قمر الفراولة والقمر الدموي بين الأساطير والفن

قمر الفراولة والقمر الدموي بين الأساطير والفن
الوقائع الاخبارية : شهدت سماء مصر مساء أمس الثلاثاء الذي يوافق 15 ذي القعدة 1443 ظهور قمر منتصف الشهر الهجري، والذي يختلف عن الأقمار المعتادة، فهو ثاني قمر عملاق يظهر في سماء مصر والوطن العربي ويطلق عليه اسم "قمر الفراولة"، وقد بدا واضحا في أقرب نقطة له من الأرض.

يرجع ذلك الاسم إلى الهنود الحمر لأن هذا القمر العملاق يظهر بالتزامن مع موسم جني ثمار الفراولة.

ورغم اسمه فإنه لا يظهر باللون الوردي أو الأحمر الذي يميز ظهور القمر في أوقات فلكية أخرى، ويسمى هذا القمر القمر الدموي، وهو من أكثر الظواهر الفلكية إلهاما للفنانين والشعراء والموسيقيين على مر العصور، سواء كان قمرا دمويا أو مكتملا أو حتى هلالا بسيطا.

ورغم استكشاف الفضاء في العصور الحديثة فإن جاذبية القمر لم تتلاشَ، واحتفظ بمكانته وتأثيره السحري العميق على البشر والحيوانات والطبيعة بشكل عام.

أساطير القمر القديمة
جاء القمر الدموي بتفسيرات سيئة بالنسبة للعديد من الحضارات، فقد فسر شعب الإنكا القديم (إمبراطورية قديمة قامت ببنائها شعوب من الهنود الحمر في منطقة أميركا الجنوبية) اللون الأحمر على أنه نمر جاكوار يلتهم القمر، وسوف يتحول بعد ذلك ليلتهم الأرض.

وكان أهل الإنكا يصرخون ويهزون رماحهم ويدفعون كلابهم للعواء والنباح على أمل إحداث ضوضاء كافية لإبعاد الجاكوار عن الأرض.

واعتبر خسوف القمر علامة على الهجوم على الملك في بلاد ما بين النهرين القديمة وهي العراق، وسوريا وتركيا ما بين نهري دجلة والفرات.

ونظرا لقدرتهم على التنبؤ بموعد الكسوف بدقة كبيرة كان سكان بلاد ما بين النهرين يضعون ملكا مزيفا طوال مدة الخسوف ثم يعود الملك الأصلي إلى عرشه بعد انتهائه.

أما الحضارة الهندوسية فكانت تفسر الخسوف على أنه نتيجة لشرب الشيطان إكسير الخلود وابتلاع رأس القمر التي يظل ينزف طوال استمرار مدة القمر الدموي.

من أشهر الأساطير أسطورة شعب باتاماليبا في توغو وبنين بأفريقيا، حيث ينظرون إلى خسوف القمر على أنه صراع بين الشمس والقمر يؤكد على العداء القديم بينهما.

أما في الثقافة الإسلامية فيفسر خسوف القمر بلا خرافات، إذ يمثل كل من الشمس والقمر دلالة على قدرة الله، لذلك عند خسوف القمر أو كسوف الشمس يلجأ المسلمون إلى الصلاة والاستغفار استشعارا لعظمة الخالق وتحكمه في مخلوقاته.

وفي الثقافة المسيحية يرتبط القمر الدموي مع ما يعتقدون بأنه صلب للمسيح، ويعد علامة من علامات نهاية العالم.

القمر في الفنون البصرية
عثر على أول تصوير للقمر في فنون أوروبا في ألمانيا، وهو عبارة عن قرص برونزي يبلغ عمره 3600 عام ويعرف باسم قرص "نيبرا سكاي"، وهو مزين بأشكال ذهبية ودائرية وهلالية الشكل، ويرجح أنه استخدم في الملاحظات الفلكية.

استخدم القمر في الفنون البصرية لتمثيل العديد من الأشياء المختلفة، مثل: البراءة ومريم العذراء والجنس الأنثوي، وكثيرا ما نظر الفنانون إلى القمر بحثا عن سحره في فنون عصر النهضة، ولأنها تتمتع بطابع ديني استخدم الكسوف في مشاهد الصلب لترمز إلى الظلام والأذى والألم الذي وقع على المسيح حسب الديانة المسيحية.

صور الفنان المكسيكي روفينو تامايو عام 1980 خسوف القمر الجزئي في حقل أخضر فارغ في إحدى لوحاته، ورغم أن اللوحة أقرب للتجريد ولا تحمل الكثير من التفاصيل فإن درجات الألوان الباهتة التي اختارها الفنان تؤكد على الإحساس المؤثر لخسوف القمر.

في لوحة "رجلان يتأملان القمر" للفنان الألماني كاسبار ديفيد فريدريش عام 1820 يظهر رجلان في غابة مظلمة وكأنهما يستمتعان بالنظر إلى القمر ويتحدثان بشأنه، يقف الرجلان في مشهد درامي وظهرهما للمشاهد، مما يعطي انطباعا بأن هناك شيئا خفيا يحاولان الوصول إليه أو معرفته.

في النصف الأخير من القرن الـ20 كانت رسوم الفنانين للخسوف أقل أهمية للاكتشاف العلمي وأكثر أهمية لتفسير الحدث، بالنسبة لحدث كوني بهذه الأهمية والغرابة تبدو عين الفنان أداة مهمة بالفعل، لأنها لا تزال ظاهرة مشبعة بالغموض الذي يلتقطه الفنان بأشكال مختلفة في لوحاته.

رسوم عالية الدقة
رسم الفنان الأسترالي جون راسل في القرن الـ18 أول رسوم تفصيلية لسطح القمر خلال مراحله المختلفة، وقد أمضى أكثر من 20 عاما في مراقبة القمر وتوثيقه ورسمه، مما نتج عنه مجموعة من رسوم الباستيل أقرب إلى الفوتوغرافيا، وتبقى هذه المجموعة من الصور حتى اليوم هي الأكثر قربا للقمر حتى أنه أحيانا يتم الخلط بينها وبين الصور الفوتوغرافية عالية الدقة.

على الرغم من كل الأعمال المذكورة فإن لوحة "ليلة النجوم" لفينسنت فان غوخ هي الأشهر، وهي من أهم اللوحات المحبوبة والمعروفة في الفن الغربي الحديث، رسمها فان غوخ بضربات فرشاة منمقة وقوية وبألوان زاهية رغم أنه رسمها من شباك مصحة سان ريمي دي بروفانس جنوبي فرنسا أثناء علاجه فيها من الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب.


تابعوا الوقائع على
 
جميع الحقوق محفوظة للوقائع الإخبارية © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الوقائع الإخبارية )
تصميم و تطوير