تعريب قيادة الجيش العربي قرار حكيم

تعريب قيادة الجيش العربي قرار حكيم
الوقائع الاخبارية:بقلم الأستاذ الدكتور أحمد منصور الخصاونة

لقد كان قرار تعريب قيادة الجيش العربي الذي اتخذه جلالة المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه دون النظر إلى نتائجه في ذلك الوقت العصيب، بداية الانطلاقة القوية للجيش العربي على وحي من رسالة الثورة العربية الكبرى ونبل رسالتها، وعلى قاعدة من العلم والمعرفة ومسايرة العلوم العسكرية والتكنولوجيا، فتسارعت همم الهاشميين وأطلقت العنان لأبناء الجيش العربي لبناء مؤسستهم العسكرية الوطنية التي باتت مثالاً يُحتذى، ونبراساً لكل العرب، بما حققته من سمعة عالمية عزّ نظيرها.

وإن تعريب قيادة الجيش العربي هي قصة وطن وشجاعة قائد عز نظيرها في حقبة زمنية شهدت محطات مفصلية من عمر المملكة الأردنية الهاشمية، فالملك الشاب الذي لم يمض على توليه سلطاته الدستورية 3 سنوات استطاع بشجاعته وحكمته وقوة بصيرته إعادة ترتيب البيت الأردني، إذ عرف أن الجيش هو أساس الدولة وسر قوتها، ولقد أدرك المغفور له الحسين بن طلال بحسه الوطني والقومي وبعد نظره، أنه يستحيل على الجيش العربي أن يتطور أو يتقدم ما دامت قيادته من غير أبنائه المخلصين، وأنه لا يمكن أن يحتل مكانةً مرموقةً عربياً ودولياً، إلا إذا تخلّص من القيادة الأجنبية التي لا همّ لها ولا شأن لها في تسليحه وتدريبه وتطوير قدرات منتسبيه، فحينها عمل منذ الساعات الأولى لاعتلائه العرش على التفكير في استبدال القيادة الأجنبية بأخرى عربية وطنية تعمل على تطويره وتحديثه وتدريبه وفق أفضل المعايير الدولية للجيوش المتقدمة، ليكتب أبناؤه بعد ذلك، تاريخه المشرف ببطولاتهم العظيمة، وتضحياتهم الجسيمة على أرض فلسطين وغيرها من الأرض العربية، وفي شتى بقاع العالم رسولاً للمحبة والسلام.

ومع صباح يوم الخميس الأول من آذار عام 1956 أصدر جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه أمره لرئيس الديوان الملكي، ورغبته في عقد جلسة لمجلس الوزراء يرأسها بنفسه، ونفذ الأمر الملكي في الحال لتنتهي جلسة مجلس الوزراء الملكية بإصدار قرار يحمل الرقم (198) تقرر فيه إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني وترفيع الزعيم راضي حسن عناب من أبناء الجيش العربي الأردني لرتبة أمير لواء وتعيينه في منصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني ليكون أول قائد عسكري أردني يتسلم قيادة أركان الجيش العربي الأردني بعد عزل الجنرال الإنجليزي كلوب.

وقال جلالته في كتابه (مهنتي كملك): «ولما كنت خادماً للشعب فقد كان علي أن أعطي الأردنيين مزيداً من المسؤوليات، وكان واجبي أيضاً أن أقوي ثقتهم بأنفسهم وأن أرسخ في أذهانهم روح الكرامة والكبرياء القومي لتعزز قناعتهم بمستقبل الأردن وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، فالظروف والشروط كانت ملائمة لإعطائهم مكاناً أكثر أهمية في تدبير وإدارة شؤون بلادهم لا سيما الجيش، ولكن على الرغم من أن كلوب كان قائداً عاماً للجيش فلم يكن بمقدوره أن ينسى إخلاصه وولاءه لإنجلترا وهذا يفسر سيطرة لندن فيما يختص بشؤوننا العسكرية، وقد طلبت مراراً من الانجليز أن يدربوا مزيداً من الضباط الأردنيين القادرين على الارتقاء إلى الرتب العليا وكان البريطانيون يتجاهلون مطالبي»، وقد أثارت هذه التراكمات سخط جلالة الملك وزادت من إصراره على إنهاء خدمات القيادة الإنجليزية بأي شكل وأن هذا الأمر يجب أن يتحقق مهما كلف الثمن وبأقرب وقت وبلا تراجع، فجلالته كان على علم تام بما تخطط له القيادة الإنجليزية حول التخلي عن هذا للضباط الأردنيين ومتى يمكن أن تفكر بهذا الأمر.

ولقد كان قرار الحسين قراراً سيادياً بحتاً ويعتبر خطوة على المسار الصحيح لاستقلال الأردن من النفوذ الأجنبي ونقطة تحول هامة في تاريخ العرب الحديث ودافعاً قوياً للأردن للدفاع عن استقلاله وكرامته وحريته، وقد أتاح هذا القرار للأردن بسط سيادته السياسية على كل إقليم الدولة ومؤسساتها، وأعاد الهيبة للجيش والأمة بامتلاك حريتها، وصنع قرارها، بعيداً عن التهديدات والضغوطات التي كانت تمارس بحقها وأعطى الفرصة لأبناء الوطن لتولي المسؤولية والتدريب على القيادة العسكرية وخلق القادة من أبناء الأردن.

إن الجيش العربي وبفضل خطوة الحسين- رحمه الله - الجريئة، وجهود جلالته العظيمة، استطاع أن يتربع على قمة التميز والاحتراف، فسار بخُطى واثقة وخطط مدروسة جعلت منه جيشاً منظماً محترفاً منضبطاً حاز على إعجاب القاصي والداني، فصار موضع احترام وتقدير وهيبة، تتحدث عنه مراكز الدراسات والأبحاث في مجالات الدفاع والأمن في العالم، ما يجعلنا نفخر بإنجازاته منذ تعريب قيادته وإلى هذه اللحظة التي وصل فيها الجيش العربي في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مصاف الجيوش المتقدمة إعداداً وتسليحاً ليتناسب ذلك مع طبيعة التهديد أيّاً كان مصدره ومستواه وحجمه.

وعلى خطى جلالة الراحل الكبير المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه سار جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، ومنذ جلوسه على العرش في السابع من حزيران عام 1999 ظل ملتزماً بنهج والده الملك الحسين طيب الله ثراه، ومنذ ذلك التاريخ وقواتنا المسلحة الأردنية تحظى بالاهتمام الأكبر من حيث التسليح والتدريب والتأهيل، حيث شهدت القوات المسلحة التطور الكبير في صنوف الأسلحة المختلفة، ولقي الجيش العربي جل اهتمامه ورعايته حيث زود بمختلف الأسلحة والأجهزة المتطورة.

إن أسرة جامعة إربد الأهلية وأبناء وبنات ومؤسسات الوطن وهم يتفيأون ظلال ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي، يبتهلون إلى المولى عز وجل أن يشمل جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال بواسع رحمته ورضوانه، وسيذكرون دائماً صاحب القرار الشجاع والخطوة الجريئة التي كان لها كبير الأثر في بناء الجيش المصطفوي، ويعاهدون قائده الأعلى جلالة الملك عبدالله الثاني على أن يبقوا درع الأمة وأملها في الدفاع عن الحق وصون الكرامة، يعملون بكل ما أوتوا من قوة وعزم في سبيل الحفاظ على أمن واستقرار الوطن جنوداً أوفياء ورجالاً أقوياء ، يسيرون على ذات النهج وذات الطريق، سائلين العلي القدير أن يحفظ جلالة القائد الأعلى سنداً وذخراً للأمتين العربية والإسلامية، وأن يديم على الوطن نعمة الأمن والأمان.
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير