بنديكت كمبرباتش.. هرب من أرستقراطية العائلة واحترف الأدوار التاريخية
الوقائع الاخبارية : عرفه الجمهور منذ قيامه بدور شيرلوك هولمز بالمسلسل البريطاني الشهير الذي حمل اسم هذه الشخصية، ثم سريعًا ما سطع بدور شهير آخر وهو دكتور سترينغ في سلسلة أفلام مارفيل، لكن قبل تلك الأدوار الشعبية -وبعدها- قدم بنديكت كمبرباتش العديد من الأعمال الأخرى المسرحية والتلفزيونية والسينمائية التي تضعه بين أهم نجوم جيله وأكثرهم موهبة، وليس فقط ممثلًا جماهيريًا يلعب دورًا كبيرًا في أفلام الأبطال الخارقين.
خاض كمبرباتش رحلة طويلة لتحقيق طموحه في التمثيل، بداية من الأدوار الصغيرة بالمسرحيات المدرسية، وحتى دراسة الدراما والمسرح والتلفزيون، وأصبح ابن انجلترا الأرستقراطي واحدا من أهم نجوم السينما العالميين، وقد ترشح للأوسكار من قبل وفاز بجائزتي بافتا وبرايم تايم إيمي.
من المدرسة إلى الهند
وُلد بنديكت تيموثي كارلتون كمبرباتش عام 1976 لأبوين ممثلين، وهو حفيد لعدة شخصيات بارزة بالمجتمع الراقي اللندني، وتلقى تعليمه في مدرسة داخلية خاصة، وبها بدأ التمثيل منذ طفولته في مسرحيات شكسبير الكلاسيكية، ووصفه أحد أساتذة الدراما بأنه أفضل تلميذ ممثل عمل معه على الإطلاق، ولكن في ذات الوقت حذره من مهنة التمثيل الشاقة للغاية.
لكنه لم يبدأ رحلته في دراسة التمثيل، كما توقع أستاذه، بعد أن أنهى دراسته الثانوية، فقد ترك إنجلترا ورحل إلى الهند ليتطوع لمدة عام كامل كمدرس للغة الإنجليزية في دير، وبعد عودته التحق بجامعة فيكتوريا لدراسة الدراما، وواصل تدريبه كممثل في أكاديمية لندن للموسيقى والفنون المسرحية ثم تخرج بدرجة الماجستير في التمثيل الكلاسيكي.
التبرؤ من اسمه الأرستقراطي
منذ الـ 22 من عمره لعب كمبرباتش أدوارا في عشرات المسرحيات ليرشح لجائزة أوليفيه، وفي البداية استخدم اسم والده كارلتون بديلًا عن اسمه المختلف للغاية حتى بالنسبة للمجتمع الإنجليزي، لكن أحد أساتذته نصحه باستخدامه، الأمر الذي جذب إليه الأنظار، وجعله متميزًا بين باقي زملائه من الممثلين، خاصة مع صوته الرنان القوي الذي جعله يصلح للأدوار في المسرحيات التاريخية، وقد أهلته لكنته البرجوازية لتقديم أدوار الطبقة العليا الإنجليزية، واستمر هذا التمييز معه بعد ذلك عند انتقاله إلى هوليود.
حقق نجاحات معقولة في هذا المسار، قبل أن يبدأ مع الألفية الجديدة مسارًا موازيًا عندما اتجه إلى السينما والتلفزيون، الأمر الذي غير مسيرته المهنية تمامًا.
منذ عام 2001 بدأ كمبرباتش في تمثيل الأدوار التلفزيونية الصغيرة في أعمال ظهر في بعضها صامتًا، حتى عام 2004 عندما قدم أول أدواره الرئيسية بالفيلم التلفزيوني "هوكينغ" (Hawking) الذي أدى فيه دور العالم ستيفن هوكينغ، وترشح عنه لجائزة بافتا التلفزيونية لأول مرة.
قدم بعده العديد من الأدوار التلفزيونية الكبيرة منها والصغيرة أحدها مع الممثل توم هاردي الذي اشتهر بعد ذلك، وترشح مرة أخرى لجائزة البافتا التلفزيونية عن دوره في المسلسل المقتبس عن عمل أدبي "جزيرة صغيرة" (Small Island).
وبالتوازي، عمل في السينما خاصة الدراما التاريخية، منها دوره في فيلم "كفارة" (Atonement) الذي جذب فيه أنظار النقاد بأدائه الشخصية الشريرة التي تسببت في دمار حياة الأبطال، قدم بعد ذلك دور صديق العالم الشهير تشارلز داروين بفيلم السيرة "خلق" (Creation) حول حياة الأخير.
عاد بعد ذلك للتلفزيون لتقديم دور فنسنت فان جوخ في الفيلم "فان جوخ: مرسوم بالكلمات" (Van Gogh: Painted with Word) عام 2010 ليبدأ بعد هذا الدور المميز مرحلة مختلفة في حياته.
