مخاطر صحية وفوائد اقتصادية.. هل تزرع مصر القمح المعدل وراثيا؟

مخاطر صحية وفوائد اقتصادية.. هل تزرع مصر القمح المعدل وراثيا؟
الوقائع الاخبارية : عبر بيان شمله الغموض، أعلنت هيئة الطاقة الذرية المصرية نجاح علمائها المختصين بالبحوث الزراعية في إنتاج طفرات جديدة من القمح، وهو ما أثار تساؤلات حول سر تلك الطفرة وما إن كانت معدلة وراثيا، وتأثيراتها الصحية، فضلا عن أهميتها لمصر المستورد الأول للقمح على مستوى العالم.

وتمكن الباحثون من استنباط عدد من طفرات القمح عالية الإنتاجية وذات الصفات المحسنة سواء فيما يتعلق بالإنتاجية أو تحمل الأراضي الملحية ومقاومة ندرة المياه، وذلك وفق تأكيد الهيئة الذرية، التي قالت إن الزراعة تمت بموقع الهيئة في مدينة أنشاص، بمحافظة الشرقية، التي تبتعد نحو 60 كيلومترا عن العاصمة القاهرة.

وبينما لم يشر البيان إلى كون القمح الجديد مُعدلا جينيا، أعلنت "المنظمة الدولية للنباتات المحورة وراثيا" (ISAAA) أن الهيئة المصرية بدأت في حصاد قمح مُعدل وراثيا.

والقمح المعدل وراثيا هو الذي تمت هندسته وراثيا عن طريق التلاعب المباشر بجيناته باستخدام التكنولوجيا الحيوية، وحتى عام 2020، لم يكن مسموحا على المستوى العالمي بتداول أصناف من القمح المعدل وراثيا للاستخدام الآدمي.

ومنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط الماضي، تحاول الحكومة المصرية عبر حزمة إجراءات تجنب تعرض البلاد لأزمة غذائية بسبب نقص القمح، حيث اعتمدت القاهرة على موسكو وكييف في استيراد نحو 80% من احتياجاتها الخارجية من القمح عام 2021.

إنتاجية عالية
الطفرات الجديدة التي أعلنت عنها هيئة الطاقة الذرية، ستؤدي إلى زيادة في معدل الإنتاج بزيادة طن تقريبا للفدان مقارنة بالأصناف المصرية المستخدمة حاليا، وستقلص مدة الزراعة حيث تستغرق 140 يوما من بدء الزراعة حتى الحصاد.

كذلك فالطفرات الجديدة تنتج حبوبا ممتازة تحتوي على نسبة تصافي عالية، وفق ما أكدت الجهة الرسمية.

وفي هذا السياق، يقول رئيس هيئة الطاقة الذرية عمرو الحاج، إن الطفرات الزراعية ستساهم في زيادة إنتاجية القمح بمصر بنسبة لا تقل عن 33% عن أنواع القمح التقليدية. وأضاف الحاج في تصريحات صحفية إن الاعتماد على الأصناف الجديدة سيؤدي إلى سد الفجوة الغذائية وتقليل الكميات المستوردة من القمح، ومن ثم توفير العملة الصعبة ودعم الاقتصاد المحلي.

ويستعد فريق العمل بالهيئة لتجهيز العينات التي طلبتها لجنة تسجيل الأصناف بوزارة الزراعة، وتستغرق إجراءات تسجيل صنف جديد من الحبوب حتى يمكن تداوله نحو 3 سنوات.

من جانبه، دعا المستشار الإعلامي لهيئة الطاقة الذرية شريف الجوهري إلى تقليل مراحل اعتماد الطفرات الزراعية، مضيفا أن مدة الثلاث سنوات تستنفذ جهود الباحثين إلى جانب أزمة إنتاج الحبوب التي يشهدها العالم حاليا.

وأكد -في تصريحات صحفية- ضرورة دراسة تعديل الأطر التقليدية المتبعة في اعتماد الطفرات الزراعية، مع إمكانية اختبار تلك الطفرات ومتابعتها في أماكن إنتاجها، وذلك بواسطة لجان رسمية مختصة مع عمل جميع الاختبارات عليها، للتأكد من صفاتها والظروف التي تسمح باستخدامها.

أين الأمانة العلمية؟
التناقض بين ما أعلنت عنه هيئة الطاقة الذرية المصرية وبين المنظمة الدولية للنباتات المحورة وراثيا، رآه الخبير الدولي في الغذاء ومستشار وزير التموين الأسبق، نادر نور الدين، أمرا لا يساير الأمانة العلمية المطلوبة من جانب الجهة المصرية.

وفي مقال حمل عنوان "إنتاج القمح المحور وراثيا في مصر: دعوة للحوار"، قال إن الهيئة المصرية ادعت أن إنتاج الصنف الجديد من القمح جرى عبر طفرات طبيعية تحدث في الحقول، وذلك نتيجة للإشعاعات الكونية وعوامل أخرى.

