقيا ما لم تتغير عادات المزارعين عبر اعتماد تقنيات تتكيف مع الجفاف الذي أصبح مشكلا هيكليا.

واعتبر الخبير الزراعي أن الفرص بالمساحات متوفرة، لكن تحدي التغيرات المناخية يجعل الفرص تنحصر في الغرب والسايس والشمال، وهذا يحقق أهداف أقل، وقال دهدي في حالة دعم الفلاح لتغيير التقنيات يمكن أن نحقق إنتاجا محليا مهما.

وهذا ما عبر عنه المزارع والمنتج عز الدين برحالي بالقول إن المزارعين مستعدون لتنمية المساحات، وقد راكموا خبرة من أجل ذلك، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار تحديات الإنتاج، مع دعم مدخلات الإنتاج (البذور والمبيدات، السماد..) وعدم تهميش الفلاح وتمكينه من الدعم التقني اللازم.

سوق مركزية والاكتفاء بالتصفية
يحتوي المغرب على وحدتيْ تحويل و5 مصافٍ، وتعتبر سوق زيوت المائدة محررة بالكامل، وتهيمن على صناعة الزيوت تصفية الزيوت النباتية الخام المستوردة من الخارج على قطاع استخلاص الزيوت النباتية الخام، انطلاقا من الحبوب الزيتية، وبالتالي عدم استغلال الطاقة الإنتاجية المتوفرة.

ويعتبر الاتحاد الأوربي أكبر مزود للمغرب من الزيوت النباتية الخام بنسبة 54%، تليه الأرجنتين لما يقارب 34% ثم الولايات المتحدة 7%.

ويوجه 90% من الإنتاج المحلي من الزيوت المصفاة نحو الاستهلاك المحلي، وتتوجه 10% نحو التصدير، ويمثل استهلاك الأسر 73% من الإنتاج الوطني، في حين يمثل استهلاك الشركات العاملة بقطاع الصناعات الغذائية 17%.
ويبلغ الاستهلاك الفردي من زيوت المائدة 15 كيلوغراما في السنة.

وتصل قيمة معاملات سوق زيوت المائدة نحو 6 مليارات، وتحتكر السوق 4 شركات (لوسيور كريستال وهي فرع المجموعة الفرنسية أفريل، معال الزيوت بسوس بلحسن، شركة سيوف، صافولا المغرب فرع شركة صافولا السعودية).

وحسب مجلس المنافسة المغربي فإن بنية سوق زيوت المائدة تعرف مستوى تركيز كبير، إذ إن الشركة الرائدة لوسيور كريستال تستحوذ لوحدها على 45-50% من حصة السوق الإجمالية، وتبلغ الحصة السوقية التراكمية لكل من شركة لوسيور كريستال وشركة معامل الزيوت بسوس بلحسن نسبة 80% من رقم معاملات السوق الإجمالية.

وتصل الحصة التراكمية للشركات الثلاث الأولى (لوسيور كريستال، معامل الزيوت بسوس بلحسين، صافولا) نسبة 95%، مما يجعل دينامية الابتكار والمنافسة داخل سوق زيوت المائدة على الصعيد الوطني ضعيفة، بالنظر لاستقرار مستوى العرض والطلب في سوق زيوت المائدة بالمملكة.

جدل ارتفاع الأسعار
وخلص مجلس المنافسة المغربي إلى أن الزيادات التي عرفتها أسعار زيوت المائدة بالسوق المغربية ترجع من جهة لأوجه القصور الهيكلية التي تميز سلسلة القيمة المرتبطة بالزراعات الزيتية، وإنتاج زيوت المائدة. ومن جهة أخرى، لعناصر ظرفية مقترنة بتقلبات أسعار المواد الأولية الزيتية بالسوق الدولية وكذلك للارتفاعات التي عرفتها تكاليف الطاقة ونقل السلع على المستوى الدولي، بالإضافة لاعتماد شبكة توزيع تقليدية.

يقول بوعزة الخراطي عن جمعيات حماية المستهلك، في حديث مع الجزيرة نت، إن المستهلك في انتظار تطبيق توصيات مجلس المنافسة، وفي انتظار رد الفعل من طرف الحكومة، لإصلاح الخلل الذي شهدته سوق الزيوت.

وسجل المتحدث ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة على الزيوت والتي تصل إلى 10%، وتعدد وسطاء التوزيع، وغياب المنافسة.

وقال "نطالب الحكومة بتخفيض القيمة المضافة، والتحكم في التوزيع الذي يشهد فوضى عارمة في مختلف القطاعات، وضرورة تدخل وزارة التجارة للتحكم في مستوى التوزيع، ونطالب باحترام المنافسة".

وشدد الخراطي على ضرورة تنزيل مضامين الخطاب الملكي الذي أكد على اعتماد سياسة إستراتيجية في المواد الأساسية لضمان الأمن الغذائي والطاقي، واعتبر أن الفاعلين بالقطاع لم يكونوا في المستوى المطلوب.

وفي سياق متصل، رفض تجار التوزيع اتهامهم من قبل مجلس المنافسة بالمساهمة في ارتفاع الأسعار، وأكد الطاهر أبو الفرح (رئيس جمعية النهضة للتجار بولاية الدار البيضاء) أن هامش الربح لدى التجار والموزعين لا يتغير سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت، مشددا على أن ارتفاع السعر من المصدر ومن الشركات المصنعة والسوق الدولية.

وحسب مندوبية التخطيط فإن من المرتقب أن تشهد أسعار الاستهلاك زيادة تقدر بـ 2.4% حسب التغير السنوي، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي يرجع إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية الغذائية، خاصة الزيوت النباتية والحبوب.




تابعوا الوقائع على