"يوم الحداد الوطني في المكسيك" يعيد خيري بشارة لفن الأفلام القصيرة
الوقائع الاخبارية : "الأحداث مستوحاة مما حدث عام 1999 في مدينة باظ الجديدة، عاصمة جمهورية جنوب آسيا، حين أصدرت المحكمة العليا قرارا بمنع عيد الحب".
بهذه العبارة يبدأ الفيلم القصير "يوم الحداد الوطني في المكسيك"، الذي يعود به المخرج الكبير إلى فن السينما بفيلمه القصير الذي عرضته شبكة نتفليكس مؤخرا ضمن سلسلة أفلام قصيرة بعنوان "عن الحب والحياة"، تتناول قصص حب مختلفة خلال عيد الحب (الفالنتاين) صنعها 8 مخرجين عرب في بلادهم.
ممنوع الحب
يشارك في بطولة الفيلم القصير الفنان المصري آسر ياسين، بسمة، ندى الشاذلي، علي صبحي ونورا شيشة، وكتبته نورا الشيخ.
منذ اللحظات الأولى ندرك أن الحب صار ممنوعا، وأن هداياه صارت محرمات يمنعها القانون، حيث نستمع لصوت المذيع حسن مفتاح (آسر ياسين) يحكي عن ضبط هدايا عيد الحب ومداهمة بعض الأماكن التي كانت تنوي الاحتفال سرا بعيد الحب، ويطلب من المستمعين الالتزام بالقانون الجديد منبها "احذروا الاحتفالات.. امنعوا اللون الأحمر.. امنعوا الحب"، فهل يلتزم المذيع نفسه بهذا القانون؟
أنت في عالم يقيس ضربات قلب الإنسان ليتأكد أنه لا يحب.. ممنوع ارتداء الملابس الحمراء، أو قيادة السيارات الحمراء، ممنوع الغناء للحب، ممنوع "الدبدوب".. فالحب صار مثل تجارة المخدرات، ويحاول الإعلام -ويمثله حسن مفتاح- التشويش على أى ذكرى للحب، فالمذيع يخبر مستمعيه أن 14 فبراير/شباط هو ذكرى يوم الحداد الوطني في المكسيك، وليس عيد الحب.. ويبرر المذيع الأكاذيب التي يبثها أن "الناس مش لاقية تاكل (لا تجد مالا لتشتري الطعام)، فهل تقدر أن تحب؟!".
ورغم أن القصة تدور في مدينة وهمية اسمها "باظ الجديدة"، فإننا نستطيع تبين معالم مدينة القاهرة بشوارعها ومبانيها وحافلات النقل العام، فهل تعمد المخرج أن يضع الأحداث في مدينة وهمية لكنه لا يمانع أن يؤكد أن هذه هي القاهرة المعاصرة؟
هذه الأجواء تعيدنا لرواية "فهرنهايت 451" للكاتب الأميركي راي برادبري، والتي تقدم قصة نظام شمولي يغزو العالم، ويجعل من التلفزيون دعايته السياسية، ويحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايتا، ويقع رجل الإطفاء "مونتياج" في حب القراءة، ليتمرد على مهنته والسلطة كلها.. المختلف في "يوم الحداد" أن الأمر هنا يأتي ساخرا، هزليا، ممتعا، يصل لدرجة السذاجة أحيانا، حيث يخاطب رجل الأمن الدمية الدب (الدبدوب رمز الاحتفال بعيد الحب) ويطلب من فتاة معتقلة أن تمزقه.
لا يزال شابا
نرى بشارة -الذي يقترب عمره من 75 عاما- في فيلمه الأخير كأنه لا يزال شابا، كأنه يقدم نسخة فانتازية عصرية تلي فيلمه "آيس كريم في جليم"، الذي يعتبره البعض أيقونة السينما المصرية في التسعينيات.
هنا يستبدل ببطله سيف (عمرو دياب) في الفيلم الأول بطله حسن مفتاح (آسر ياسين)، كلاهما يتمرد على الواقع، سيف يتمرد على مجتمعه ويدخل السجن ويغني في الشوارع، بينما مفتاح يتمرد على القانون البغيض ويعلن ثورة ضد النظام عبر مذياع الراديو.
حتى الأغاني التي قدمها بشارة في نهاية "يوم الحداد" حين ينطلق البطل وحبيبته على دراجة نارية في شوارع القاهرة، ويغنيان معا أغاني الحب.
عودة للأفلام القصيرة
يرى بشارة أن فيلمه هو فرصة للعودة لصناعة الأفلام القصيرة التي كان قد بدأ بها رحلته السينمائية، وهو الذي قدم أفلاما تسجيلية قصيرة في بداية مشواره على غرار زملائه ممن صاروا من أهم مخرجي السينما المصرية مثل داود عبد السيد وشادي عبد السلام.