كلمة السر هولمز
عام 2010 كان البداية لمرحلة الجماهيرية في مسيرة كمبرباتش حيث تحول من الممثل الإنجليزي الذي يقدم أدوارا تاريخية وشخصيات حقيقية إلى واحد من أكثر الممثلين شعبية بالسينما والتلفزيون، وذلك عندما قدم شخصية شيرلوك هولمز في ثوب جديد على قناة "بي بي سي" BBC عبر مسلسل "شيرلوك" (Sherlock) المقتبس من قصص السير آرثر كونان دويل الكلاسيكية الشهيرة.
وقد غير هذا الاقتباس من زمن أحداث القصص، فبدل وقوعها بالعصر الفيكتوري انتقلت إلى القرن الـ 21، لنشاهد نسخة أحدث وأكثر جدية من أي شيرلوك قُدم من قبل على الشاشة، وحصل على جائزة إيمي عام 2014 عن أدائه بالموسم الثالث من هذا المسلسل الذي استمر 4 مواسم آخرها عام 2017.
ورغم هذه الشعبية التلفزيونية الكبيرة عاد مرة أخرى للمسرح لتقديم رواية فرانكشتاين لماري شيللي، الأداء الذي حاز بسببه على عدد كبير من الجوائز المسرحية، منها جائزة أوليفيه.
هوليود والأوسكار
بهذا النجاح الكبير كان من المتوقع أن تجتذب هوليود الممثل البريطاني سريعًا، وبالفعل عام 2011 شارك في فيلم المخرج الكبير ستيفن سبيلبيرغ بعنوان "حصان الحرب" (War Horse) وبعده فيلم الخيال العلمي "ستار تريك في الظلام" (Star Trek into Darkness) ثم الفيلم الحائز على الجوائز "عبدًا لـ 12 عاما" (12 Years a Slave) وقد فطنت هوليود خلال هذه الفترة إلى القدرات الصوتية الهائلة لكمبرباتش، واستغلته في الأداء الصوتي لشخصية التنين سموغ في ثلاثية الهوبيت الشهيرة والعديد من الأدوار الصوتية الأخرى.
لهذه النقطة من مسيرته لم يترشح كمبرباتش لجائزة الأوسكار، ولكن الأمر تغير عام 2014 مع فيلم السيرة والدراما التاريخية "لعبة التزييف" (The Imitation Game) الذي قدم فيه دور العالم آلن تورينغ الذي غير مسار الحرب باكتشافه الشفرة السرية للجيش الألماني، وترشح عنه لأوسكار أفضل ممثل.
بطل مارفيل الفائق
هذه الرحلة التمثيلية التي امتلأت بالأدوار التاريخية الجادة، والكوميديا الإنجليزية اللاذعة ستأخذ منعطفًا كبيرًا عام 2016، عندما دلف كمبرباتش إلى عالم مارفل السينمائي بدور الساحر دكتور سترينغ، والذي قدمه لأول مرة في فيلم بذات الاسم، ثم أعاد تقديمه بأعمال تالية للسلسلة، آخرها الفيلم الأعلى إيرادًا عام 2021 ومنذ بداية فيروس كورونا "سبايدرمان لا طريق للمنزل" (Spiderman No way Home)، وينتظر عودته بالجزء الثالث من أفلام دكتور سترينغ هذا العام كذلك.
وعلى عكس الكثير من الممثلين الذين قدموا أدوار أبطال مارفيل التي جلبت لهم الشهرة، فإن كمبرباتش وصل إلى سلسلة الأفلام هذه وهو محمل بخبرة كبيرة، ومسيرة تلفزيونية ومسرحية وسينمائية طويلة، لذلك لم تكن مارفيل سوى مرحلة فقط في مسيرته بالتوازي مع الأعمال الأخرى.
ففي عام 2021، قدم 4 أفلام سينمائية مختلفة ومتنوعة للغاية، أحدها مقتبس من قصة حقيقية حول السجين الموريتاني الذي سجن ظلمًا في غوانتانامو بعنوان "الموريتاني" (The Mauritanian) الذي شارك في إنتاجه.
وفيلم سيرة ودراما تاريخية حول شخصية الرسام لوي لين المصاب بالفصام، وقد حقق نجاحًا باهرًا لم يستطع تحويله إلى مال فعاش ومات فقيرًا بعنوان "الحياة الكهربائية للويس وين" (The Electrical Life of Louis Wain).
وعاد لدور دكتور سترينغ مع سبايدرمان، ثم أخيرًا أهم أدواره هذا العام بفيلم "قوة الكلب" (The Power Of The Dog) للمخرجة جين كامبيون، والذي ترشح عنه لجائزة غولدن غلوب، ومتوقع بشدة ترشحه عنه للأوسكار كمنافس حقيقي.
لكن هذا ليس سوى عام مزدهر في مسيرة كمبرباتش كأعوام سابقة وأعوام أخرى قادمة، ليثبت نفسه مرة بعد الأخرى كواحد من أكثر أبناء جيله موهبة ونشاطًا وتنوعًا.