قلق شعبي ومنظمة دولية تحذر من نفاد مخزون القمح بمناطق السلطة الفلسطينية
الوقائع الاخبارية : بعد يوم على تحذير منظمة أوكسفام الدولية من نفاد مخزون القمح الفلسطيني مع نهاية شهر رمضان المبارك، خرجت وزارة الاقتصاد الفلسطيني ببيان رسمي قالت فيه إن مخزون القمح والمواد الأساسية في الأسواق الفلسطينية تكفي شهرين على الأقل.
وكانت منظمة أوكسفام حذرت في 12 أبريل/نيسان 2022 من نفاد مخزون القمح والدقيق في الأراضي الفلسطينية في غضون 3 أسابيع مع نهاية الشهر الجاري، مشيرة إلى أن الحرب في أوكرانيا تفاقم أزمة الغذاء للفلسطينيين.
واستندت المنظمة الدولية -التي تعد أكبر المنظمات الخيرية الدولية المستقلة في مجالي الإغاثة والتنمية- إلى عدم وجود بنى تحتية لتخزين القمح لدى السلطة الفلسطينية، التي تستورد 95% من قمحها من الخارج، وبالتالي عدم وجود مخزون إستراتيجي لها.
ورغم التوضيح الذي نشرته الوزارة فإن حالة من القلق تسود الشارع الفلسطيني من نقص كميات القمح والدقيق، وبالتالي ارتفاع أسعار منتجاته من خبز وغيره.
لا قلق من نفاد المخزون
حسب وزارة الاقتصاد، فإنه لا صحة لما أعلنته "أوكسفام" ولا مبرر لحالة القلق؛ فمخزون القمح والطحين يكفي شهرين على الأقل، كما يقول مدير عام الإدارة العامة لحماية المستهلك في وزارة الاقتصاد إبراهيم القاضي.
وأوضح القاضي -للجزيرة نت- حجم الكميات المستهلكة بين المستورد والمنتج محليا، إذ تستورد فلسطين ما تحتاجه من القمح بما يقدر بـ650 ألف طن سنويا، بنسبة 70% على شكل دقيق، ومعظمها من من أوكرانيا، وهو ما تسبب في نقص الكميات في بداية الحرب وغلاء أسعارها.
في حين أن الكمية الباقية من حاجة السوق تغطيها المطاحن المحلية، التي تستورد معظم القمح من أوكرانيا. وحسب القاضي، فإن أوكسفام استندت في معلوماتها إلى مصادر غير موثوقة.
وحول اعتماد فلسطين على إسرائيل والقطاع الخاص، قال القاضي إن فلسطين لا تزال محتلة، وبالتالي هناك عراقيل احتلالية لبناء صوامع لحفظ مخزون إستراتيجي من القمح، وهو ما يجعل الحكومة تعتمد على القطاع الخاص ومخازنه.
وحسب القاضي، فإن القمح الذي يتم طحنه في المطاحن المحلية التابعة للقطاع الخاص، 14% منه إنتاج محلي.
توقعات بارتفاع الأسعار
نسبة الإنتاج المحلي من القمح التي تحدث عنها القاضي أكثر من الواقع الحقيقي حسب صاحب الشركة الأوروبية لمطاحن الدقيق منتصر بدارنة، فهي بالكاد تصل إلى 10%، في حين يتم استيراد 90% منها من الخارج، وهو ما يتوافق مع كميات إنتاج القمح حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وحسب بدارنة، فإن النسبة التي تغطيها المطاحن هي 25% فقط وليس 30% كما يقول المدير في وزارة الاقتصاد، وهو ما يرفع حجم الاستيراد الخارجي من الدقيق إلى 75% حسب قوله.
وقال بدارنة للجزيرة نت إن المخزون لدى شركته يكفي 3 أشهر، ولكن في حال تعذر استيراد الطحين خلال الفترة المقبلة لن يكفي المخزون أياما.
وفي أسوأ الأحوال -كما يقول- سترتفع الأسعار، و"نعتمد على الاستيراد من أوكرانيا بالدرجة الأولى، وبسبب الحرب ارتفع سعر طن القمح من 240 دولارا إلى 570 دولارا، وقيمة التدخل الحكومي لا تغطي خسارتنا".
من جانبه، يقول القاضي إن التدخل الحكومي قلل الخسائر لدى القطاع الخاص، إلى جانب أن التدخلات الحكومية فتحت أمامهم أسواقا جديدة، مثل السوق التركي، و"لو لم تتدخل الحكومة لدعم الطحين لشهدنا ارتفاعات كبيرة في الأسعار".
بين القطاع الخاص والحكومة
والتناقض في حجم الكميات وتوزيعها ملاحظ بين القطاع الخاص والحكومة، ويرجح الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم صحة معطيات القطاع الخاص؛ فالوزارة لا تملك قاعدة بيانات محدثة، وهو سبب التناقض أيضا مع أوكسفام.
وفي رأي عبد الكريم، فإن على الحكومة تبني حلول من شأنها تجنب الفلسطينيين هزات الأمن الغذائي التي تدور في العالم، وليس الخروج ببيانات توضيحية، وتابع للجزيرة نت "في حين نشهد أزمة عالمية وكل دول العالم تتهافت على توفير الحبوب، نجد الحكومة الفلسطينية تعتمد على القطاع الخاص أو إسرائيل".
وحسب عبد الكريم، فإن السلطة لديها خيارات ممكنة، مثل بدء زراعة بذور القمح المُحسنة، وبناء مخزون إستراتيجي للحكومة.
وقال إن الحكومات في أكثر الدول الرأسمالية تتسلم زمام الأمور في الأزمات، فهي من يقع على عاتقها تأمين الأمن الغذائي، حتى بوجود شراكة مع القطاع الخاص.
السيادة على الغذاء
الخيارات التي تحدث عنها عبد الكريم لن تؤمن الأمن الغذائي للفلسطينيين فقط، وإنما السيادة الغذائية وهي الأهم، كما يقول خبير الأمن الغذائي سعد داغر.
وحسب داغر، فإن سياسة الأمن الغذائي لا تؤدي إلى اكتفاء ذاتي، فمن يملك المال والنفوذ لشراء الغذاء يحقق الأمن غذائي، ولكن السيادة تعني الحق في إنتاج الغذاء باستغلال الموارد الطبيعية المحلية، وهو ما نحتاجه في الحالة الفلسطينية تحت الاحتلال.
وخلال حديثه للجزيرة نت، أشار داغر إلى أن بوادر أزمة الغذاء برزت خلال جائحة كورونا، ولكن السلطة الفلسطينية لم تلتقط هذه الإشارات ولم تبدأ في حلول إستراتيجية.
وفي حال عودة الفلسطينيين للتركيز على زراعة القمح، فإنه لن يكفي السوق الفلسطيني كما يقول داغر، ولكن "هناك فرق بين الاعتماد الكلي والاعتماد الجزئي على الاستيراد من الخارج".
وقال داغر إن زراعة القمح تراجعت بنسبة كبيرة خلال عمر السلطة الفلسطينية، داعيا المؤسسات الرسمية والتنموية الأهلية إلى تخصيص جزء من عملها لإعادة الزراعات الإستراتيجية، مشيرا إلى أنه في فترة الخمسينيات كانت فلسطين تصدر القمح للأردن والخليج، محذرا من أن "الأزمة الأوكرانية لم تنته وتأثيرها طويل الأمد، ويمكن أن نواجه أزمة غذاء حقيقية".