جوفاني أنطونيو كاناليتو.. موهبة فذة ولوحات بتفاصيل فوتوغرافية

جوفاني أنطونيو كاناليتو.. موهبة فذة ولوحات بتفاصيل فوتوغرافية
الوقائع الاخبارية : ولد الرسّام جيوفاني أنطونيو كانال، المعروف باسم كاناليتو، في البندقية يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 1697، وتوفيّ يوم 19 أبريل/نيسان 1768. وما بين هذين العامين قدم الإيطالي العملاق كاناليتو عشرات اللوحات البانورامية التي تشهد على موهبته الاستثنائية وقدراته الفريدة في التصوير والنقل.

رسم كاناليتو الكثير من المناظر الطبيعية بحكم شغفه بالطبيعة، إلا أن موهبته الفذة تجلت بشدة في أنه كان يرسم اللوحة كاملة بتفاصيل فوتوغرافية. وعلى إثر ذلك، اشتهرت لوحاته بتفاصيلها الدقيقة وصارت أعماله مفضلة للسياح من الدول الأوروبية الأخرى، حيث استطاعوا أخذ صورة شديدة الواقعية للبندقية لأهاليهم في الديار.

تجدر الإشارة هنا إلى أن إيطاليا في تلك الفترة، أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، كانت مركزا تجاريا وسياحيا وحضاريا، وجامعة بين الشرق والغرب. وكان أشهر أبنائها: الفنان الشامل ليوناردو دافنشي، قد سيطر لفترة طويلة على المشهد الثقافي في القرن السادس عشر.

وبسبب تلك الشمولية والشهرة، كان من الصعب على أي رسام بعد دافنشي أن يجد لنفسه موضع قدم في عالم الرسم والتشكيل، فضلا عن أن يحقق شهرة واسعة فيه أو يشتهر بتميزه.

لذلك اعتبر النقاد أن موهبة وشهرة كاناليتو لم تكن مسألة طبيعية، فقد اقتضى الأمر موهبة فذة واستثنائية ليستطيع الوسط الثقافي الإيطالي النظر لفنان آخر بعد دافنشي بعين الاعتبار، ولولا أن لوحات كاناليتو كانت أكثر تناغمًا وكثافة وأكثر جاذبية أيضًا من اللوحات المعتادة عن المناظر الطبيعية البانورامية، لما حاز الرسام تلك الشهر أو وصل لذاك النجاح.

البندقية بتضاريس حيوية
كان الاهتمام الرئيسي للرسام منصبًا على إظهار أكبر قدر من الانسجام في اللوحات الغزيرة التفاصيل، فلا تبدو وفرة التفاصيل وكثرتها مشتتة للرائي أو غير ذات جدوى وانسجام. ونرى في لوحته "القناة الكبرى في البندقية" (Grand Canal from Palazzo Flangini) المرسومة عام 1738 تقريبًا، تركيزا واضحا على التوازن بين التراكيب المعمارية والبحرية المختلفة، كذلك ركز على اللمسة الدرامية للمشهد عبر اللعب بعنصري الظل والضوء.

تصوّر اللوحة الروافد العليا للقناة الكبرى، بالقرب من مدخل قناة كاناريجيو، وهي رسم منظوري يضع عين المشاهد في منتصف القناة تمامًا، حيث يحيط به الجندول والصنادل والمباني التي تصطف على الضفاف وتظهر تفاصيلها واضحة ومرسومة ببراعة شديدة، مثل قصر فلانجيني المطل على القناة الكبرى بجوار كنيسة سان جيريميا.

توضح اللوحة أيضًا خدمة العبّارات وقوارب التجديف التي كانت الوسيلة الأساسية لعبور القناة الكبرى قبل بناء معظم الجسور التي تمتد عليها اليوم. يظهر أحد هذه القوارب في المقدمة على اليمين، بينما يظهر قارب آخر بشكل بارز في منتصف القناة.

الانتقال إلى لندن
في أربعينيات القرن الثامن عشر، تعطل سوق كاناليتو عندما أدت حرب الخلافة النمساوية إلى انخفاض عدد الزوار البريطانيين للبندقية. فقرر هو من جانبه الانتقال إلى لندن، وهناك لاقت أعماله رواجا واسعا، حتى أن بعض تلك الأعمال لا يزال ضمن مجموعة التحف الخاصة والأعمال الفنية لملكة بريطانيا حتى اليوم.

وقد رسم أثناء فترة وجوده في لندن العديد من اللوحات التي ركزت بشكل رئيسي على الفنون المعمارية، مثل جسر وستمنستر الذي اكتمل خلال إقامته، والقلاع الضخمة مثل لوحة "قلعة ورك" (Warwick Castle) التي تظهر تركيبا شديد الانسجام بين الأرض والسماء والقلعة في المنتصف أمام عين المشاهد مباشرة. كما أظهر التفاصيل المحيطة وطبيعة أنشطة الحياة اليومية للطبقة الأرستقراطية الإنجليزية.

العودة للبندقية
رسم كاناليتو مناظر رائعة لقنوات البندقية وقصر دوجي بعد عودته من إنجلترا، وصورت مناظره الطبيعية الواسعة النطاق مهرجانات المدينة وتقاليدها المتوارثة، مع التركيز على التراكيب المعمارية وبرودة وحرارة الألوان في ظل التأثيرات الجوية. مثال ذلك لوحة مهرجان عيد الصعود "دوقات منطقة مولو في عيد الصعود" (The Bucintoro at the Molo on Ascension Day)، المرسومة عام 1760.

خفت نجم كاناليتو في أواخر حياته نتيجة ظهور مدارس فنية اكتسبت شهرة كبيرة، مثل الواقعية، ولم يشفع نجاحه وشهرته الواسعة في أن يجد مقعدا في أكاديمية البندقية حتى عام 1763، بعد رفض سابق. والسبب في ذلك أن لوحاته بعد عام 1756، لا تُظهر الخيال والمهارة والحيوية التي ميّزت أعماله السابقة، حتى أن معاصريه من الشباب اعتبروا كاناليتو الأستاذ المسن المخضرم الذي يكرر نفس الفكرة في أعماله، وهي رسم قنوات البندقية.
تابعوا الوقائع على