ويحكي بشارة أنه عندما بدأ في صناعة الأفلام الروائية الطويلة صار عاجزا عن صناعة الأفلام التسجيلية، وهو ما يصفه بأمر غريب، مضيفا "دائما عندما كان يقول لي أي شخص عود (عد) مجددًا للأفلام التسجيلية أجد نفسي عاجزًا".
ويضيف بشارة -في حديثه لجريدة الأهرام المصرية- أن كل مرحلة في حياته مرتبطة بهدف، فالسينما الروائية تخلص عنده بفيلم "يوم حلو يوم مر"، وليس لديه ما يقوله بعدها، وجاءت له فرصة العودة للسينما بفيلمه الأخير "يوم الحداد الوطني في المكسيك"، مؤكدا "هذا الفيلم ليس من اختياري لكن هو فرصة اختياري وليس عودة مقصودة بالرجوع لمرحلة مبكرة من حياتي، لكنها فرصة جاءت لي حتى أعود لروحي القديمة بطريقة مختلفة".
تجربة بشارة
تخرج بشارة في المعهد العالي للسينما في عام 1967، وقضى عاما ونصف العام في بولندا للتدريب، وعاد إلى مصر ليقدم مجموعة من الأفلام التسجيلية التي كتب السيناريو لها وأخرجها أهمها "صائد الدبابات" (1974)، "طبيب في الأرياف" (1975)، و"طائر النورس" (1976)، والتي مزج فيها بين الأسلوب الروائي والتسجيلي قبل أن يبدأ مسيرته في السينما الروائية مقدما روائعه مثل "آيس كريم في جليم" و"كابوريا" و"قشر البندق" و"الطوق والأسورة" و"أمريكا شيكا بيكا".
وقد كرّم مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية بشارة مؤخرا، كما كرمه مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الأولى العام الماضي.
احتفاء
واحتفى صناع السينما المصرية بعودة بشارة للسينما، حيث كتب المخرج عمرو سلامة على تويتر وفيسبوك مادحا الفيلم، وعلق: "فيلم بيفكرنا ليه (يذكرنا بأن) خيري بشارة واحد من أعلام السينما المصرية"، كما علق الناقد أحمد عاطف بأن "الفيلم مؤلم دون إزعاج، بديع دون شكلانية، حقيقي دون فجاجة، هزلي دون تسطيح، عميق دون ادعاء، يعرينا دون كشف عورتنا. خيري بشارة لم يعد إلى السينما، بل عادت السينما لاهثة إليه".
وجاء فيلم "يوم الحداد" ضمن 8 أفلام روائية قصيرة تضم أيضا "أخويا" إخراج ساندرا نشأت، "الأعشى" إخراج عبد المحسن الضبعان، "حب في ستوديو العماريّة" للمخرج محمود الصباغ، "كازوز" إخراج هاني أبو أسعد وأميرة دياب، "مسلخ السعادة" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، "سيدي فالنتاين" للمخرج المغربي هشام العسري، "قلب أحمر كبير" للمخرج اللبناني ميشال كمون.
تحية لفن الأفلام القصيرة
في عام 2011، قدّم 10 مخرجين مصريين 10 أفلام قصيرة بعنوان "18 يوم"، تحت ثيمة واحدة عن الثورة المصرية بعد أشهر من اندلاعها في يناير/كانون الثاني 2011، واحتفى مهرجان كان السينمائي بعرضه، لكن الفيلم واجه صعوبات في طريقه للعرض التجاري، وأثار تساؤلات عن أسباب تعثره تجاريا، هل لأنها أفلام قصيرة مجمعة أو القضية السياسية التي يقدمها؟
عادة يبدأ المخرجون مسيرتهم في السينما بصناعة الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية، ثم ينطلقون إلى عالم السينما الروائية الطويلة، مما يجعل جمهور السينما القصيرة محدودا عادة يتركز في المهرجانات السينمائية.
هنا يمثل تقديم 8 من أشهر مخرجي السينما العربية هذه الأفلام "عن الحب والحياة" تحية للسينما الروائية القصيرة، التي عادة ما يهجرها صناع الأفلام بعد شهرتهم، والتي لا يوجد سوق كبير لها ولا تحقق أرباحا كافية لتحمل تكلفتها الإنتاجية، ولكن تحمس منصات الإنترنت -مثل نتفليكس- لعرض الأفلام القصيرة قد يسهم في ازدهار هذا الفن، أو هكذا يؤمل.