بعد غياب 10 أعوام.. ما دلالة عودة مصر إلى مؤشر "جي بي مورغان"؟
الوقائع الاخبارية : في خطوة طال انتظارها، تكللت مساعي مصر للانضمام إلى مؤشر "جي بي مورغان" (JP Morgan) للسندات الحكومية بالأسواق الناشئة بالنجاح بعد 3 أعوام من المحاولات الحثيثة للعودة إلى المؤشر إثر خروجها منه في منتصف عام 2011، في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، حيث استطاعت تحقيق متطلبات البنك.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط، في بيان، إن مصر انضمت رسميا يوم الاثنين إلى المؤشر لتصبح واحدة من دولتين فقط بالشرق الأوسط وأفريقيا في مؤشر "جي بي مورغان"، معتبرا تلك الخطوة "شهادة ثقة جديدة من المستثمرين الأجانب على صلابة الاقتصاد المصري".
ورغم ترحيب الحكومة العريض والعديد من المؤسسات المالية وخبراء الاقتصاد والمحللين الماليين بعودة مصر مجددا إلى المؤشر الذي يتيح لها الوصول إلى أكبر عدد من المستثمرين الأجانب في أدوات الدين، فإن ذلك أثار مخاوف البعض من تكبيل البلاد بفاتورة باهظة من الديون الخارجية على حساب الأجيال المقبلة.
ما وجه الفائدة من مؤشر "جي بي مورغان"؟
من شأن إدراج مصر في المؤشر أن يساعدها على إطالة أجل استحقاق الديون المتراكمة بعوائد (فوائد) أقل تكلفة، ويسهل إصدار السندات بالعملة المحلية، ويعزز وصول المستثمرين الأجانب لشراء أدوات الدين السيادية، ومن ثم زيادة التدفقات الدولارية للبلاد في المستقبل، وفق البيان الحكومي.
تتوقع الحكومة المصرية الدخول بـ14 إصدارا بقيمة إجمالية قدرها 26 مليار دولار.
تتوقع الحكومة المصرية الدخول بإصدار السندات الخضراء بنسبة 1.18%.
جذب شريحة جديدة من المستثمرين الأجانب لزيادة الطلب على أدوات الدين.
رفع ثقة المؤسسات المالية الدولية، وتخفيض تكلفة الدين.
و"جي بي مورغان" شركة عالمية رائدة في مجال الخدمات المالية، تقدم حلولا لأهم الشركات والحكومات والمؤسسات في العالم في أكثر من 100 دولة، حسب موقع الشركة الإلكتروني على الإنترنت، وتتمتع الشركة بتاريخ ملتزم وطويل الأمد في خدمة العملاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي.
العودة للمؤشر
ومن أجل العودة إلى المؤشر، قامت الحكومة المصرية، حسب بيان وزارة المالية، بإطالة عمر الدين الحكومي وزيادة نسبة مشاركة المستثمرين الأجانب في الأدوات المالية الحكومية، فضلا عن تعديل الإجراءات المتبعة بشأن عدم الازدواج الضريبي وتطبيقه على المستثمرين الأجانب، بما يسهم في تطوير سوق أدوات الدين الحكومية المصرية، ومن ثم جذب شريحة جديدة من المستثمرين الأجانب لزيادة الطلب على أدوات الدين، ووضعها على الخريطة العالمية للمؤشرات، ورفع ثقة المؤسسات المالية الدولية، وتخفيض تكلفة الدين.
واتفق عدد كبير من خبراء الاقتصاد والمحللين الماليين على أن انضمام مصر إلى المؤشر يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية للدخول في سوق السندات المصرية، ومن ثم يزيد من قدرتها على إصدار سندات جديدة في الأسواق العالمية.
وأكدت مديرة المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، هدى الملاح، في تصريحات صحفية، أن ذلك الأمر سوف يسهم في ارتفاع القيمة الشرائية للجنيه المصري، ومن ثم زيادة الحصيلة الدولارية من التدفقات النقدية التي تدخل خزينة الدولة، وخفض الاستيراد من الخارج، وذلك يؤدي إلى انخفاض الأسعار وانخفاض معدل التضخم.
هل العود أحمد؟
العبرة ليست بالانضمام إلى المؤشر والحصول على شهادات ثقة من المؤسسات والمستثمرين الأجانب، وفق الخبير المالي بمؤسسة واشنطن آناليتيكا بالعاصمة الأميركية واشنطن شريف عثمان، إنما بطريقة تعامل الحكومة، العضو العائد بعد غياب امتد 10 سنوات، مع وجودها في مؤشر الأسواق الناشئة.
وأضاف، في تصريحات للجزيرة نت، أن هذه الخطوة تثير لعاب المستثمرين الأجانب أكثر منها شهادة ثقة للاقتصاد المصري، خاصة أن العائد المرتفع، الذي وصفته بلومبيرغ، في وقت سابق، بأعلى عائد حقيقي في العالم قد يكون هو الذي أقنع المؤشر بجدوى انضمام مصر.
لكن عثمان أكد في الوقت ذاته أن هذه الخطوة ستجلب تدفقات أجنبية جديدة إلى سوق الدين المحلية، ولكن المقترض القوي لا يدفع أعلى عائد (فائدة)، ولذلك يحرص البنك المركزي المصري على تثبيت سعر الجنيه أمام الدولار حتى لا يهرب المستثمر الأجنبي الذي قد يواجه خسائر فادحة عند تذبذب سعر الجنيه صعودا وهبوطا أمام العملات الصعبة.
شهادة ثقة أم حملة دعائية؟
يرى الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية مصطفى يوسف أن الحكومة المصرية تجيد "تنميق" البيانات والأرقام الاقتصادية، قائلا "تروّج الحكومة المصرية أن زيادة الاقتراض إنجاز اقتصادي، وفي الحقيقة إقبال المستثمر الأجنبي على شراء أدوات الدين بعائد مرتفع هو أمر سلبي وليس بإيجابي، فأي إيجابية في زيادة فاتورة الاقتراض والفوائد وتحميلها للأجيال المقبلة؟".
وطالب يوسف، في حديثه للجزيرة نت، بالتركيز على زيادة الإيرادات الدولارية بتشجيع الاستثمار في مجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا، وتحسين مستوى الخدمات السياحية واللوجستية لقناة السويس، والأهم من كل هذا رفع أيدي الدولة، بما فيها الجيش، عن الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بالعمل بحرية من دون مزاحمة حقيقية تفقد السوق المصري ميزته التنافسية، وأن تكون هناك شفافية في تداول المعلومات والبيانات.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة المصرية قدمت نفسها بأكثر من شكل ولون للحصول على مزيد من القروض، فتارة قدمت سندات خضراء، وتارة أخرى صكوكا إسلامية، وهكذا من دون خطط تنموية فاعلة على الأرض تسهم في زيادة الإنتاج المحلي والصادرات وتقليل الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري المصري، وهناك دول ومؤسسات مالية -مثل صندوق النقد الدولي- تروّج لأرقام الحكومة المصرية وتساعدها على التمادي في الاقتراض.
ورأى يوسف أن الحديث عن إطالة عمر الدين وتقليل تكلفة الاقتراض قد يتلاشى مع شروع الاحتياطي الفدرالي الأميركي في رفع الفائدة في مارس/آذار المقبل لمواجهة التضخم الكبير في البلاد، كما أنه سوف يغري الحكومة المصرية في الحصول على مزيد من القروض، ومن ثم فإن المكاسب التي تعلنها الحكومة هي مكاسب على ورق ولكن تكلفتها على أرض الواقع ستصبح باهظة وسوف ينخفض الجنيه مجددا أمام الدولار.
الدين يقلق الحكومة المصرية
وتقول الحكومة المصرية إنها تضع نصب أعينها تحقيق معدل نمو قدره 5.7%، وفائض أولي بنسبة 2%، وخفض العجز إلى 6.1%، والدين إلى أقل من 90% من الناتج المحلي في العام المالي 2022/2023، وتقليل نسبة خدمة الدين لإجمالي مصروفات الموازنة إلى أقل من 30% مقارنة بالمستهدف 31.5% في العام المالي 2021/2022.
كما تأمل الحكومة المصرية إطالة عمر الدين ليقترب من 5 سنوات على المدى المتوسط بدلًا من 3.4 سنوات حاليًّا، من خلال التوسع في إصدار السندات الحكومية المتنوعة المتوسطة والطويلة الأجل، واستهداف أدوات جديدة مثل الصكوك، وسندات التنمية المستدامة، والسندات الخضراء، بما يُسهم في توسيع قاعدة المستثمرين، وجذب سيولة إضافية لسوق الأوراق المالية الحكومية، على نحو يُساعد فى خفض تكلفة الدين.