وباء وجفاف وحرب.. هل تسهم الأزمات في ترشيد الاستهلاك الرمضاني في المغرب؟
الوقائع الاخبارية : توابل ومكسرات وتمور، سلع متراصة بالأسواق يخاف أصحابها أن تبور، يمر الناس من أمامها زاهدين، يقتنون الأهم منها قاصدين، ولسان حال العديد منهم يردد "كم من الأشياء قضيناها بتركها، وكم من عادة استبدلت بغيرها!".
خلف وباء كورونا وراءه الوهن، وأثر الجفاف في القدرة الشرائية من دون وجل، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضغط على خطوط التوريد وترفع الأسعار من جديد، فهل تسهم الأزمات المتعاقبة في ترشيد سلوك الاستهلاك بوعي، وتدفع الناس لتقليص النفقات الزائدة على الحاجة؟ ما الذي يلزم من أجل ذلك؟
تغيير بعض العادات
في جولة للجزيرة نت على الأسواق ومحلات العطارة والبقوليات التي غالبا ما تشهد الاكتظاظ قبيل رمضان، لاحظنا إقبالا فاترا وعرضا متوفرا، الأسواق ممتلئة بكل أصناف السلع، وضمان رسمي من الحكومة لصد هلع الناس، تلتزم بدعم الفوارق التي أحدثتها الأزمات لتقليل وجع السكان.
يقول عادل صاحب سيارة أجرة صغيرة للجزيرة نت "مع ارتفاع أسعار السلع وتوالي تأثير الجفاف والغلاء انكمش الكثير من الناس على أنفسهم، وقلصوا مصاريفهم"، واستدرك بنبرة تهكمية "قلصوا حتى من كلامهم حول الأزمة. الوضع ظاهر للعيان، والحالة عامة".
سلوك الاستهلاك عند المغاربة في رمضان ارتبط في موروثهم الجمعي بالوفرة والإنفاق، إذ يرتفع استهلاك الأسر بأكثر من 16% خلال رمضان، وينفق المغاربة على الغذاء خلاله أكثر من الثلث.
ويرتبط استهلاك المغاربة في رمضان بعادات محددة وبأطباق تعرف سلعها موجة تضخمية بسبب الجفاف وتداعيات الحرب، ما اضطر الكثير من الأسر لتغيير عاداتها الغذائية، كالاستغناء عن اقتناء السمسم واللوز والعسل، التي تدخل في إعداد أطباق متوارثة (السفوف والشباكية)، واستبدال شوربة خضر بالحريرة (طبق رئيسي يعتمد على الطماطم)، وفق تصريحات متطابقة من ربات أسر التقتهم الجزيرة نت.
تأثير الأزمات
يختلف تأثير الأزمات في سلوك المستهلك وفق أسبابها، ويختلف رد فعل المستهلك وفق مستواه المادي ونمط عيشه بين الحضري والقروي.
يوضح بوعزة الخراطي (رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك) في حديث مع الجزيرة نت أن الجفاف مثلا يؤثر سلبا على سكان القرى ويُسبب الهجرة، وفي المدن يسبب ندرة المواد الفلاحية التي تؤدي لارتفاع الأسعار وبالتالي اضطرار المستهلك لتغيير نفقاته وإعادة النظر في تدبير المواد الغذائية واللجوء إلى إعادة الاستعمال والتدوير.
وتوقع البنك المركزي المغربي نموا اقتصاديا في حدود 0.7% وتضخما بحوالي 4.7%.
وقالت المندوبية السامية للتخطيط إن تباطؤ النمو الاقتصادي سنة 2022 سيؤثر بشكل سلبي على نمو المداخيل والاستهلاك والادخار الوطني.
ويساهم دخل الأسر في الدخل الوطني الإجمالي بحوالي 62%.
وبناء على الارتفاع المرتقب للأسعار سنة 2022 وزيادة الاستهلاك النهائي للأسر بالأسعار الجارية بـ 4.5% ستعرف القدرة الشرائية تراجعا وستؤدي هذه الوضعية إلى تفاقم مديونية الأسر التي تقدر بأكثر من 34% من الناتج الداخلي الإجمالي.
الخوف يغير السلوك
يقول الخراطي إن ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية يدفع المستهلك لتغيير الأولويات، كأن يتخلى عن الخدمات الترفيهية ويكتفي بالأساسيات، ووفق الخراطي فإن الأزمات تدفع المستهلك لِتدبير نفقاته بجدية.
بالإضافة للتأثير الذي خلفته أزمة الجائحة، رُصدت تداعيات تهم أساسا ارتفاع أسعار مجموعة من المواد، جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، خصوصا أسعار المحروقات.
يقول المحلل الاقتصادي محمد الشرقي في حديث مع الجزيرة نت إن الإنسان بطبعه ميال للاستهلاك والاستجابة لرغباته، والاضطرار يدفعه لتغيير عاداته ويحد من جموحه الاستهلاكي.
ويلاحظ الشرقي أنه في الأزمات كالوباء والحرب يؤدي الخوف أحيانا إلى سلوك عكسي، حيث يعمد الناس ادخار السلع خوفا من نفادها. ووفق الشرقي لا يحد الرغبة في الاستهلاك إلا ندرة المال وندرة السلع.
وخلال جائحة كورونا سُجل تغيير في ترتيب الأولويات، وتحول في الإنفاق كتراجع شراء الملابس مثلا، وتراجع شراء السيارات، في حين ارتفع الإقبال على الحواسيب والبرمجيات الرقمية. وفي بعض المجتمعات تغير سلوك الاستهلاك الزائد إلى الادخار.
ترشيد الاستهلاك
في العادة يخلق رمضان دينامية في الأسواق، ويحرك عجلة الاقتصاد، ويخلق فرص شغل إضافية، وتسهم ديناميته الاقتصادية في إعادة توزيع الثروة، وفق محمد الشرقي، على اعتبار ارتفاع الاستهلاك المحلي وارتفاع الطلب الداخلي.
يوضح الخبير الاقتصادي محمد الشرقي أن "المغاربة تعودوا على الخصب وأن الماء والخبز لا ينضبان، وحان الوقت ليعرفوا أن الماء ينضب بسبب التحولات المناخية، والخبز ينضب بسبب الأزمات والحروب"، منبها لضرورة ترشيد الاستهلاك على المستوى الفردي، وإعادة توجيه الدعم العمومي نحو الاستثمار في الإنسان.
وينصح معظم الفاعلين المستهلك بالعدول عن التهافت على الأسواق وترشيد النفقات واستعمال المواد بعقلانية.