وأوضح خبير الغذاء أن إنتاج الحبوب عبر التحور الوراثي يستلزم العديد من اختبارات الأمان الجيني التي تستغرق سنوات طويلة، مضيفا أن جميع دول العالم حظرت استخدام القمح الناتج عن التعديل الوراثي في إنتاج المخبوزات والمكرونة، مع قصر استخدامه على إنتاج الوقود الحيوي والنشا اللازم لإنتاج زيوت السيارات وكعلف حيواني.

واستطرد نور الدين مبينا خطورة الحبوب المعدلة "الكائنات المحورة جينيا هي كائنات تغيرت فيها المادة الوراثية لـ"الحمض النووي" (DNA) بطريقة معملية لا تحدث في الطبيعة، يتم فيها نقل بعض الجينات المنتقاة من كائن عضوي إلى آخر، ويتم ذلك عبر استخدام تقنيات تسمى الهندسة الوراثية".

وضرب مثلا بنقل جين يتحمل البرودة الشديدة من أسماك المحيط المتجمد، إلى بعض أصناف القمح كي يتحمل المحصول المناخ البارد.

لكن نقل الجينات لا يتم بالسهولة المتوقعة، فوفق مستشار وزير التموين الأسبق، لا تؤدي كل تجارب الهندسة الوراثية إلى النتائج المأمولة، وأضاف "في الهند، عام 2011، تسبب الباذنجان المحور وراثيا لمقاومة الإصابات الحشرية في الإصابة بالتورم وسرطانات في مختلف أجزاء الجسم".

وبيّن أن الدول الأفريقية الفقيرة ترفض قبول معونات من القمح المنتج بالتعديل الوراثي، حتى لا تصبح فئران تجارب للدول الكبرى المنتجة له.

وتساءل الخبير الغذائي في ختام مقاله "هل سنسمح باستخدام القمح المحور وراثيا في مصر رغم منعه من جميع دول العالم"؟.

التحسين والتعديل
ثمة فارق كبير بين التحسين الوراثي والتعديل الوراثي، وفق توضيح الأستاذ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، عبد السلام منشاوي.

وقال منشاوي -في تصريحات صحفية- إن القمح المحسن وراثيا يقتصر تدخل الإنسان فيه على التهجين التقليدي بين الأصول الوراثية التي تحمل الصفات المرغوبة، مضيفا أن هذا التهجين يهدف إلى إيجاد تباينات وراثية أو تراكيب وراثية جديدة، يتم من خلالها الانتخاب والحصول على أصناف جديدة تحمل صفات مرغوبة في الإنتاجية وتتحمل الظروف البيئية.

أما التعديل الوراثي فهو موضوع مختلف تماما، وفق تأكيد منشاوي، لافتا إلى أنه يعتمد على التعديل في التركيب الوراثي للنبات من خلال إحدى تقنيات التكنولوجيا الحيوية للهندسة الوراثية، عن طريق إدخال جينات جديدة للنبات أو تحوير في التركيب الجيني.

وشدد على أن التعديل الوراثي محظور على المستوى العالمي، ولا توجد أصناف من القمح المعدل وراثيا يتم تداولها تجاريا.

حظر وإجازة
في عام 2016، تداولت وسائل إعلام محلية أخبار عن استعداد البرلمان المصري لمناقشة مشروع قانون "السلامة الإحيائية في تداول منتجات التحور الوراثي".

وتضمن القانون المعد من جانب وزارة البيئة 28 مادة، منها تشجيع التعامل بأقصى استفادة آمنة من تقنيات التحور الوراثي، وتيسير التعامل مع الدول الأخرى في الاستخدام الآمن للمنتجات المحورة وراثيا بشفافية، والتأكيد على حق المستهلك في اختيار حر بين المنتجات المحورة وراثيا وغيرها من المنتجات.

كذلك شمل تقييم المخاطر المحتملة على صحة الإنسان والبيئة، بما في ذلك الكائنات الحية من جراء إطلاق منتجات التحور الوراثي في البيئة.

ولم تُشر بعد ذلك وسائل الإعلام إلى مصير مشروع القانون سواء رفضه البرلمان أو مرره.

وفي عام 2016، طالبت الجمعية الملكية البريطانية بإعادة النظر في الحظر المفروض من قبل دول أوروبية على المحاصيل المُعدلة وراثيا. وقال رئيس الجمعية فينكي راماكريشنان، إنه من غير المناسب فرض حظر على تكنولوجيا التعديل الوراثي بالكامل، مضيفا أنه ينبغي تقييم المنتجات كل على حدة.

وتابع مدافعا عن المحاصيل المعدلة وراثيا "التعديل الوراثي هو تكنولوجيا تهدف لإدخال مجموعة معينة من الصفات على النباتات، وعليك أن تقرر الصفات المناسبة وغير المناسبة في كل حالة على حدة".

ذلك الحظر الذي يطوق التعديل الوراثي كسرته الأرجنتين عام 2020، حين أجازت تسويق نوع من القمح سلالة "إتش بي 4" (HB4) المعدّل جينيا، وأصبحت أول دولة في العالم تقوم بذلك.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وافقت البرازيل على استيراد الدقيق الأرجنتيني المصنوع من القمح المعدل وراثيا لمقاومة الجفاف ومبيدات الأعشاب الشائعة، ما جعلها أول سوق في العالم يمنح تلك الموافقة.
تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير